شفق نيوز/ دخلت منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر أسابيعها خطورة، مع تزايد التكهنات بان رد ايران، وحلفائها وخصوصا حزب الله اللبناني، اصبح وشيكا، في وقت يبدو ان الساعات والايام المقبلة بدأت تشهد سباقا بين خياري الحرب والدبلوماسية.
وحتى الان لا يبدو ان هناك مؤشرات مرضية بان احتمالات المواجهة العسكرية الموسعة آخذة بالتلاشي، باستثناء بارقة الامل اليتيمة والضعيفة بان "الانتقام" من جانب ايران على مقتل زعيم حركة حماس اسماعيل هنية على اراضيها، وانتقام حزب الله لاغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، لم يحصل حتى الان برغم مرور اكثر من 10 ايام على الاغتيالين. لكن بخلاف هذا التأخر، فان ما من شي يدل على ان الرد الايراني، وربما من جانب قوى "محور المقاومة"، قد ألغي.
تطوران مهمان يتحتم التوقف عندهما في اليومين الماضيين، البيان الرئاسي الثلاثي الصادر عن الولايات المتحدة وقطر ومصر ووقعه جو بايدن وعبد الفتاح السيسي وتميم بن حمد ال ثاني، والذي يدعو الى استئناف محادثات وقف الحرب الخميس المقبل، وهو بيان تلقفته سريعا العديد من العواصم العربية والغربية الرئيسية بالتأييد، اولا على امل وضع حد للحرب المدمرة المتواصلة منذ اكثر من 10 شهور، وثانيا على امل ان يكون هذا الموعد مخرجا دبلوماسيا لائقا قد يقنع ايران وحلفائها، اما بإلغاء انتقامها، أو "ضبط" حجمه بحيث لا يثير حربا مفتوحة.
ويقول مراقبون انه من اجل الدفع باتجاه هذه الاحتمالات، اي محاولة تجنب المواجهة الموسعة، فان الادارة الاميركية دفعت بأبرز وسطائها ودبلوماسييها باتجاه الشرق الاوسط، حيث يستهل الحركة الامريكية الجديدة مبعوث الرئاسة الامريكية للشرق الاوسط بريت ماكغورك بجولة اقليمية تبدأ من القاهرة خلال الساعات المقبلة، بينما سيأتي مدير المخابرات الامريكي وليام بيرنز من بعده لقيادة محادثات يوم الخميس بناء على بيان الزعماء الثلاثة، ثم يتبعه وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن.
وبحسب موقع "والاه" العبري، فان بلينكن اكد زيارته لوزير الامن الاسرائيلي يوآف غالانت، وان هدفه هو الانضمام الى الجهود المبذولة للتوصل الى اتفاق بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، بالاضافة الى منع التصعيد الاقليمي.
ووفق مراقبين، فان المجزرة الجديدة التي ارتكبها سلاح الجو الاسرائيلي في مدرسة التابعين في قطاع غزة والتي راح ضحيتها أكثر من 100 قتيل وعشرات الجرحى أثناء صلاة الفجر، وردود الفعل العربية والدولية الواسعة تنديدا بها، تساهم في تحريك مسار التفاوض الذي بدا انه دخل نفقا مسدودا ومجهولا منذ اغتيال هنية في طهران بعد مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الايراني الجديد مسعود بزشكيان.
لكن المراقبين يقولون ايضا ان المهمة الشاقة للوسطاء الامريكيين، قد يكون مصيرها ونجاحها مرتبطان، بما اذا كانت طهران ستقوم بالرد على الاعتداء الاسرائيلي على سيادتها باغتيال "ضيفها هنية"، خلال الساعات او الايام المقبلة. وبحسب "صحيفة "معاريف" الاسرائيلية، فان التقديرات الاميركية والإسرائيلية ترجح أن ينفذ حزب الله هجومه خلال الساعات الـ24 المقبلة، على ان تقوم ايران بشن هجومها من بعده.
ومن غير الواضح أيضا حتى الان ما اذا كانت نافذة التفاوض التي حاول البيان الثلاثي فتحها يوم الخميس المقبل، قابلة للتحقق فعلا. وتقول "القناة 13" الاسرائيلية انه "من الصعب على اسرائيل تحديد ما إذا كان (زعيم حزب الله حسن) نصر الله وقيادة الحزب قد حددوا بالفعل كيفية الهجوم، ولكن هناك إجماع في الجهاز الأمني على أن الرد سيأتي في المستقبل القريب".
وتقول مصادر مقربة في الحزب في بيروت ان المقاومة في لبنان، انه برغم التكهنات حول مواعيد الرد على الجريمة التي ارتكبتها اسرائيل في بيروت وطهران، فان الحزب لم يحدد موعدا للهجوم، ولم يتخذ قرار لا بالتأجيل ولم يسرب مواعيد افتراضية للاعلام.
