شفق نيوز/ شهد العراق بعد العام 2003 تحول عدد من الإعلاميين والاعلاميات البارزين في وسائل مختلفة إلى الجانب السياسي، وسط "زيادة" واضحة في دخول هذا الميدان خلال السنوات الأخيرة سواء في البرلمان أو الحكومة، بتجارب كانت ناجحة لبعضها ومستمرة حتى الآن، وأخرى انتهت قبل أن تبدأ، في حين استغل بعضهم العمل الإعلامي خدمة للعمل السياسي.

وفيما يرى "سياسيون جدد" أنهم يحاولون استثمار "سلاحاً" إعلامياً في مواجهة القوى التقليدية الحالية و"إزعاجها" للحصول على الاستحقاقات المطلوبة، يجد آخرون أن العمل الإعلامي "السياسي" يصطدم بحواجز المال والسلاح، في حين يرى آخرون أن دخول الإعلاميين للمجال السياسي "ضرورة" مطلوبة.

وشهدت الساحة العراقية في بغداد وإقليم كوردستان دخول أسماء إعلامية للعمل السياسي كان أبرزهم عدد من مقدمي البرامج والمراسلين الصحفيين في وسائل مختلفة، وتولى بعضهم مناصب مهمة، في حين تراجع بعضهم عن العمل في الجانب السياسي وعاد للعمل الإعلامي مجدداً، لأسباب مختلفة، بينما "دمج" بعضهم بين العملين الإعلامي والسياسي لاستقطاب الجمهور العراقي.

سلاح سري

في هذا الصدد، قال رئيس تيار الخط الوطني عزيز الربيعي في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "العاملين في الإعلام السياسي (أنا وآخرين) لوحظ أن هناك مسؤولية في المرحلة المقبلة للتصدي للعمل السياسي، خصوصاً وأن المرحلة المقبلة هي للشباب أو الجيل الثالث الذي سيتصدى للعملية السياسية".

وعمد الربيعي، بالتعاون مع مجموعة من الشباب من تخصصات مختلفة الى تشكيل تيار سياسي وليس حزباً ايمانا منهم بأنه مشروع سياسي اجتماعي جماهيري وليس انتخابي يؤمن بمبدأ الدولة وقبول الآخر، بحسب قوله، مردفاً: "قد لا نشترك في الانتخابات المقبلة ونتوجه إلى العملية السياسية في مرحلة لاحقة".

وعمل الربيعي في مؤسسات إعلامية عراقية كان أبرزها العمل في قناة الشرقية الفضائية التي كان يقدم فيها برنامج "قيل وقال" ويستعرض فيها وثائق عن فساد بعض المؤسسات الحكومية.

وأضاف الربيعي أن "التعامل مع السياسيين في الفترة الماضية، بحكم العمل الإعلامي، كان عاملاً مساعداً للدخول الى العمل السياسي كوننا الأكثر اطلاعاً على مجريات الأمور وشكل وهوية الاجتماعات والتحالفات والاسرار المتعلقة بسير العملية الديمقراطية، ونجد انفسنا اكثر فرصة للنجاح مقارنة بغيرنا ممن اسسوا كيانات سياسية وهم لا يعرفون شيئاً عن المتبنيات غير المعلنة لهذه القوى، فالمتبنيات (المعلنة) يعرفها الجميع عبر وسائل الاعلام، أما (غير المعلنة) فنحن الإعلاميين نطلع عليها أكثر من غيرنا وبالتالي فانه عامل محفز لنا للنجاح ونتعامل مع هذه القوى السياسية من منظورنا لها (اعلامياً)". 

وتابع: "خطنا السياسي هو الأول الذي يتشكل بعد عام 2019، والعمل الإعلامي أضاف لنا مساحة جديدة في التعاطي مع القوى السياسية التقليدية والشارع الذي لديه فجوة كبيرة مع هذه القوى، وكيف نقنع بخطابنا الذي نتبناه عبر الوضوح الذي نتبناه في العمل السياسي".

