شفق نيوز/ حذر تقرير دولي، من مسارعة الصين لملء فراغ النفوذ في العراق، من خلال تحسين أمن الطاقة ونفوذها العالمي، مرجحاً أن تكون نتائجه معاكسة حتى لو كان العراق هو المستفيد الأساسي.

ولفت تقرير لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، وترجمته وكالة شفق نيوز، إلى حياد الصين في سياساتها، لكن المنطقة حافلة بالمنافسات الطويلة والصراعات، مذكرا بان الصين فازت مؤخرا بنصيب الاسد في جولة التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في العراق في اطار مسعاه للخلاص من الاعتماد على الغاز من ايران.

 ورأى التقرير ان هذه الخطوة االصينية تعكس سعيها من اجل تامين امدادات الطاقة في وقت تكافح فيه لردع اتجاه التباطؤ في النمو في الداخل الصيني، مضيفا ان الصين تغتنم الفرص المتاحة في الشرق الاوسط التي ظهرت في ظل الطموحات المتضاربة للغرب، مذكرا بتصريح كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي الذي اكد مؤخرا على موقف الحكومة الصينية المؤيد للفلسطينيين.

 وذكر التقرير ان الشركات الامريكية والاوروبية تخشى القيام باستثمارات طويلة المدى في الدول الممزقة بالحرب حيث الفساد منتشر على الرغم من الاحتياطيات التي تتمتع بها هذه الدول من الغاز والنفط. وتابع التقرير ان هذه الدول لا تتنافس مع الصين من اجل عقود حول حقول النفط، مضيفا ان واشنطن قدمت الارواح والاموال والوقت في العراق، الا ان الصين هي المستفيد.

 إلا أن التقرير لفت الى ان الاستراتيجية التي تنتهجها الصين في العراق "قد تكون لعبة محصلتها سلبية" على الاصعدة السياسية والتجارية وفيما يتعلق بالنفوذ، بالنظرالى ديناميكيات القوة في المنطقة.

 وبعدما ذكر التقرير، أن هناك "مخاطر غادرة تواجه فنون الحكم"، وهو ما تدركه الولايات المتحدة واوروبا بشكل جيد، قال إن الصين سوف تواجه تحديات في العراق بسبب العداوات التي تعمقت على مدى القرون القليلة الماضية. 

حياد الصين

وبعد الإشارة إلى حرب غزة والتوترات في مجتمعات المنطقة والتي ليس بإمكان حكوماتها معالجتها، وجد التقرير ان حياد الصين وتسهيلها للحوار، لن يحميها من الاضطرار لمواجهة هذه الصعوبات، مضيفا انه مع تزايد انخراطها في العراق عمقا، وتكاثر التحديات، فان جهود الرئيس الصيني شي جين بينغ سوف تتعرض للخطر وربما للرفض، متسائلا "كيف يمكن للصين ان تنجح، اذا لم تنحاز الى الجهات الفاعلة المحلية؟". 

 ورأى التقرير ان التاريخ يظهر مرارا ان فراغ القوة الجيواستراتيجية هو شبيه للثقوب السوداء. ولفت الى ان الدول تستفيد من وسائل مختلفة مثل الحوافز الاقتصادية من اجل اكتساب النفوذ عندما يتراجع المنافسون لها سواء جزئيا او بشكل كامل، الا انه في بعض الاحيان تكون الاستراتيجية الافضل هي البقاء على الهامش.

وبين التقرير بما قاله الرئيس الامريكي جو بايدن حول الوجود الصيني المتزايد في الشرق الاوسط في العام 2022 اثناء زيارته لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، حيث قال الرئيس الامريكي "لن نبتعد ونترك فراغا تملاه الصين او روسيا او ايران". 

 وفي هذا السياق، اشار التقرير الى ان تقديرات بوجود نحو 50 الف جندي امريكي في احاء المنطقة، بينما تمثل القاعدة العسكرية الامريكية الاكبر في قطر، في حين ان جرى تعاون امني لا سابق له بين واشنطن وتل ابيب والرياض وابو ظبي بعد ان استهدفت ايران اسرائيل بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة في نيسان/ابريل الماضي. 

 

نفوذ الصين

وبالمقارنة، قال التقرير ان "موطئ قدم الصين في المنطقة ليس بالقوة ذاتها". 

 وتابع التقرير ان الصين والعراق احتفلتا في العام الماضي بمرور 65 عاما على العلاقات الثنائية التي بدات بعد الانقلاب العراقي العام 1958، عندما اطاح الجنرال عبد الكريم قاسم بالنظام الملكي الهاشمي واعترفت بكين بحكومته "الثورية"، مضيفا انه خلال حرب العراق مع ايران في الثمانينيات، باعت الصين الاسلحة لكلا البلدين.

