شفق نيوز- بغداد
قبل ستة أيام فقط من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ما زال قرار زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري)، مقتدى الصدر بمقاطعة الانتخابات يلقي بظلاله الثقيلة على المشهد السياسي العراقي.
ويرى مراقبون أن المقاطعة الصدرية التي تستند إلى قاعدة جماهيرية منضبطة ومنظمة، قد تُضعف الزخم الشعبي للانتخابات وتُحدث خللاً في التوازن السياسي داخل المكون الشيعي، خصوصاً في المحافظات التي شكل فيها التيار الصدري قوة انتخابية حاسمة خلال الدورات السابقة.
تراجع المشاركة
وفي هذا السياق، يقول القيادي في الإطار التنسيقي (الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في العراق) رحمن الجزائري إن "مقاطعة مقتدى الصدر سيكون لها تأثير واضح في المشاركة الانتخابية، خاصة في المحافظات الجنوبية، حيث تشير المؤشرات الميدانية لحملات التعبئة إلى أن نسبة الإقبال ستكون ضعيفة جداً".
ويضيف الجزائري لوكالة شفق نيوز أن "المكون الشيعي يواجه مأزقاً حقيقياً في مسألة المشاركة، خصوصاً أن مدينة الصدر – التي تعد أحد أكبر معاقل التيار – أعلنت مقاطعتها الكاملة للانتخابات".
ويؤكد أن "المقاطعة ستؤثر على العملية السياسية في قرار حاكمية الشيعة، وتخلق خللاً في التوازن السياسي، فالصدر خرج من القبة التشريعية لكنه لم يخرج من التأثير الحكومي".
فراغ انتخابي
من جانبه، يرى المحلل السياسي مجاشع التميمي أن "مقاطعة مقتدى الصدر للانتخابات ستترك أثراً مباشراً على نسب المشاركة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الصدرية في بغداد والجنوب".
ويضيف التميمي لوكالة شفق نيوز أن "التيار الصدري يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة ومنضبطة تنظيمياً كانت تشكّل العامل الحاسم في رفع نسب التصويت، وغيابها يعني انكماش القاعدة الانتخابية الفاعلة وتراجع الحماس الشعبي، ما سينعكس على شرعية العملية الانتخابية نفسها".
ويؤكد أن "المقاطعة قد تخلق فراغاً سياسياً داخل المكون الشيعي، وتفتح الباب أمام قوى أخرى لمحاولة استقطاب القاعدة الصدرية، لكنها لن تستطيع ملء الفراغ الرمزي والشعبي الذي يمثله التيار".
ويرجح التميمي أن "تشهد مدن مثل الصدر والبصرة وميسان وذي قار انخفاضاً حاداً في نسب التصويت، وهو ما سيؤثر على موازين القوى داخل الساحة السياسية العراقية".
اختلال التوازن
أما المحلل السياسي عائد الهلالي، فيعتبر أن "قرار مقاطعة الصدر يمثل محطة سياسية حساسة سيكون لها أثر مباشر في حجم المشاركة الشعبية، خصوصاً في المحافظات ذات الثقل الصدري كبغداد وميسان وذي قار".
ويشير الهلالي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن "غياب القاعدة الصدرية عن صناديق الاقتراع سيؤدي إلى تراجع ملموس في نسب المشاركة العامة ويُضعف الزخم الشعبي للعملية الانتخابية، ما يمنح القوى المنافسة – وعلى رأسها الإطار التنسيقي – نفوذاً أكبر داخل البيت الشيعي".
ويضيف أن "التيار الصدري كان يمثل الكتلة الأكثر قدرة على تحريك الشارع والموازنة بين أقطاب الإطار، ومع غيابه ستنفتح الساحة أمام قوى الإطار لإعادة ترتيب موازينها الداخلية دون ضغط صدري، لكنها في المقابل ستفتقد عنصر التوازن الجماهيري الذي يمنحها غطاءً وطنياً أوسع".
ويرى الهلالي أن "المقاطعة قد تضعف صورة التمثيل الشيعي الموحد أمام المكونات الأخرى، خصوصاً إذا جاءت نسبة المشاركة ضعيفة ومحصورة بجمهور الأحزاب التقليدية، كما أنها ستفتح المجال أمام قوى سنية أو مدنية أو مستقلة لتعزيز حضورها في المحافظات المختلطة".
وخلص إلى أن "التيار الصدري وإن غاب انتخابياً، إلا أنه سيبقى فاعلاً كقوة احتجاجية قادرة على التأثير في أي مرحلة سياسية مقبلة".
ثبات التمثيل
في المقابل، يرى الباحث في الشأن السياسي مهند الراوي أن "غياب مقتدى الصدر وتياره الكبير عن مشهد الانتخابات سيؤثر على نسبة المشاركة، لكنه لن يغيّر كثيراً في حجم التمثيل العددي للمكون الشيعي داخل البرلمان".
ويقول الراوي لوكالة شفق نيوز إن "التيار الصدري يتمركز تقليدياً في المحافظات الشيعية منذ أول انتخابات عام 2005، وبالتالي فإن غيابه سيؤثر على حجم جمهور الشيعة، لكنه لن يمنح المكونات الأخرى مكاسب إضافية".
ويوضح أن "الشيعة يمتلكون حالياً نحو 184 مقعداً في البرلمان، ولن يتغير هذا الرقم كثيراً رغم المقاطعة".
ويضيف أن "المكون الشيعي ربما سيخسر من 4 إلى 5 مقاعد في بغداد كونها خليط من المكونات، لكنها لن تخلّ بالنسبة النيابية داخل البرلمان، لأن المحافظات الجنوبية والوسطى مغلقة مذهبياً، مثل النجف وكربلاء والديوانية وواسط والبصرة وذي قار، فلن يصعد منها نواب سنة بسبب غياب التيار الصدري".
لذلك يتوقع الراوي في النهاية أن "البرلمان المقبل لن يشهد تغييراً جذرياً في خريطة المكونات، إذ لن يتجاوز عدد النواب السنة 70 نائباً في أفضل الأحوال".
انسحاب الصدر
وكان الصدر، قد أعلن في آذار/ مارس الماضي، عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللاً ذلك بوجود "الفساد والفاسدين"، فيما بين أن العراق "يعيش أنفاسه الأخيرة".
وقرر الصدر، في حزيران/ يونيو 2022 الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائباً.
وكانت الكتلة الصدرية قد تحصلت على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2021، إلا أن مساعي زعيم التيار أخفقت في تشكيل الحكومة الجديدة جراء وقوف الإطار التنسيقي الشيعي بوجهها من خلال استحصال فتوى من المحكمة الاتحادية بما يسمى الثلث المعطل في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتسمية رئيس مجلس الوزراء.