شفق نيوز/ سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية الضوء على تحديات احتراف الفن بين الفنانين العراقيين على الصعيدين الداخلي والخارجي، متسائلة من هي الجهات التي سمح لها بأن تروي تاريخ العراق الحديث على المستوى العالمي، وأين هي أعمال الفنانين العراقيين الذين يشهدون فيها بأنفسهم على هذا التاريخ.
واستعادت الصحيفة الأمريكية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز؛ حادثة جرت مع ثلاثة فنانين عراقيين، تمت دعوتهم من أجل عرض أعمالهم في "بينالي برلين" في العام الماضي، لتكون تحت عنوان "إنهاء الاستعمار والإصلاح"، وهو ما بامكان الثلاثي العراقي التعبير عنه اكثر من فنانين كثيرين غيرهم.
وبعدما لفت التقرير إلى أن الفنانين الثلاثة عاشوا في ظل الغزو الأمريكي في العام 2003، وان اعمالهم الفنية تتصادم حاليا مع تداعيات الغزو، اوضح ان فيلم ليث كريم مثلا يستكشف الصدمات المجتمعية والتعافي، بينما أحضر سجاد عباس لافتة عليها صورة لعينه، كان قد علقها في احد المرات أمام "المنطقة الخضراء" المحصنة في بغداد، كصورة رمزية تعبر عن التجربة العراقية في "مشاهدة" الاحتلال الذي كلف تريليوني دولار.
وتابع التقرير أنه عندما دخلت المجموعة الى قاعة المعرض، كان هناك عرض مختلف واكبر، وهو عبارة عن تصميم فني يجمع بين الجوائز التي نالها الجنود الامريكيون وصورا للتعذيب والاعتداء الجنسي على السجناء العراقيين في سجن ابوغريب، وهو من اعمال فنان فرنسي، وذلك بهدف اثارة "الصدمة" عند الزائرين.
ونقل التقرير عن أمين المعرض ريجين ساهاكيان الذي قدم الفنانين الثلاثة لمنظمي المعرض، قوله إن "الفكرة كان مفادها أن هذا ما هو جيد بالنسبة لنا، وهذا ما هو جيد بالنسبة إلى العالم، أي فقط من خلال مشاهدة هذه الصور مجددا".
إلا أن التقرير اعتبر أن هذه الواقعة تسلط الضوء على أسئلة غير مريحة هي من الذي تم السماح له بأن يروي تاريخ العراق الحديث على المسرح العالمي، وبالإضافة إلى ذلك، أين هو عمل الفنانين العراقيين الذين يعيشون هذه الأحداث؟
وتابع قائلا إنه رغم وجود عدد قليل من الفنانين العراقيين ممن يعرضون أعمالهم على المستوى الدولي، غير أن المشاهد والأعمال المرئية حول العراق، تهيمن عليها وسائل الإعلام الغربية عادة.
واكد التقرير؛ ان الفنانين في العراق كانوا بين أشهر فناني المنطقة، مذكرا بأن جواد سليم وشاكر حسن آل سعيد اسسا في العام 1951، "مجموعة بغداد للفن الحديث" في محاولة منهما لصياغة هوية فنية عراقية مميزة حيث قاما بمزج الأساليب الحداثية مع التاريخ المحلي والزخارف.
إلا أنه مع مرور الوقت احتوت القوى السياسية عملهم، ومع حلول أواخر الثمانينيات، كان حزب البعث بزعامة صدام حسين قد هيمن على المشهد الفني واستخدمه في دعايته.
واضاف ان الحكومة العراقية اليوم تعتبر من بين أكثر الحكومات فسادا في العالم، فيما ان الخدمات العامة متعثرة، وشبكة الكهرباء متداعية، وشدة الحرارة تدمر الأرض التي كانت تؤمن الطعام والوظائف، بينما يجبر المناخ الناس على الهجرة من جنوب العراق الريفي بسبب الجفاف.
الا ان التقرير يشير الى جيل جديد من العراقيين يعمل على سرد قصصه الخاصة من خلال الفن المعاصر، ويواجه في الوقت نفسه عثرات عند كل منعطف.
وبعدما لفت إلى أن معهد الفنون الجميلة في بغداد ذي البناء الأصفر يكتفي بتدريس الأساليب الكلاسيكية في الفن فقط، تابع ان ذلك يجبر الطلاب الساعين الى تعلم أنماط جديدة في الفن الى استخدام أي مساحة متاحة لهم، وهم قد يعملون في المنزل او على اسطح البيوت أو سوية في استوديوهات صغيرة، وفي غالب الأحيان تكون مواردهم المالية محدودة والمساحة المتاحة لتخزين أعمالهم الفنية محدودة.
وبرغم وجود صالات عرض خاصة، إلا أنه من الصعب على هؤلاء من الجيل الجديد من الفنانين دخلوها لعرض أعمالهم، وهي مسألة تتطلب علاقات شخصية وأموالا للقيام بالدعاية. كما أن الحصول على التمويل من خلال منحة، يتطلب تقديم الطلبات باللغة الانجليزية المتقنة.
