شفق نيوز/ يتهم الإطار التنسيقي الذي يضم قوى مقربة من إيران، والمتكون من أقطاب شيعية منافسة لمعسكر مقتدى الصدر، البريطانيين بالتدخل في المفاوضات السياسية في العراق من اجل "إخراج الشيعة من السلطة" خلال تهميش قوى "الإطار" الذي يسعى في الوقت نفسه إلى طلب تدخل سفارات أجنبية من أجل المساعدة في إقناع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتخفيف حدة مواقفه، في وقت تتمثل الأولوية الآن بالنسبة طهران وواشنطن هي "إنقاذ" الاتحاد الوطني الكوردستاني.
ويشير تقرير لموقع "ميدل إيست آي البريطاني"، وترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن زعيم تحالف الفتح هادي العامري استقبل بـ"غضب" السفير البريطاني لدى بغداد مارك ريتشاردسون قبل أيام، وذلك بعدما عقد العامري وحلفاؤه سلسلة اجتماعات مع دبلوماسيين أجانب في الفترة ذاتها.
ويلتمس العامري وقادة في "الإطار التنسيقي" التواصل مع سفارات أجنبية من أجل المساعدة في تشكيل الحكومة الجديدة، مشيرا إلى أن هذه الاجتماعات اتسمت بالودية بدرجة كبيرة، إلا أن الاجتماع مع السفير البريطاني في الثاني من نيسان/أبريل الجاري كان أكثر توترا، حيث اتهم العامري السفير البريطاني ب"التدخل المتواصل" في الأزمة السياسية، مستندا في اتهاماته هذه على معلومات استخباراتية تتعلق بجهود لندن لزعزعة الاستقرار السياسي في العراق.
ويقول مصدر مقرب من العامري إن الاجتماع مع السفير البريطاني كان "ساخنا" حيث تحدث العامري "بشكل مباشر" حول وجود "مؤامرة" يقودها البريطانيون "لانتزاع السلطة من الشيعة".
وبحسب التقرير البريطاني، فإن الانتقاد الموجه لبريطانيا يتهمها بانها تقوم بتشجيع الصدر وحلفائه على تشكيل "حكومة أغلبية" تؤدي الى تهميش الفصائل الاخرى المدعومة من ايران ومحاولة فرض نظام سياسي جديد على العراق.
وبعدما اشار الى ان اداء الفصائل المدعومة من إيران خلال الانتخابات الاخيرة، لم يكن جيدا، وهو ما منح الصدر فرصة لتشكيل حكومة تستبعدها، نقل عن قادة شيعة قولهم إن تلك النتائج لا تعكس خسارة للنفوذ من جانب الفصائل الشيعية الرئيسية، وإنما هي قضية وجودية بالنسبة إليهم.
واضاف ان هذه الفصائل تتهم بريطانيا والولايات المتحدة بتشجيع الصدر وحلفائه من السنة والكورد على اتباع مثل هذه السياسة، التي تقول الفصائل ان واشنطن ولندن تخططان لها منذ سنوات.
وقال قيادي مقرب من العامري ان هذا "المشروع ليس جديدا، لكن البريطانيين وجدوا من ينضم إليهم وينفذه اخيرا"، مضيفا ان الاجتماعات التي عقدها قادة "الإطار التنسيقي" مع السفراء كان هدفها "مطالبة بعضهم بوقف دعمهم للصدر وحلفائه، وتحذيرهم من عواقب الاستمرار في مثل هذا المشروع".
وتابع أن "النتيجة المحتومة للمشروع الذي يتبناه الصدر، هي حرب أهلية وتقسيم. لكن عندها فان الجميع سيدفعون الثمن ولن يقتصر الضرر على العراق وحده".
ولفت التقرير الى العديد من الدبلوماسيين البريطانيين في بغداد رفضوا التعليق على هذه المعلومات.
"لعب دور العراب"
وبعدما لفت إلى أنه في مقابل تحالف الصدر مع قوى سنية بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكوردستاني، فإن "الإطار التنسيقي" القلق من خسارة نفوذ أحزابه ومكاسبه المالية والاقتصادية، تمكن من تشكيل "ثلث معطل" من النواب.
