شفق نيوز/ أثارت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية قضية الأكاديميين ورجال الأعمال والباحثين الاسرائيليين الذين يضطرون إلى المخاطرة والسفر الى دول مصنفة "عدوة" مثل العراق وإيران ولبنان وسوريا، لتعزيز أبحاثهم ودراساتهم، مثلما جرى مع الإسرائيلية اليزابيث تسوركوف المخطوفة في العراق منذ آذار/مارس الماضي. 

وبعدما أشار التقرير الاسرائيلي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى ان الاشخاص مثل تسوركوف لا بديل أمامهم عن العمل الميداني برغم المخاطر الجسيمة، مذكرا بأن الخبيرة بشؤون الشرق الاوسط، المولودة في سان بطرسبرغ، دخلت الى العراق بجواز سفرها الروسي، للقيام بأبحاث، مضيفة أن ما قامت به يمثل "شجاعة" بمغامرتها للعمل ميدانيا في بلد تعتبره اسرائيل دولة معادية، لكن تسوركوف ليست وحدها.

ونقل التقرير عن الباحث في "مركز موشيه ديان" في جامعة تل أبيب نير بومز وهو ايضا رئيس "منتدى سوريا"، قوله إنه "جرى الكشف أيضا عن أكاديميين (إسرائيليين) آخرين خلال قيامهم بعمل ميداني في بلدان (مثل سوريا ولبنان والعراق) ويحملون جوازات سفر اسرائيلية". 

وذكر التقرير الاسرائيلي انه برغم ان اسرائيل تصنف ايران والعراق وسوريا ولبنان على انها دول "عدوة" ولا تقيم معها علاقات دبلوماسية وهي رسميا بحالة حرب معها، الا ان هناك إسرائيليون يدخلون في بعض الاحيان الى هذه الدول مستخدمين جوازات سفر أجنبية. ولفت التقرير إلى أنه في العراق، يعتبر اقليم كوردستان فقط هو الآمن بشكل معقول.

واوضح التقرير ان الصحفيين ورجال الأعمال يغامرون بالقيام بهذه الرحلات أكثر من الأكاديميين. ولفت إلى أن الصحفي الإسرائيلي إيتاي أنجيل استخدم جواز سفره الأمريكي حيث أن اسمه مكتوب بشكل مختلف فيه، لدخول أماكن مثل سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، في حين استخدمت الإسرائيلية كسينيا سفيتلوفا ، النائبة السابقة والصحفية، جواز سفرها الروسي الذي كانت تحمله للسفر عبر العالم العربي.

وتابع التقرير ان ايران والعراق ولبنان تحظر دخول الاسرائيليين وهي تحاكم مواطنيها الذين يتعاملون مع الاسرائيليين، في حين ان لبنان يحظر أيضا دخول الرعايا الأجانب الذين سبق لهم أن زاروا اسرائيل.

ولفت التقرير الى عدم وجود بروتوكول رسمي للإسرائيليين يتعلق بالذين يسافرون الى دول معادية، إلا أن العديد ممن يسافرون بالفعل يتخذون احتياطات، بعضها حددته جامعاتهم بما في ذلك لجنة الأخلاقيات في الجامعة. لكن الإجراءات متفاوتة بين المؤسسات. 

وعلى سبيل المثال، ذكر التقرير أن طالب دكتوراه التاريخ في جامعة برينستون الامريكية خيوو وانغ رفع في العام 2021، دعوى قضائية ضد الجامعة، متهما إياها بالتهور المتعمد والوحشية والاهمال الجسيم، بعدما جرى احتجازه في طهران بتهمة التجسس.  

وحول تسوركوف، قال التقرير إنها عمدت إلى التقليل من المخاطر عندما سافرت إلى دول حافلة بالمخاطر. ونقل التقرير عن احد مؤسسي "منتدى التفكير الإقليمي" أساف ديفيد، وهو زميل سابق لتسوركوف، قوله إن تسوركوف "لقد نجحت في تحييد المخاطر بشتى الطرق، فبداية، كانت تستخدم جواز سفرها الروسي دائما، وكانت تعلم أن ذلك لن يحميها بنسبة 100% ، لذلك لم تتجول في المناطق التي تعتقد أنها معرضة للمشاكل"، مشيرا الى انها اجرت ابحاثها لسنوات عديدة بهذه الطريقة من دون الوقوع في مشاكل. 

وذكر التقرير أن هناك باحثين آخرين يتخذون إجراءات احتياطية أخرى، ويتصرفون كما لو أنهم في عملية سرية. واشار الى احد المتخصصين في الشرق الأوسط الذي طلب عدم ذكر هويته، وهو يعيش في اسرائيل منذ سنوات عديدة ويحمل جنسية أخرى، ويسافر تحت اسم مختلف عن الاسم الذي ينشر به.

ولفت التقرير الى ان هذا الاسرائيلي المختص غالبًا ما يسافر الى دول والمناطق تتسم بالخطورة العالية، بما في ذلك سوريا والعراق وأفغانستان ودارفور في السودان، بالاضافة الى إيران التي زارها للمرة الاخيرة في العام 2015، لكنه سافر بدون جهاز الكمبيوتر المحمول وهاتفه الذكي الذكي الخاصين به، وترك في بلد ثالث جميع الوثائق التي يمكن أن "تدينه" أو تربطه باسرائيل.

