شفق نيوز/ رغم تصنيف العراق من بين البلدان الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة وفي مقدمتها النفط، تسجل نسبة الفقر فيه مستويات مرتفعة قياسا بالدول المحيطة، ويشير مختصون إلى إهمال حكومي على مدى السنوات الماضية، فضلا عن الفساد الإداري والمالي المستشري وغياب التخطيط.
وتظهر الإحصاءات الحكومية الرسمية أن الفقر وصل إلى نحو 21% من السكان، فيما تُقدر أعداد الفقراء بنحو 11 مليونا من بين 42 مليونا هم عدد سكان العراق.
وتفيد بيانات رسمية صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأن قرابة 7 ملايين عراقي يتلقون منحا مالية شهرية من الحكومة، وتتوقع رفعها الى 9 ملايين، قالت إنهم يستحقون المساعدة.
مسح لنسبة الفقر في العراق
تبلغ نسبة الفقر في العراق 20.5 إلى 21 بالمائة، وفقاً لمسح سابق، بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، مضيفاً أن "الجهاز المركزي للإحصاء ينفذ حالياً المسح الاقتصادي والاجتماعي للأسرة في العراق".
ويوضح الهنداوي لوكالة شفق نيوز، أن "هذا المسح بدأ العمل به في منتصف شهر تموز الماضي، ويستمر لمدة عام على مرحلتين، الأولى تنتهي في كانون الأول المقبل، والثانية تبدأ في كانون الثاني من عام 2024، وينتهي في تموز المقبل".
ويؤكد، أن "هذا المسح سوف يوفّر مؤشرات جديدة عن الواقع الحالي من حيث خط الفقر، ونسب الفقراء، والمحافظات والاقضية الأكثر فقراً، وستكون هذه البيانات مدخلات للاستراتيجية الثالثة لمكافحة الفقر التي تعمل الوزارة على إعدادها، وقد وصلت إلى مراحل متقدمة".
ويضيف، أن "هذه الاستراتيجية تأخذ بنظر الاعتبار أبعاد الفقر المتعددة، وهي ما يتعلق بـ(الصحة، والسكن، والتعليم، والدخل، والغذاء)، عبر مجموعة من السياسات والإجراءات التي تطلع في تنفيذها الجهات ذات العلاقة".
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة فإن "الفقر ليس قضية اقتصادية فحسب، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل الافتقار إلى الدخل والقدرات الأساسية للعيش بكرامة".
وذكرت المنظمة، أن "الأشخاص الذين يعيشون في فقر يعانون من العديد من أشكال الحرمان المترابطة وتشمل: ظروف العمل الخطرة، السكن غير الآمن، نقص المواد الغذائية المغذية، عدم المساواة في الوصول إلى العدالة، ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية".
الأزمة "كبيرة"
وفي هذا السياق، يقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، إن "الفقر من المشاكل والتحديات الكبيرة التي يعيشها العراقيون يومياً، واليوم العالمي للفقر، هو تذكير بهذه المحنة، خصوصاً مع وجود شرائح هشّة عديدة من النساء والأرامل والأيتام وذوي الإعاقة وكبار السن، وكم هائل من الذين تحت مستوى خط الفقر".
ويضيف الغراوي لوكالة شفق نيوز، أن "تداعيات الأزمة الاقتصادية، تمثل أزمة كبيرة لهذه الشرائح وخطورة مستدامة، في وقت لا يتلقى هؤلاء الأشخاص مبالغ تتناسب مع مقدار القيمة الأساسية للجوانب الحياتية، ولا تسد رمق عيشهم، وخاصة المتطلبات الخاصة بالسكن والصحة والتعليم وغيرها من الأمور الحياتية".
ويؤكد، أن "خطورة الفقر كبيرة، ما يستدعي استثمار الكم الهائل من الموازنات الانفجارية في العراق لدعم هذه الشرائح وإمكانية التعامل مع الفقر بشكل كبير".
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد استعرضت بعض الأرقام المهمة ذات الصلة باليوم العالمي للقضاء على الفقر، من بينها، ما يقدر بنحو 7% من سكان العالم (نحو 575 مليون شخص) قد يجدون أنفسهم محاصرين في الفقر المدقع بحلول عام 2030.
وأضافت، أنه استجابة لأزمة تكلفة المعيشة، أعلنت 105 دول وأقاليم عما يقرب من 350 إجراء للحماية الاجتماعية في الفترة من فبراير/شباط 2022 إلى فبراير/شباط 2023.