إزعاج القوى التقليدية

من جهته، أشار القيادي في تيار الخط الوطني حامد السيد، إلى أن عمله الإعلامي لا يختلف كثيراً عن مساره السياسي، مردفاً: "كنا نتصدى في العمل الإعلامي لمشكلات سياسية تلامس جوهر الازمة المتصلة بالنظام والمعادلة السياسية، وفي السنوات التي قضيناها في الاعلام السياسي كنا نشخص أخطاء المعادلة السياسية ومشكلة التوازنات التي تسمى في الواقع بالمحاصصة وتقاسماً وتغانماً للسلطة بين الأحزاب، فضلا عن الاستحقاقات السياسية التي كانت تغتنم وتتلاعب بمقدرات البلد ومصلحة المواطنين، للوصول الى حلول، بل كنا نطرح برامج سياسية للقوى الماسكة بالسلطة وهي برامج حقيقية تعالج مشكلات لازال يعاني منها المواطن والبلد بشكل عام".

وذكر السيد، وهو صحفي عراقي عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية كان آخرها مؤسسة المدى، خلال حديثه للوكالة: "وصلنا لقناعة ومسؤولية شخصية ان لا نكتفي بطرح المشكلات السياسية، بل لابد من ازعاج هذه الطبقة السياسية بفعل يؤثر على وجودها واستحقاقها السياسي من خلال التصدي للفعل السياسي، وهو تصدٍ يعد مغامرة ومجازفة في العراق، فانت ان لم تكن تمتلك المال والسلطة والسلاح لا يمكنك ان تؤثر وتتساوى مع هذه القوى السياسية".

وواصل: "شكلنا انا ومجموعة من الإعلاميين الذين لم تتلطخ قناعاتهم بالتبعية السياسية منذ عام 2003 وحتى اليوم ولم نتأثر بالمال السياسي السائب والفاسد استطعنا ان نؤسس تجربة (الخط الوطني) التي أعلناها أنا وزميلي عزيز الربيعي، وهي تجربة ناشئة ولكنها اتعظت من تجارب الحركات السياسية الناشئة والتشرينية وسبب اتعاظنا ان هذه الحركات لم تكن مستقلة بشكل تام وكان تمارس الفوضى والعبثية السياسية وناقصة خبرة، ولدينا خبرة كافية للتعامل مع القوى التقليدية السياسية ولكننا لا نؤمن بالسلاح والتغيير العنيف". 

وبين أن "المسار صعب وهناك حاجة لتثبيت أقدامنا في العملية السياسية وإقناع الشعب العراقي الذي أحبط من أي تجارب حزبية وينظر لها على انها تجارب فئوية وثراء فاحش وفساد مالي وفوضى، ونؤمن بإزاحة الجيل القديم ونعول على الجيل السياسي التسعيني والألفيني في هذا الجانب"، موضحاً أن "الصحفي الناجح هو من يستطيع ان يكون مؤثراً ومتبوع وغير تابع ونعتقد ان الصحافة في ظل تراكم التخبطات الحالية وعدم الاستقرار هي مصدر الهام لأي شخص يريد أن يكون سياسياً ناجحاً، فالصحافة مدخل أساس للتغيير، فالصحفي التقليدي يفكر بالمحفزات والغنائم التي يكتسبها من مؤسسته الإعلامية، ولكننا كنا نطارد المعلومة ونصنعها وقما للناس ولم نكن من أصحاب الابتزاز أو الصحافة الصفراء التي تسقط مقابل مغريات مادية مالية، ومجتمعنا يحتاج لرؤيتنا التي كنا ننادي بها في العمل الصحفي".

"ستاندرات" السياسة

في السياق، لفت الإعلامي السابق، وعضو مجلس النواب العراقي، عن محافظة السليمانية، كاروان يارويس، إلى أنه "بدأ العمل الاعلامي منذ عام 1999 في قضاء كلار التابع لمحافظة السليمانية آنذاك والتابع لإدارة گرميان حالياً في مجال الصحافة المقروءة وبعدها عمل كمراسل صحفي في جريدة (كوردستان نيو) وتدرج في عدد من المؤسسات الإعلامية قبل الدخول في الميدان السياسي".

