شفق نيوز/ "فقدت خمسة من أفراد عائلتي وما يزال مصيرهم مجهولاً.. أنا هنا وحدي في المخيم منذ عشر سنوات، ولا زلت أنتظر بناتي الأربع وزوجي، لكنني لا أعرف شيئًا عن مصيرهم. أنا بحاجة إلى المساعدة، لكن الأمل لا يزال حيًا في قلبي"، بهذه العبارات تلخص سارة، إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية للإيزيديين، الوضع المأساوي الذي تعرضوا له خلال عشر سنوات من اجتياح داعش لمناطقهم في العراق.

تفاصيل الإبادة وأزمة سنجار

في صيف عام 2014، اجتاح تنظيم داعش مناطق الإيزيديين في نينوى، وارتكب جريمة إبادة جماعية، أسفرت عن خطف الآلاف من النساء والأطفال والرجال، حيث تعرضوا للتعذيب والاستعباد والقتل. كما تم تدمير القرى والمجمعات الإيزيدية، وإحراق المنازل، ونهب الممتلكات، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص.

ومع وقوع الإبادة الجماعية بذل جهوداً كبيرة لتقديم الإغاثة الإنسانية للإيزيديين النازحين. تم إنشاء العديد من المخيمات لاستقبال النازحين وتوفير المأوى والرعاية الأساسية لهم، كما ساهمت قوات البيشمركة بشكل أساسي في تحرير سنجار من قبضة تنظيم داعش.

في أعقاب الإبادة، أُسس مكتب إنقاذ الإيزيديين من قبل نيجيرفان بارزاني، رئيس وزراء إقليم كوردستان آنذاك. كان الهدف من إنشاء هذا المكتب هو تقديم الدعم والمساعدة الفورية للنازحين الإيزيديين والعمل على إنقاذ المختطفين وإعادتهم إلى عائلاتهم، توفير الرعاية النفسية والاجتماعية للمحررين لمساعدتهم في إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع.

منذ تأسيسه، نجح المكتب في إنقاذ آلاف الإيزيديين المختطفين من قبضة داعش وإعادتهم إلى عائلاتهم. تم تنفيذ العديد من العمليات الميدانية بالتعاون مع القوات الأمنية والمنظمات الدولية.

واليوم، مصير سارة ليس إلا عينة لمئات لحالات الدمار والتشظي المأساوي الذي تعرض له الإيزيديون، فبعد مرور عشر سنوات على الإبادة الجماعية، لا يزال الإيزيديون يعانون من تداعيات الهجوم الإرهابي الذي تعرضوا له. بينما تظل جهود إعادة الإعمار وتحقيق العدالة بطيئة.

وفي حديث مع وكالة شفق نيوز، تطرق عدد من النازحين القاطنين في مخيمات محافظة دهوك لوضعهم: "بعد عشر سنوات لا نستطيع العودة بسبب الوضع الامني والخدمي في سنجار. هناك جهات تعمل على اعادتنا قسرا، لكننا نريد البقاء هنا حاليا".

منذ تحرير سنجار معقل الإيزيديين من سيطرة داعش في عام 2015، لا تزال المنطقة تعاني من حالة عدم الاستقرار السياسي، حيث تتنازع عدة جهات على النفوذ فيها، مما أنعكس بشكل مباشر على وضع النازحين.

يؤكد سعيد جردو، رئيس مركز لالش الثقافي والاجتماعي الخاص بالإيزيدين، على ضرورة الاهتمام الدولي العاجل بمحنة المكون الايزيدي، وخاصة في منطقة سنجار.

وأضاف في حديثه لوكالة شفق نيوز: "الأحداث أدت إلى خلق صدمات وتداعيات خطيرة تمثلت في حرق القرى والمجمعات وتدمير البنى التحتية ونهب الأموال والممتلكات بالإضافة إلى مآسي النزوح والهجرة.

