شفق نيوز/ رصدت صحيفة "الجارديان" البريطانية الجوانب الشخصية والفكرية من زيارة وزير الخارجية الالمانية انالينا بيربوك الى العراق، وخصوصا "السياسة النسوية" فيها، بالاضافة الى مواقفها المثيرة للجدل في الوسط السياسي الألماني، من خلال تأييدها القوي لموقف أوكرانيا من الحرب مع روسيا.
واعتبر التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ ان زيارة بيربوك الى العراق كانت بمثابة فرصة لإظهار كيف يمكن للدبلوماسية ان تمثل بشكل أفضل اهتمامات المرأة، مشيرا إلى تجربتها بزيارة مخيم "قاديا" للنازحين في اقليم كوردستان، حيث جرى استقبالها بباقة من الزهور، لكنها وزعتها وردة تلو الأخرى وهو تردد "انه ليس عيد المرأة العالمي للوزيرات فقط".
وبعد تجولها في المخيم الواقع جنوب زاخو، انضمت الى مباراة كرة قدم خماسية للفتيات، والى ناد نسائي للملاكمة. وقال التقرير إن بيربوك تعتبر أصغر وزيرة خارجية في ألمانيا وأول امراة تتولى هذا المنصب، وهي تتمتع بأفكار قوية حول كيفية يمكن ان تمثل الدبلوماسية مصالح المراة بشكل أفضل، والتي طرحتها مؤخرا في بيان حول "السياسة الخارجية النسوية".
ولفت التقرير إلى أن هذه السياسية المنتمية الى حزب الخضر، والبالغة من العمر 42 سنة، لا تعمل على تجنب المواجهات، وهو ما كان واضحا أمام العالم
خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الماضي، حيث اشتبكت علنا مع الصين حيث ردت على الاتهامات بأن الغرب هو الذي يصعد الحرب في أوكرانيا.
وأفاد التقرير؛ أن بيربوك عملت باستمرار على استمالة المستشار الألماني اولاف شولتز لصالح تقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو ما اكسبها الإعجاب في كييف، واكسبها ايضا الأعداء في الداخل، ففي التظاهرات الداعية الى السلام في المانيا، جرى تصويرها على أنها من دعاة الحرب وجرى وصفها بأنها "عازف البوق (الحرب) الأكثر صرامة في استراتيجية الناتو العدائية الجديدة".
واشار التقرير الى ان تداعيات الحرب الروسية هيمنت ايضا على برنامج زيارتها العراقية التي استغرقت أربعة أيام، وهي الزيارة الأطول إلى دولة أجنبية في فترة ولايتها منذ 16 شهرا، فيما يحاول الحلفاء الغربيون توحيد الإجماع الدولي من اجل ادانة الغزو الروسي.
وتابع التقرير ان العراق يقع فيما وصفته بيربوك دبلوماسيا بـمنطقة "الجوار المعقد"، والذي يتأثر بالنزاعات المسلحة المرتبطة بسوريا وإيران، مضيفا أنه فيما يحتاج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الى وجود للجيش الأمريكي بناء على طلب حكومته للحفاظ على سلام هش، فإنه في الوقت نفسه، يعتمد أيضا على واردات الغاز والكهرباء من إيران، المتحالفة مع روسيا.
وبعدما لفت التقرير الى زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى بغداد مع رؤساء شركات الطاقة الى بغداد مؤخرا، قال ان المانيا التي ظلت بعيدة عن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل 20 عاما في العراق، فانها الان تتمتع بمكانة موثوقة في العراق وتأمل بأن يساعدها ذلك في دفع العراق البلد بعيدا عن العروضات من جانب إيران وروسيا.
وفي حين ذكّر التقرير بأن بيربوك تعهدت بمجيئها الى بغداد بعد زيارة لافروف، بمواصلة دعم القتال ضد تنظيم داعش، لفت الى ان العراق وقع بحضور مبعوثين المان، صفقة تكلف شركة "سيمنز انيرجي" الالمانية بمساعدة العراق في توليد ما يصل إلى 6 جيجاواط إضافية من الكهرباء.
إلا أن التقرير اعتبر أنه بالنسبة لبيربوك، فان زيارة العراق هي أيضا فرصة لاثبات ان "السياسة الخارجية النسوية" يمكن ان تصبح أكثر من مجرد شعار.
واوضح التقرير ان هذا المفهوم الذي تبنته للمرة الاولى وزيرة الخارجية السويدية السابقة مارغوت والستروم منذ نحو عقد من الزمان، فإن حكومات ادعت بدرجات متفاوتة تبنيه، في فرنسا وكندا وتشيلي وهولندا وإسبانيا، إلا أنه في ظل إعلان رفض الحكومة السويدية المحافظة الجديدة لهذا المفهوم علنا مؤخرا، فإن بيربوك الان اصبحت "بطلة" المفهوم الأكثر شهرة.