وأوضح يارويس، وهو النائب الحاصل على شهادة البكلوريوس في الإعلام، متحدثاً عن دخوله الى مجال السياسة أن "بداياته كانت في مجال الاعلام الحزبي والسياسي فهو كان يعمل في المجالين سوية على الرغم من امتلكه ارائه الخاصة"، مبينا "أنه وبعد تسلمي إدارة احدى المؤسسات الاعلامية دخلت معترك السياسة تدريجياً وتحديداًفي عام 2014 اصبحت مدير اعلام المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني وفي عام 2021 أصبحت عضواً في مجلس النواب العراقي في دورته الحالية".

وأشار خلال حديثه للوكالة، إلى أن "العمل في مجال الإعلام والسياسة مختلفان على الرغم من وجود بعض الترابط بينهما لكنهما يحتاجان للمتابعة والاطلاع المستمر وان تكون متصلاً بالجمهور بصورة مستمرة".

وأكد أن "العمل السياسي في العراق وكوردستان لايسير وفقاً (للستاندرات) العالمية والمخطط لها لأن العمل السياسي في كل البلدان هو ظاهرة حضارية ومدنية، لكن في العراق نجد أن العمل السياسي عمل مكلف وثقيل، والملفت للنظر ان المجتمع العراقي والكوردستاني أصبح مجتمعاً سياسياً لهذا نجد أن العمل السياسي في الإقليم والعراق وصل لحد لا تستطيع العمل فيه بأفضل مماموجود".

عمل بين السلاح والتجارة 

بدوره، قال النائب السابق في برلمان إقليم كوردستان ومنسق تيار الموقف علي حمه صالح، في حديث لوكالة شفق نيوز إنه "دخل ميدان العمل السياسي منذ عام 2011 حيث كان عضواً في المجلس القيادي لحركة التغيير، لكنه في بداياته عمل في مجال الصحافة وبالأخص في الصحافة الاقتصادية".

وأضاف صالح، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس لجنة الطاقة والنفط في برلمان إقليم كوردستان، ورئيس كتلة التغيير النيابية في برلمان الإقليم عام 2018، أن "هدفه من العمل في السياسة والاعلام، هو استثمار هذين المنبرين أو المجالين لخدمة الشعب"، مشيراً الى ان "من واجبات الاعلامي نقل المعلومات بدقة وحقيقة ونشرها، والعمل السياسي مسؤولياته أكبر واوسع من الاعلامي".

وعن وضع العمل السياسي في العراق وكوردستان، رأى أن "العمل السياسي في العراق شاق ومتعب وذلك لان بعض الأطراف السياسية في العراق تمتلك أجنحة مسلحة ولهم نفوذ في المؤسسات الحكومية"، مبينا انه "للأسف فان العمل السياسي في العراق تحول لدى بعض السياسيين الى عمل تجاري، ولهذا نجد أن السياسة نفقد أهدافها الوظيفية في العراق".

عودة إلى الصحافة

في المقابل، اعتبرت النائبة السابقة في برلمان إقليم كوردستان فيان عباس، خلال حديثها للوكالة أن "الصحفيين كونهم السلطة الرابعة وبحكم قربهم من الناس ونقل معاناتهم عن طريق الصحافة، فإنهم يمثلون النخبة والشريحة الأكثر شهرة في المجتمع والناس تثق بهم، فهذه عوامل لدخول الصحفيين عالم السياسة وقبة البرلمان ومجالس المحافظات".

وذكرت عباس، مسؤولة نقابة صحفيي كوردستان، فرع دهوك - حالياً - أن "الصحفيين الذين يدخلون عالم السياسة لديهم طموحات أيضاً، فهم أيضاً مثلما ينقلون معاناة الناس يعملون على معالجتها سواء أكان في منصب سياسي أو في البرلمان، وأجد أن دخولهم عالم السياسة ضرورة لأن العمل الصحفي قريب جداً على الجانب السياسي".

وخلصت فيات عباس، إلى القول إن "أعداد الصحفيين الذين دخلوا الميدان السياسي ازداد خلال السنوات الأخيرة، بسبب قدرتهم على استقطاب أصوات الناخبين واهتمامهم بعملهم ونجاحهم".