 ولفت التقرير الى انه برغم هذه الجهود، الا ان علاقات الصين مع العراق كانت محدودة حتى العقدين الماضيين. واضاف ان ما دفع البلدين الى التقارب تجاه بعضهما البعض، هو حاجة بكين المتزايدة للنفط، وحاجة العراق الى السيولة، واعادة الاعمار بعد سنوات من الحروب، وتاثيرات انخفاض اسعار النفط بالاضافة الى "تخفيض حجم" القوات الامريكية في العراق. 

ونوه التقرير، إلى أن اتفاقية العام 2009 منحت شركة البترول الوطنية الصينية حصة قدرها 37 % في حقل الرميلة النفطي، وهو اكبر حقل نفط في العراق، وانه مع حلول العام 2013، كان للصين دور في اكثر من نصف انتاج العراق اليومي من النفط. وتابع التقرير انه في العام 2010، الغت الحكومة الصينية 80 % من ديون العراق المستحقة لبكين. كما ان مشاهد فيديو تعود الى العام 2015، تظهر ان الجيش العراقي يقوم بتشغيل طائرات مسيرة من طراز "سي اتش-4" الصينية الصنع. 

 والى جانب ذلك، قال التقرير ان البلدين وقعا اتفاق النفط مقابل الاعمار في العام 2019، بحيث ان بكين تمول مشاريع البنية التحتية مقابلحصولها على 100 الف برميل يوميا. واضاف التقرير انه اعتبارا من فبراير/شباط، فان الشركات الصينية هي التي تشرف على ثلثي انتاج النفط العراقي. 

عين على العراق

وذكر التقرير ان العراق اصبح الهدف الاول لتمويل مبادرة "الحزام والطريق" في العام 2021، اذ حصل على 10.5 مليار دولار امريكي لمشاريع البنية التحتية. واضاف ان البنك المركزي العراقي اعلن في العام الماضي، انه سيقوم بتسوية معاملات تجارية مع الصين مباشرة بعملة اليوان. 

 وبحسب التقرير، فان مثل هذه التشابكات تتحول الى "متاهة"، حيث ان الاهداف تتعرض للضياع وتتزايد صعوبات تسويتها مشبها الموقف بالالات التي تحتوي على العديد من الاجزاء المتحركة التي تكون بحاجة الى الصيانة والاصلاحات بشكل دائم وبشكل يتزايد صعوبة. 

 وتابع التقرير، أن بالامكان اضافة التعقيدات الناتجة عن حالات عدم اليقين والاضطرابات والاحداث غير المتوقعة، على غرار وفاة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في حادث الطوافة.

ولهذا، خلص التقرير، إلى أن كل هذه المسائل تجعل الصين امام ضرورة تحقيق عملية توازن صعبة، بحيث يتحتم عليها الاهتمام بمصالح شركائها وفي الوقت نفسه، ان تنأى بنفسها عن القوى الفاعلة المحلية، في حين تراقب نقاط الضعف الاقتصادية المتزايدة في الداخل. 

كما اعتبر التقرير، أن بكين قد تجد نفسها مضطرة الى الخروج من العراق، في وقت تقوم دول الخليج، وخصوصا السعودية وقطر والإمارات، بتقديم استثمارات كبيرة في محاولة لحشد القوة الإقليمية وضمان الاستقرار وعزل إيران.

ولفت إلى أن بعض دول الخليج توقع اتفاقيات مع الصين كجزء من مبادرة "الحزام والطريق"، الا أن طموحاتها ستحد من المساحة المتاحةلبكين لكي تتصرف من جانب واحد، بالاضافة الى ان مسألة الاستقرار الاقليمي، مثل هجمات الحوثيين على السفن في البحر الاحمر، تثير هي الاخرى احتمال حاجة الصين الى التعاون مع الولايات المتحدة واوروبا ودول الخليج لتامين تدفق النفط والغاز وحماية استثماراتها، وهو ما من شأنه اضافة تعقيدات للتوترات العنيفة مع الغرب بشان التجارة.

وختم التقرير، بالقول: "مثلما هو الحال مع الغرب حاليا، فان الصين قد تجد نفسها بشكل متزايد وهي تشهد التقدم الذي حققته يتم جرفه بسبب الاعمال العدائية المتراكمة منذ قرون"، مضيفا انها قد تواجه اعباء اكثر مما لها القدرة على تحمله.