كما اشار التقرير الى ان ورقتها حول "تشكيل السياسة الخارجية النسوية"، تعرضت في ألمانيا نفسها الى السخرية حتى في وسائل الإعلام الصديقة لحزب الخضر، وذلك بسبب اعتمادها بشكل كبير على المصطلحات الأكاديمية ومحاولة الترويج لممارسات دبلوماسية متأصلة، وكأنها بداية جديدة جذرية.
واعتبر التقرير؛ أن بيربوك خلال وجودها في اربيل، لم تنحرف عن معتقداتها هذه عندما وصفت الدعم الألماني للقوات العسكرية في الاقليم، بانه "جزء من سياستنا الخارجية النسوية"، لان "العيش بكرامة لا يستلزم الاختباء في منزلك طوال اليوم".
وذكر التقرير بمؤتمرها الصحفي مع رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، عندما أدلت بتصريح شبه مطابق لما أعربت عنه بعد لقاء وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في اليوم السابق ومع وزير خارجية نيجيريا في أبوجا في كانون الأول /ديسمبر الماضي، عندما قالت وهي تحدق في عيني مضيفها من الرجال، ان "المجتمعات تحيا بتعايش أكثر استقرارا وسلاما إذا تمكنت المرأة من المشاركة في تشكيلها".
واعتبر التقرير أنه من الممكن لتعليقات كهذه أن تبدو كمحاضرات، خاصة في بلد مثل العراق، مع ذكريات الخطابات العظيمة حول تحرير المرأة والتي بدت كمجرد مقدمة للغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل 20 عاما.
وذكّر التقرير بأنه عندما رفضت ألمانيا الانضمام الى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003 ، كان وزير الخارجية المنتمي إلى الخضر ايضا، جوشكا فيشر هو من قاد المقاومة ضد الموقف الأمريكي، حيث قال لدونالد رامسفيلد في مؤتمر ميونيخ الأمني في ذلك العام أنه "غير مقتنع" بالحاجة إلى عمل عسكري.
إلا أن التقرير اعتبر أن إلهام بيربوك للانضمام إلى حزب الخضر لم يكن جوشكا فيشر بما فعله في العام 2003، وانما ما فعله قبل اربع سنوات من اجل ادخال المانيا الى كوسوفو كجزء من حملة الناتو لوقف التطهير العرقي.
واوضح التقرير ان العراق بالنسبة لجيلها من الخضر الألمان، لا يمثل المكان الذي أحرق فيه الغرب اصابعه بشكل قاتل، وإنما بنظرتهم هو المكان المشروع في تقديم ايادي الحماية للأقليات المهددة بالفناء، كجزء من تحالف مناهض لداعش في العام 2014.
وذكر التقرير، أن بيربوك خلال وجودها في اربيل، حثت رئيس حكومة اقليم كوردستان مسرور بارزاني على معالجة الوضع القانوني للأطفال المولودين من نساء ايزيديات تعرضن للاغتصاب من قبل مسلحي داعش، حيث قالت بيربوك أنه "على غرار جميع الأطفال في هذا العالم، يتمتع هؤلاء الأطفال بحقوق الإنسان.. وهذا يعني أيضا الحق في اسم عائلة".
وتابع التقرير؛ أن ألمانيا التي تضم أكبر جالية ايزيدية في جميع أنحاء العالم والتي أعلن برلمانها في يناير/كانون الثاني ان جرائم داعش ضد الاقلية هي بمثابة "ابادة جماعية"، فان لها مصلحة مباشرة في مصير الايزيديين وهؤلاء الموجودين في مخيم "قاديا" الواقع بالقرب من الحدود التركية، ويتزايد عدد قاطنيه على مر السنوات.
وختم التقرير بالإشارة إلى جهود مشروع ( Háwar.help ) الذي بدأت وزارة الخارجية الألمانية بتمويله في نيسان/ابريل الماضي، حيث يؤمن الرعاية النفسية ويقدم برنامجا للوقاية من الانتحار خاصة للنساء في المخيمات الايزيدية ، ومن بينهن ما يقدر بنحو 10٪ فكرن في الانتحار. ونقل التقرير عن مؤسس البرنامج دوزين تيكال، وهو رجل اعمال الماني من اصل كوردي ايزيدي، قوله "اذا اردنا الاستقرار في كوردستان فنحن بحاجة الى ايجاد طرق لإحلال السلام في هذه المنطقة.. نحن بحاجة الى البدء في الاعتراف بأن هذه مشكلة ألمانية ايضا".
ترجمة: وكالة شفق نيوز