واشار الى ان انصار الصدر يصفون مشروعه انه بمثابة "مكنسة" بإمكانها تنظيف اوساخ السياسة العراقية، بينما يفضل بعض القادة الشيعة المقربين من الصدر استخدام تشبيه آخر "الاب الروحي- العراب"، في اشارة الى رواية ماريو بوزو عن الجريمة الصادرة العام 1969 حول عائلة كورليوني لعصابات المافيا.
وينقل التقرير عن انصار الصدر توضيحهم بأن لدى الصدر ما يلزم من القوة والنفوذ للسيطرة على الفصائل الشيعية، سواء من خلال التشجيع او الترهيب، وان بإمكانه إنهاء الفصائل "سياسيا وعسكريا" بشكل تدريجي، والسيطرة على ممتلكاتهم وأموالهم.
ونقل التقرير عن مصدر اسمته "قيادي شيعي بارز" قوله إن مشروع الصدر هدفه "السيطرة على الفوضى الطويلة الأمد عن طريق استبدال العشرات من قادة الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة المسيطرة في الوقت الحالي على المشهد السياسي والأمني ، وإحلال قيادة واحدة ومليشيات واحدة وعصابة واحدة، مكانها".
وتابع القيادي قوله إن "الصدر لديه الكتلة النيابية الاكبر وملايين الاتباع، الى جانب احدى اكبر الميليشيات الشيعية، وامبراطورية مالية تتجاوز إيراداتها السنوية ميزانية بعض الدول الصغيرة، ولهذا، فإنها الشخص الأنسب للعب دور الاب الروحي، او المكنسة التي ستكنس هذه الجماعات".
وفي المقابل، نقل التقرير عن قادة من الشيعة من الطرفين أن هذا المشروع مقترح منذ العام 2018 من جانب البريطانيين وتم تطويره في الأصل من جانبهم، وهو لا يتعلق بالشيعة فقط.
وأوضح قيادي سياسي بارز مقرب من نوري المالكي، ان المشروع معد ليتوسع ليطال الساحتين السنية والكوردية ايضا، مشيرا الى ان البريطانيين كان الطرف الأول الذي يقترح ذلك بهدف التخلص من العصابات والفصائل المسلحة.
وبحسب التقرير فإن قادة سياسيين من الشيعة يقولون ان المشروع البريطاني المفترض يقتضي وجود قيادي من كل مكون ديني -عرقي رئيسي من أجل تطبيقه، حيث تم اختيار الصدر من القوى الشيعية، ومحمد الحلبوسي من القوى السنية، والرئيس السابق لاقليم كوردستان مسعود بارزاني كممثل عن القوى الكوردية.
ونقل التقرير عن "زعيم شيعي ليبرالي" مقرب من الصدر قوله ان وجهة نظر البريطانيين فمن المستبعد أن يقود الحلبوسي وبارزاني مثلاً تمرداً على البريطانيين، اما فيما يتعلق بالصدر، فانه "اذا فكر بالتمرد فسيكون بالامكان اسقاطه من خلال التظاهرات الحاشدة ضده".
الا ان التقرير اشار الى انه لا وجود لدليل على أن "البريطانيين يقفون خلف مشروع الصدر"، مضيفا انه فيما يتعلق بالنفوذ الأجنبي في العراق، للولايات المتحدة وايران نفوذ اقوى بكثير، وبرغم ذلك فان البريطانيين أدوا دورا جوهريا في العديد من القرارات الرئيسية في العراق منذ العام 2003، ويتمتعون بعلاقات جيدة مع غالبية القوى الشيعية، وخاصة التيار الصدري الذي يتلقى التدريب والمشورة البريطانية بحسب ما أشارت اليه مصادر من مختلف الشرائح السياسية.
وتابع التقرير انه برغم العلاقات الجيدة السابقة بين الطرفين، الا ان التوترات بين بريطانيا وبين الفصائل المدعومة من إيران، بدأت في الغليان عندما تم تعيين جعفر الصدر، ابن عم الصدر وصهره، سفيرا للعراق في لندن في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2019.
والآن بعدما رشح الصدر ابن عمه ليتولى تشكيل الحكومة العراقية المرتقبة، اعتبر خصوم الزعيم الصدري ان هذا الترشيح "دليل ملموس" على ان مقتدى الصدر والبريطانيين "يحاولون بشكل جدي القضاء عليهم".