وأشار جردو إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية لمعالجة جراح الإيزيديين العميقة، وأبرز هذه الحلول هو تسهيل إجراءات المحكمة الجنائية الدولية لحسم ملف الإبادة وإعلان ما تعرض له الإيزيديون كجريمة إبادة جماعية (جينوسايد) لكي يتم وضع العدالة على مسارها الصحيح. وأكد على ضرورة خلق بيئة صحية وآمنة في سنجار وباقي مناطق الإيزيديين ليستعيدوا الثقة بوطنهم ويطمئنوا على مستقبل أجيالهم القادمة.

وأعرب جردو عن أسفه لبطء الخطوات المتخذة في هذا المضمار، مشيرًا إلى عدم إعمار مناطق الإيزيديين وخاصة سنجار، وقلة المبالغ المخصصة لتعويض الأهالي، مع عدم توفر فرص العمل الكافية. وأشار إلى أن الصراعات السياسية والمظاهر المسلحة تعيق العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم، وأكد على ضرورة تشريع القوانين الرادعة لحماية الإيزيديين وباقي الأقليات من تكرار ما حدث وتطبيق العدالة الاجتماعية دون تمييز.

إبادة مستمرة

ويقول خيري بوزاني، مسؤول ملف إنقاذ المختطفين التابع لرئاسة إقليم كوردستان، إن الإبادة الجماعية للإيزيديين لا تزال مستمرة حتى الآن، حيث يعاني أكثر من 130,000 نازح في ظروف صعبة داخل المخيمات المنتشرة في إقليم كوردستان. وأشار إلى وجود أكثر من 2,900 شخص مفقود ومصيرهم مجهول حتى الآن.

وأشار بوزاني إلى أن الحكومة الاتحادية عبر وزارة الهجرة تقوم بإعادة النازحين قسرًا من المخيمات إلى مناطق سنجار التي لا تصلح للعيش البشري بسبب كونها منطقة منكوبة وأيضًا منطقة عسكرية بامتياز، مما يجعل من الصعب على المدنيين العيش فيها.

يرى مراقبون إيزيديون تحدثوا لوكالة شفق نيوز، أن مستقبل الإيزيديين يعتمد بشكل كبير على الجهود المشتركة من المجتمع الدولي والحكومة العراقية لتحسين أوضاعهم وتقديم الدعم اللازم. يجب أن تتضمن هذه الجهود توفير بيئة آمنة ومستقرة في مناطقهم الأصلية، مثل سنجار، من خلال إعادة الإعمار وتأمين البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب تسهيل إجراءات المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة وتقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة.

اغلاق المخيمات

وأدى شبح الإغلاق الوشيك للمخيمات في العراق إلى زيادة المخاوف بين الأقليات الدينية في البلاد، لا سيما أولئك الذين نزحوا خلال سيطرة داعش على مساحات واسعة من البلاد خلال العام 2014 - 2017.

ومع ذلك، فإن العديد من النازحين المتبقين يعبرون عن ترددهم بسبب الظروف التي دمرتها الحرب في مناطقهم الأصلية، مثل غرب الموصل وسنجار.

وما تزال عوامل مثل عدم كفاية الخدمات، ومحدودية فرص كسب العيش، وانهيار الثقة مع المجموعات العرقية والدينية الأخرى، تمنعهم من العودة لمناطقهم، وإعادة البناء.

هجرة الإيزيديين

صدمة الإبادة، وتردي الأوضاع في مناطقهم أو في مخيمات النزوح، دفع بالعديد من الإيزيديين إلى الإقبال صوب الهجرة خارج العراق.

ويقول مسؤولون محليون إيزيديون لوكالة شفق نيوز٬ إن "آلاف الإيزيديين قد هاجرواً العراق، بعد أن يتحصلون  على التأشيرة إلى تركيا ومن ثم اتباع طرق غير شرعية للهجرة".

وأضافوا أن "أسباباً عديدة تدفع الإيزيديين إلى الهجرة، أبرزها الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها على أيدي تنظيم داعش، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي يمرون بها في مناطقهم المنكوبة أو في مخيمات النزوح التي مضى عليها سنوات، دون حل".