بينما أبرز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعض الأرقام بشأن أزمة الفقر العالمية وخطوات مواجهتها، موضحاً: إذا استمرت التوقعات الحالية، فإن ما يقدر بنحو 7% من سكان العالم سيظلون يعيشون في فقر مدقع بحلول نهاية هذا العقد.
وخلص تحليل أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن 165 مليون شخص وقعوا في براثن الفقر بين عامي 2020 و 2023، إذ أدت خدمة الديون إلى مزاحمة النفقات في المجالات الحيوية مثل الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم.
التقصير "حكومي".. والوظائف "بطالة مقنعة"
من جهتها، تعزو عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، نيسان الزاير، أسباب "انتشار الفقر في عموم العراق إلى عدم وضع الحكومات المتعاقبة حلولاً لهذه المشكلة، من خلال فتح الاستثمار، وتفعيل القطاع الخاص، وبناء مؤسسات جديدة لاستيعاب الموظفين".
وتعد الزاير خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، "الوظائف التي تستحدثها الحكومة بطالة مقنعة لإرضاء الشارع وامتصاص غضبه، وهي تستنزف الميزانية، ما يثقل كاهل الدولة".
وتؤكد، أن "لجنة حقوق الإنسان ترى أن المحافظات الجنوبية المثنى والديوانية وذي قار هي الأشد فقراً"، مبينة أن "مجالات عمل كانت متوفرة - بوجود المياه - خصوصاً في مناطق الأهوار والريف، من خلال الزراعة وصيد الأسماك والطيور وتربية الجاموس".
وتضيف: "لكن حالياً بسبب الجفاف، نفقت هذه الحيوانات وانعدمت الزراعة، ما تسبب بفقر سكان تلك المناطق و اضطرارهم إلى الهجرة والنزوح إلى المدينة".
وتشير إلى أن "المتضرر الأكثر هم الشباب، على اعتبار أن الرجل في مجتمعنا هو من يعمل لإعالة عائلته، لكن تضررن أيضاً النساء وخاصة اللواتي في الأهوار، فهن مستقلات مادياً عن أزواجهن من خلال تربية الجاموس وبيع ما ينتجه من مشتقات الألبان كالحليب وغيره، كما تضررن أيضاً النساء اللواتي يعملن في الفلاحة إلى جانب أزواجهن".
وتؤكد الزاير في ختام حديثها، أن "هذه المشاكل مُشخّصة لدى لجنة حقوق الإنسان النيابية وتبقى الحول بيد الحكومة".
إجراءات حكومية
وبالعودة إلى المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، يؤكد أن "الوضع في العراق شهد تحسناً في الكثير من المفاصل خلال العام الحالي 2023، ما سوف ينعكس إيجاباً على حياة الفقراء".
ويوضح، "حيث كان من أولويات البرنامج الحكومي، التركيز على الفئات الهشّة والمهمّشة في المجتمع، والفقراء على وجه التحديد، من خلال مجموعة من السياسات، أولها فيما يتعلق بتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية وشمول الكثير من الأسر والأفراد ضمن هذه الشبكة".
وتابع قائلاً، "الأمر الآخر، هو من خلال تحسين وزيادة المواد الغذائية ضمن البطاقة التموينية، وهذا خلق حالة من الاستقرار بعد توفير المواد الغذائية الأساسية للأسر، كما هناك سلّة غذائية خاصة للأسر الفقيرة".
ويؤكد، أن "هناك إجراءات حكومية أخرى في مجال الخدمات، وفي مجال استئناف العمل في المشاريع التي كانت متوقفة ومتلكئة، كما هناك مشاريعاً جديدة من شأنها توفير فرص العمل وتحسين الدخل، ما سوف ينعكس إيجاباً على واقع حياة الفقراء في عموم العراق".
ويُحيي العالم اليوم الدولي للقضاء على الفقر، في 17 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، بهدف تعزيز التفاهم والحوار بين من يعيشون في فقر وبقية أطياف المجتمع الأخرى.
وتحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي للقضاء على الفقر لعام 2023، تحت شعار "العمل اللائق والحماية الاجتماعية - وضع الكرامة موضع التنفيذ للجميع".
وتُظهر شهادات حية، أن من يعيشون في براثن الفقر المدقع غالباً ما يعملون لساعات طويلة ومرهقة في ظروف خطيرة وغير منظمة، لكنهم مع ذلك عاجزين عن كسب ما يكفي لإعالة أنفسهم وأسرهم بشكل مناسب.