ونقل التقرير عنه قوله انه "بالنسبة لإيران، فإنه يتحتم عليك المرور من مكان آخر"، موضحا انه "اذا لم تكن هناك علاقات فلا توجد رحلات طيران مباشرة. ولهذا هبطت في اسطنبول. لقد تركت وثائق سفري الحساسة في رعاية الفندق. وسافرت إلى شيراز، ومن هناك في طريق العودة جئت عبر تركيا أيضا".

واشار التقرير ان ان هذا الرجل الاسرائيلي يتخذ مثل هذه الاحتياطات فقط فيما يتعلق بالدول التي تعتبر الأكثر خطورة، اي ايران ولبنان وسوريا، اما بالنسبة الى دول مثل السعودية وافغانستان (في العام 2011) وليبيا، فإنه يحتفظ بوثائقه معه. وتابع التقرير أنه خلال وجوده في هذه الدول، يبقى على اتصال مع جهات اتصال في اسرائيل عبر ما يسمى بـ"رقم VOIP" الذي يتاح استخدامه عبر الانترنت.

وأشار التقرير إلى أن المسافرين الى سوريا ولبنان وإيران، قد يتعرضون للخطر ايضا في حال كانت لديهم أي روابط بإسرائيل، مشيرا في هذا السياق الى طالب شهادة دكتوراه الذي كان يدرس في جامعة بريطانية، ويحمل جنسية شرق اسيوية، كان حزب الله اعتقله في لبنان قبل سنوات. 

واوضح التقرير ان الطالب الذي كان يجري أبحاثا حول حالات الزواج من خارج الحدود، كان يقوم بالتقاط صور في جنوب لبنان في منطقة يسيطر عليها حزب الله، وسرعان ما أوقفه رجل على دراجة نارية، ثم جاء أعضاء آخرون في الحزب لاستجوابه. وتابع التقرير أن الطالب الآسيوي لم يكن يشعر بقلق كبير إلى أن صادر الرجال هاتفه، حيث انه كان قد امضى بضعة أسابيع في اسرائيل لأغراض أكاديمية وأدرك عندها أنه قد يكون في ورطة كبيرة.

ونقل التقرير عنه قوله انه لم يتنبه الى الارقام والرسائل الإسرائيلية التي كان يتبادلها بالعبرية مع استاذه، مضيفا أنه كان يتحتم عليه أن يحذف حساباته على "انستغرام" و"واتساب" قبل أن يصادروا هاتفه، لكنه لم يفعل. 

ويتذكر الطالب استجوابه في قاعدة للصلاة، حيث ابتسم أحد الشبان بوجهه قائلا بتساؤل "حسنا ما هو ال 972+ ؟"، وهو رقم رمز الاتصال بـإسرائيل والاراضي الفلسطينية. وتابع قائلا "شعرت بضعف شديد في ركبتي، وظهرت فكرة في ذهني، وقلت لنفسي: ربما سيقتلونني".

لكن بعد التحقيق لعدة ساعات، جرى تسليمه إلى قوات الأمن اللبنانية التي احتجزته 16 ليلة للتحقيق معه حول اتصالاته الاسرائيلية واللبنانية، وتم اطلاق سراحه في نهاية المطاف، ربما بفضل تدخل حكومته. 

وتابع التقرير انه بينما لا يزال هذا الطالب يأمل بزيارة لبنان مستقبلا، الا انه يعتزم الآن القيام بعمله الميداني افتراضيا لإجراء بقية المقابلات عبر تطبيق "زووم" للحصول على درجة الدكتوراه.

وبينما قال التقرير إن هناك العديد من الوسائل لإجراء البحث عن بعد، إلا أنه من الصعب استبدال التجربة على أرض الواقع. ونقل التقرير عن ديفيد، الباحث الإسرائيلي، قوله إنه "بإمكانك القيام بأي شيء باستخدام تطبيق زووم، وحتى الحصول على علاقة رومانسية، لكن في نهاية الأمر عليك أن تقابل الناس والجلوس معهم والتعرف عليهم وتطوير علاقة مباشرة". 

وتابع الباحث الإسرائيلي قائلا إن الخبراء الإسرائيليين بقضايا الشرق الأوسط يعانون من مشكلة كبيرة، اذ انهم يمضون القليل من الوقت في المنطقة التي يدرسونها. 

ونقل التقرير عن أستاذ الدراسات الايرانية في الجامعة العبرية في القدس مايكل شانكار قوله إنه "لدينا (في اسرائيل) العديد من المعلقين حول إيران الذين لم يسبق لهم أن زاروا إيران، وانا اسأل نفسي دائما ما اذا كان شخص ما لم يسبق له زيارة فرنسا يمكن أن يكون معلقا حول الشؤون الفرنسية". 

وبعدما حذر التقرير من انه بامكان دول ليس لاسرائيل علاقات معها ان تحاول ايضا استخدام هذا الاغراء حول ضرورة العمل الميداني، من اجل استدراج الباحثين تحت ذرائع واهية. ولفت إلى أن الباحثة الإسرائيلية ثامار ايلام جيندين التي تدرس الشؤون الايرانية، كانت ضحية لمثل هذه المحاولات مرات عدة، ولهذا، فإنها تتجنب الآن السفر الى الخارج.

وبحسب ديفيد، الباحث الإسرائيلي، فإن تسوركوف كانت تعتبر أن الخطر مبرر، وكانت تدرك أنها كانت تسافر الى دول قد تكون خطرة عليها كإسرائيلية، لكنها كانت تعتقد أن هذا جزءا من العمل الذي يتحتم على الباحث الجدي القيام به من خلال التواجد في الميدان وجمع آراء الناس.

ترجمة: وكالة شفق نيوز