ولفت التقرير الى ان المهلة السياسية التي أعلنها الصدر مؤخرا، سمحت لمنافسيه ان يضغطوا على السفارات الأجنبية لرفض خطته حول انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والى ان سفراء بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية ومصر، كانوا من اوائل السفراء الذين قام "الإطار التنسيقي" بالتواصل معهم، وان الولايات المتحدة هي التي اقترحت على قوى التحالف الشيعي ان تقوم بالتواصل مع السفارات الأجنبية للمساعدة في "ترطيب" الاجواء وتمهيد الطريق من اجل التفاوض مع الكتل الكوردية والسنية.
وتحدث احد قياديي "الإطار التنسيقي" المقرب من نوري المالكي عن وجود "قواعد اشتباك جديدة" وان القوة العراقية من الطرفين تحتاج الى "مبادرة دولية او مخرج لتخفيف التوتر وكسر هذا الانسداد السياسي"، موضحا انه يتحتم على "جميع اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين القيام بخطوة الى الخلف، ومن اجل ان يتحقق ذلك، اعتقدنا ان مطالبة السفراء بالانخراط امر لا بد منه".
وبينما رفض مسؤولون في السفارة الامريكية التعليق على هذه المعلومات، ذكر التقرير البريطاني انه بخلاف العادة، فإنه "لم يكن لإيران دور كبير في عملية تشكيل الحكومة العراقية"، حيث قال قادة سياسيون مقربون من طهران ان ايران كانت سعيدة بأن تراقب التطورات من دون ان تقدم المساعدة لحلفائها، لأنها سعت الى معاقبة الفصائل المسلحة المتحالفة معها على مخالفة الأوامر بشنها هجمات دون ان تنسق بشكل مسبق مع الايرانيين.
الا ان التقرير اوضح ان "الحسابات الايرانية تغيرت منذ اسابيع قليلة"، حيث كشف قياديون سياسيون ان طهران "بدأت تقلب التوازن ضد الصدر من خلال ضمان عدم انفصال اي من قوى الإطار التنسيقي" للانضمام الى مشروع مقتدى الصدر.
وبحسب هؤلاء القادة، فان ايران بدأت في الضغط على لاعبين اقليميين، مثل قطر والامارات وتركيا ومصر وروسيا، من اجل ان تبدل مواقفهم حول مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية.
الا ان التقرير تابع ان الهدف في بال الايرانيين والامريكيين لم يكن انقاذ الفصائل الشيعية المنضوية في الاطار التنسيقي، وان تركيزهم هو على الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع طهران وواشنطن، وهي معلومة اكدها ثلاثة من قادة "الاطار التنسيقي" ومسؤول بارز في الاتحاد الوطني الكوردستاني ومسؤول عراقي كبير مقرب من الولايات المتحدة.
واوضح التقرير ان الاتحاد الوطني الكوردستاني هو الذي يتولى وفق العرف المعمول به رئاسة العراق منذ العام 2005، ولكن في حال استطاع تحالف الصدر الوصول الى النصاب القانوني داخل البرلمان، فانه من شبه المؤكد انه سيصوت لصالح مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبالتالي فان الاتحاد الوطني الكوردستاني سيخسر قدرا هائلا من نفوذه.
ونقل التقرير عن زعيم شيعي بارز مطلع على المحادثات الجارية قوله ان لا وجود لاتفاق ايراني -امريكي حول هذه التفاصيل، الا ان الاتحاد الوطني الكوردستاني "حليف مهم لكليهما، وأولويتهما معا حاليا هي إنقاذ هذا الحليف"، موضحا ان "مرشح تحالف الصدر لمنصب الرئيس ينتمي الى حزب بارزاني، فاذا فاز هذا المرشح برئاسة الجمهورية، فعندها سيكون ذلك نهاية الاتحاد الوطني الكوردستاني".
وختم المصدر الشيعي بالقول انه من وجهة نظر الإيرانيين، فان ذلك سيمثل تهديدا كبيرا وصريحا لمصالحهم، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، سيكون ذلك بمثابة اخلال بالتوازن السياسي والاجتماعي في إقليم كوردستان". واضاف انه لذلك "تدخل الطرفان (الامريكي والايراني)، كل على طريقته. وحتى الان فقد نجحوا".