وقد اعطت ايران اشارة اضافية على استمرار سعيها الى الرد على اسرائيل. في رسالة تهنئة من قائد قوة القدس الايراني العميد اسماعيل قااني الى رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، قال "اننا نعتبر ان الثأر لدمه (اسماعيل هنية) بهذه الحادثة المريرة التي وقعت في حرم الجمهورية الإسلامية، واجب علينا".
اشارة اخرى يلفت اليها المراقبون حول الموقف من نافذة التفاوض، صدرت في بيان لحزب الله بالامس حول مجزرة صلاة الفجر في غزة، حيث قال إن "الحديث عن وقف إطلاق النار وتحديد مواعيد جديدة للمفاوضات ليست إلا كذبا وخداعاً لن تنطلي على الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة وجبهات الاسناد التي تزداد اقتناعاً بعزمها على المقاومة والعمل بكل قوة لوقف المذبحة ومنع العدو من تحقيق أهدافه المعلنة والمضمرة".
وبينما ينقل موقع "اكسيوس" الاخباري الامريكي عن مصدر مطلع على المفاوضات، قوله ان الاجتماع المقرر يوم الخميس، يظل محاولة "اعجازية" من جانب ادارة بايدن للتوصل إلى صفقة ومنع حرب إقليمية، قال موقع "والاه" الاسرائيلي ان المهمة الاولى لماكغورك في القاهرة "التوصل الى ترتيبات امنية على حدود مصر مع غزة، من خلال نظام مشترك لمنع تهريب الاسلحة، والاتفاق على اعادة فتح معبر رفح، بما يمهد لاحقا للتوصل الى اتفاق على مصير الاسرى ووقف اطلاق النار.
ولم يصدر موقف رسمي واضح من حركة حماس حول الدعوة الثلاثية للتفاوض في 15 آب/اغسطس، سواء برفضها او القبول بها، لكن مصادر مقربة من حماس اعتبرت ان البيان الثلاثي لا بوفر اطمئنانا كافيا. كما قالت مصادر فلسطينية مطلعة، ان قيادة الحركة تعمل بالتأكيد على اعداد ردها وتحديد البنود الرئيسية التي ترسم موقفها من خيار جولة التفاوض المقبلة.
لكن بموازاة هذه الجهود، نفذت اسرائيل اغتيالا جديدا في مدينة صيدا، بعيدا عن الحدود مع لبنان، حيث قتلت بغارة جوية القيادي في حركة حماس سامر الحاج قبل يومين، ورد حزب الله بهجوم هو الاول من نوعه امس السبت، من خلال سرب من الطائرات المسيرات الإنقضاضية على قاعدة محفاة ألون التي تعتبر قاعدة تجميع وتحشد للقوات ومخازن طوارئ للفيلق الشمالي الواقعة جنوب غرب صفد، مستهدفا مواقع تمركز الضباط والجنود، علما بان هذه القاعدة تقع على بعد 17.5 كلم من الحدود.
وبينما اقرت مواقع اسرائيل بوقوع اصابات في هجوم حزب الله، قال وسائل اعلام اسرائيلية ان سرب المسيرات الانقضاضية "ضرب اماكن عدة ممنوع الحديث عنها بأمر من الرقابة العسكرية، مشيرة الى ان منظومات الاعتراضالجوي لاسرائيل نجحت في اعتراض مسيّرة واحدة فقط من سرب المسيّرات.
اما "القناة 12" الاسرائيلية، فقد قالت ان "هجوم حزب الله بالمسيرات بالشمال كان غير عادي والرقابة تواصل منعنا من ذكر التفاصيل ولكن من الواضح أن تطورا كبيرا يحدث في قدرات حزب الله العسكرية واستعداده للمواجهة".
ولهذا، ولأسباب كثيرة، تقول "القناة 13" الاسرائيلية ان "إسرائيل تدخل أسبوعاً دراماتيكياً آخر كجزء من الحرب، ونصر الله وبقية كبار المسؤولين في منظمته، مصممون على الرد وضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية".
ومع ذلك، هناك مؤشر آخر يربك الحسابات والتكهنات، فقد نقلت وكالة "ايرنا" الايرانية عن البعثة الايرانية الامم المتحدة في نيويورك قولها ردا على سؤال عما اذا كانت ايران ستؤجل خططها لمهاجمة إسرائيل حتى محادثات وقف إطلاق النار في غزة المقرر عقدها الخميس، إن "تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة أولوية لإيران، وأي اتفاق تقبله حماس سيكون مقبولا لطهران أيضا".
وأشارت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، إلى أن اغتيال هنية في طهران، "انتهاك للأمن القومي والسيادة، ولدى طهران الحق في الدفاع عن النفس وهذا لا علاقة له بوقف إطلاق النار في غزة"، مستدركاً بالقول: "نأمل الرد في الوقت المناسب وبطريقة لا تضر بوقف إطلاق النار المحتمل بالقطاع".