ولفت التقرير إلى أنه عندما تظهر امام هؤلاء فرصة دولية لعرض اعمالهم ، فان العديد منهم يكتشفون انه ليس بمقدورهم الحصول على تأشيرات "فيزا" لحضور معارض تقدم أعمالهم.
ونقل التقرير عن الخبيرة الفنية هيلا مويز الالمانية المولودة في بغداد، قولها "إن المسألة يتطلب الكثير من علاقات التواصل والوقت.. وعليك أن تفهم النظام وسوق الفن والأمر شديد التعقيد".
وإزاء هذا الوضع، تحدث التقرير عن "ملاذ واحد" موجود في بغداد، يتمثل في "بيت تركيب" وهي منظمة خاصة بالثقافة والفنون في حي الكرادة التاريخي يقع بين المنازل اليهودية القديمة وأشجار النخيل الشاهقة، والذي أسسته هيلا مويز في العام 2015، ومختص برعاية الفن المعاصر، ويتضمن استوديوهات للفنانين ومساحات للشباب لتعلم مهارات الرسم و الباليه والعزف على الآلات الموسيقية.
واوضح التقرير؛ انه عند كل جدار في المركز، يتم عرض عمل الفنانين التي تتضمن ملامح من الحياة العراقية، حيث ان الصور وأعمال النحت هي بمثابة رسومات للوجه المتغير لبغداد.
تستعيد مويز تجربة زيارة فنان فلسطيني مؤخرا الى المركز حيث وصف الأعمال الفنية بأنها متميزة عن بقية المنطقة، مضيفا أن مع كل عمل فني ترى انه لعراقي، وانه برغم الأساليب المختلفة، إلا أنك لا ترى التأثير الغربي. وقالت مويز "هذه أفضل مجاملة حصلنا عليها على الاطلاق".
وذكر التقرير؛ أن فناني المركز قاموا في نيسان/ابريل العام 2019، بنشر أعمالهم الفنية في الحدائق العامة في شارع أبو نواس، و أوحت هذه المعروضات بأنها بمثابة صرخة ضد الفساد والطموحات المخنوقة.
وبحسب التقرير فإن مويز شعرت بأن المعرض التقط نبض مجتمع موشك على التمرد، حيث انها بعدها ب7 شهور، تحولت الاحتجاجات الصغيرة ضد الفساد، الى انتفاضة واسعة ضد النظام السياسي، والتحق الفنانون بالمحتجين العراقيين الآتين من كل مناحي الحياة.
وتابع التقرير؛ أنه بعد مقتل أكثر من 600 شخص في حملة القمع، حفر المتظاهرون هذا الحدث التاريخي على الجدران، اذ انه بالقرب من ساحة التحرير، جرى تحويل ممر سفلي من الحجر الى ثورة من الألوان، وظهرت على الحيطان جداريات بأسماء ووجوه الموتى بألون ذهبية ورسومات بالابيض والاسود.
وختم التقرير بقصة الفنان زيد سعد (31 عاما) الذي اشتغل على عمل نحت فني مؤلف من حقائب مصنوعة من الاسمنت كتعبير عن الرفض الذي يواجهه العراقيون عندما محاولتهم الوصول إلى اوروبا أو الولايات المتحدة. ويأمل سعد بأن تعرض منحوتته هذه في متحف نيويورك للفن المعاصر.
لكن الجانب الحزين من القصة أن سعد خلال أيام دراسته في معهد الفنون الجميلة، كان يضع الخطط مع اصدقائه حول المستقبل، ولكن مع تزايد اليأس من الأوضاع المعيشية، استقل 10 من اصدقائه قوارب للمهاجرين كان يفترض أن تتجه بهم إلى أوروبا في العام 2015، ومات بعض أفراد المجموعة في البحر، ونجح آخرون في الوصول.
وذكر التقرير بأن ملايين العراقيين غادروا بلدهم منذ العام 2003 هربا من العنف والفقر.
وتابع التقرير أنه عند مدخل مركز منظمة "تركيب"، وضع سعد عملا فنيا يعكس خسارته لاصدقائه وقال انه "يتعلق بخططنا وكيف بقوا معي".
وتابع ان اخر اعمال سعد الفنية تتعلق بالهجرة ايضا وتعكس ايضا ان اصدقائه ما زالوا في ذاكرته، وقال "ان بعضهم وثق بي لدرجة انهم اخبروني بمغادرتهم قبل أن يبلغوا عائلاتهم". وتابع وهو يصب الاسمنت لينهي عمله الفني "دائما ما أشعر بالحزن عندما اقرأ أخبارا عن اللاجئين... هل السماح بدخول الناس (المهاجرين) امرا بالغ الاهمية لهذه الدرجة؟!".
ترجمة: وكالة شفق نيوز