شفق نيوز/ أجبرت "حرب المياه" التي تشنها "الطبيعة" ودول المنبع التي تزود العراق بمصادر المياه، على مغادرة قرابة ألف عائلة مناطق سكنها في محافظة البصرة جنوبي العراق، والنزوح نحو المدن للعمل في مهن أخرى غير الزراعة وتربية الحيوانات بسبب الجفاف وندرة المياه.
ويعاني العراق منذ القرن الماضي من تزايد مستوى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن تراجع المسطحات المائية وتناقص الأمطار وشح المياه بشكل عام، رافق ذلك سوء إدارة الحكومات المتعاقبة لأزمة المياه، وعدم اتخاذ إجراءات تتصدى لإنشاء دول المنبع، مثل تركيا وإيران، سدوداً أثرت بشكل واضح في الخزين المائي، ومن ثم في الخطة الزراعية التي تعتمد جذرياً على الوفرة المائية.
وأصبح العراق خلال السنوات القليلة الماضية من أكثر خمس دول تأثراً بتغير المناخ في العالم، وفق الأمم المتحدة، نتيجة جفاف 70 بالمائة من الأراضي الزراعية، ونزوح سكانها إلى مناطق حضرية للعيش، كما جفت الأهوار وتراجعت مناسيب الأمطار، فيما أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في آذار/مارس الماضي، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي.
نزوح 950 عائلة في البصرة
وسجلت دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة البصرة، نزوح 950 عائلة من المناطق الريفية إلى مركز المدينة أو إلى المحافظات الأخرى خلال عام 2023،
بحسب الممثل عن العائلات النازحة في البصرة، حسين فرج محمد. وأكد محمد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "أعداد النازحين في ارتفاع مستمر، خاصة من قريتي السويب والروطة، لكن الأكثر من منطقة نهر العز الواقعة شمالي المحافظة، حتى باتت هذه المنطقة شبه خالية من السكان"، مضيفاً أن "مزارعي تلك المناطق فقدوا مصادر رزقهم من تربية الحيوانات والثروة السمكية والأراضي الزراعية بسبب التصحر والجفاف، لذلك نزحوا إلى المدن وسكنوا في التجاوزات، وأنا واحد منهم".
وأشار إلى أن "أغلب النازحين يعملون بالبناء وليس لديهم رواتب، ونناشد الحكومة المحلية في البصرة والحكومة المركزية في بغداد بتعويض هؤلاء الذين تركوا منازلهم بحثاً عن مصادر أخرى للعيش لإعالة أسرهم".
نزوح 7 آلاف عائلة بـ3 محافظات
وكان المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهاكير، قال في (تشرين الثاني 2023)، إن "العراق ضمن الدول التي تأثرت بظاهرة التصحر، فضلاً عن قلّة الموارد المائية من دول الجوار لحوضي نهري دجلة والفرات، وكان الضرر الأكبر من نصيب المناطق الجنوبية وبعض مناطق الفرات الأوسط".
وأوضح جهاكير في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، أن "ظاهرة التصحر نتج عنها نزوح أعداداً كبيرة من العوائل التي كانت تعتاش على الزراعة والرعي، وما مُسجّل في قاعدة البيانات من أسماء يتجاوز 7 آلاف عائلة من محافظات (البصرة، وذي قار، وميسان)، وهؤلاء نزحوا مضطرين إلى مناطق قريبة من المدن".
غياب الدعم الحكومي
من جهته، أكد أمين سر اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة البصرة، توفيق علي، ارتفاع هجرة الريف إلى المدينة بسبب شحة المياه وملوحتها والتي أدت إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعة من (الحنطة والشعير والذرة الصفراء والبيضاء والتمور) عن المستويات السابقة.
وبحسب علي، الذي تحدث للوكالة، فقد تراجعت أيضاً المحاصيل العلفية بالنسبة للجت والبرسيم، أما التمور فإن قلّت أغلب الأصناف النادرة والممتازة مثل الخضراوي والشويثي والديري، وإذا لم تعاد زراعة فسائل جديدة فسوف تنقرض هذه الأصناف".
ويوجد في العراق أكثر من 600 إلى 650 صنف تمور، لكن المتوفر حالياً نحو 70 صنفاً فقط، وهذه لا تكفي حتى للاستهلاك المحلي، وفق أمين سر اتحاد الجمعيات الفلاحية.
وما أثر على الفلاح بصورة مباشرة "توقف الدعم الحكومي للأسمدة الكيماوية بنسبة 50 بالمائة عن مستخدمي الري السيحي الذي يعتمد على المضخات، واقتصار الدعم لمستخدمي تقنيات الري الحديثة، أي الري المحوري للحنطة والشعير".
وخلص علي إلى القول إن "سعر الأسمدة المدعومة كانت ما بين 325 ألف دينار إلى 350 ألف دينار للطن، لكن انتهى هذا الدعم في كانون الأول 2023، وسعره حالياً 650 ألف دينار للطن".