شفق نيوز/ حين تتجول بسيارتك في شوارع العاصمة بغداد، مركز القرار السياسي العراقي، يبرز واقع جديد عشية انتخابات مجالس المحافظات التي سيبدأ تصويتها الخاص للقوات الأمنية صباح يوم غد السبت، على ان تستكمل باقتراع عام يوم الاثنين المقبل 18 كانون الأول 2023، هذا الواقع الجديد يتميز بحملة مقاطعة لكتل وأحزاب سياسية يتزعمهم التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، مقابل حملة دعوة للمشاركة في الانتخابات تقودها الأحزاب المناوئة للتيار، وأبرزها الاطار التنسيقي، داخل المكون الشيعي، أكبر المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد، ليمتد ذلك على الخريطة الشعبية في العاصمة.
شيعة العراق بين المشاركة والمقاطعة
باستثناء المكونين السني والكوردي اللذين اتخذا قرار بالمشاركة الفعلية في الانتخابات مع بروز حملات منافسة شرسة داخل المكون السني خصوصاً مع استبعاد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان بقرار قضائي و"استغلال" خصومه لهذا القرار بالدعوة لإقصائه سياسياً أو انتخابياً في المناطق السنية داخل بغداد أو خارجها، فان التصدع يبدو واضحاً داخل المكون الشيعي.
هذا التصدع يتبين عبر الحملات التي تدعو للمشاركة الفعلية بالانتخابات يقودها الاطار التنسيقي الذي انقسم في هذه الانتخابات الى قوائم مختلفة يبرز بينها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف نبني بقيادة زعيم منظمة بدر هادي العامري ومعه زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وتحالف قوى الدولة الذي يجمع عمار الحكيم وحيدر العبادي، وشعار "مشاركون لا مقاطعون" الذي ظهر واضحاً في حملات ائتلاف دولة القانون الانتخابية، ما يعكس رأيا واضحاً لدى الكتلة الأكثر مناوئة للصدريين بضرورة المشاركة في هذه الانتخابات مقابل رفض للمشاركة بهذه الانتخابات بـ"ضرس قاطع" للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر ومعه عدد من الأحزاب السياسية التي تعلن الانتماء للتيار المدني في البلاد وأبرزها جماعة رفض وغيرها، والترويج لذلك عبر المنصات التابعة للتيار أو المقربة منه، بل وصل الامر الى طرد عدد من اتباع التيار الصدري الذين اتهموا بالترويج لمرشحين معينين داخل بغداد أو خارجها.
شارع بشارع.. لافتة أمام لافتة
تعوّد العراقيون ان تكون الانتخابات بلون واحد فقط وهو الترويج الانتخابي الواضح للمرشحين الذي كان برز في الدورات النيابية، بعد توقف انتخابات مجالس المحافظات قسرا، وعودتها مجددا العام الحالي، وما يمكن أن يبرز عشية سويعات من انطلاق الانتخابات بنسختها الأمنية بالتصويت الخاص وجود شارع تملؤه صور المرشحين والدعوات لانتخابهم في بغداد، مقابل شوارع يبدو انها تعيش عالما خاصا بها وغادرتها انتخابات مجالس المحافظات دون رجعة، إذ لا صورة لمرشح ولا حملة ترويج مع العلم ان الفرق الجغرافي بين الشارعين قد يكون امتارا قليلة فقط كما هو الحال، على سبيل المثال، في شوارع مدينة الصدر "المقاطعة" وشارع فلسطين أو القناة القريبة منها جغرافياً التي تبدو عليها ملامح الانتخابات.
ويبدو القاسم المشترك بين الشارعين هو المواطن ذاته الذي يمكن أن يمر بشارع مليء بصور المرشحين ووعودهم الانتخابية وشارع آخر قد يكون خالياً من أي صورة انتخابية أو إشارة لوجود انتخابات وكأنها العاصمة قبل الاتفاق على تحديد موعد للانتخابات فيما يبقى قراره بالمشاركة من عدمها مرهوناً برأيه الشخصي، والتأثير السياسي في بعض الأحيان، من هذا الطرف او ذاك، بل قد يتطور الامر أن تكون هناك لافتات بمواجهة لافتات بعضها يدعو للمشاركة في الانتخابات المحلية في حين يرفع بعضها الآخر وعلى مداخل بعض المناطق لافتات المقاطعة الانتخابية.
بهذا الصدد يبدو عمار وهو شاب ثلاثيني يشرف على بناء منزله بمدينة الصدر منهكماً بتحضيرات البناء، لكنه "لا يبدِ اهتماماً بالانتخابات والمشاركة بها امتثالاً لطلب زعيم التيار الصدري بعدم المشاركة في هذه الانتخابات".
ويضيف أن "أبناء التيار الصدري ملتزمون بقرار زعيمهم"، رافضاً في الوقت نفسه "التأثير على خيارات الناخبين لكنه "لا يخفي أمنيته أن تكون نسبة المقاطعة عالية".
من جهة أخرى لا تؤيد الحاجة أم إبراهيم وهي التي تسكن منطقة شارع فلسطين، الدعوة الى مقاطعة الانتخابات، وتؤكد أن "تغيير الوضع الحالي لا يمكن حله بالمقاطعة وانما عبر صناديق الاقتراع واختيار الأفضل ليغير من واقع مدينة بغداد وواقع المحافظات العراقية التي ترزح تحت الفساد وانتشار النفايات وغيرها".
المقاطعة والمشاركة وسائل ضغط
داخل المكون الشيعي، لا تبدو الانتخابات المحلية هي نقطة الخلاف الوحيد بين التيار الصدري ومناوئيه في الاطار التنسيقي، بل يعود اصل الخلاف على ما هو أكبر من ذلك، وهو ازمة تشكيل الحكومة العراقية التي بادر الصدريون لتشكيلها بالشراكة مع حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد فوز التيار بـ73 مقعداً برلمانياً، وتم فعلا الشروع بخطوات تشكيل الحكومة بعد انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان وحاكم الزاملي نائبا أولا له وشاخه وان عبد الله نائبا ثانياً، قبل ان تتغير الظروف السياسية وتدخل التيار والاطار التنسيقي سجالاً سياسياً تحول في بعضه الى عسكري لينتهي المشهد بانسحاب نواب التيار الصدري وترك الساحة الإطار التنسيقي الذي نجح بتشكيل الحكومة لينتهي مشروع الأغلبية السياسية الذي تبناه الصدر الذي اعلن بعد ذلك اعتزالاً سياسياً لم ينجح احد حتى الان من الفاعلين السياسيين باقناعه لكسره والعودة للساحة السياسية مجدداً.
لكن مع ذلك يفهم قادة الطبقة السياسية ان الصدر حتى مع صمته وسكوته فانه يعمل بطريقة سياسية، ولهذا ستكون الانتخابات المقبلة ميزاناً لتأثير القوى السياسية داخل الشارع وابرزها داخل المكون الشيعي بين الداعمة للانتخابات والمشاركة بها فعلياً والمقاطعة التي تدعو لعدم المشاركة.