شفق نيوز/ العلامة الوحيدة التي تشير إلى أن أحدث أسواق مدينة الموصل ذات الغالبية السنية وأكثرها ازدحاما في قبضة مستثمر وسلطات شيعية هي لوحة صغيرة في مكتب مستأجر السوق القادم من بغداد.
كُتب على اللوحة ”سوق الإمام الحسين“.
وخوفا من تجدد التوترات الطائفية أزيلت لافتات القادة الشيعة التي رفعها رجال الفصائل المسلحة بعد أن ساعدوا في هزيمة المتطرفين السنة من مقاتلي الدولة الإسلامية قبل عامين.
وأصبحت ثانية أكبر المدن العراقية، التي كانت في فترة من الفترات مركزا لتجنيد الضباط من السنة في جيش صدام حسين، معقلا لتنظيم القاعدة بعد الاجتياح الأمريكي الذي أطاح بدكتاتور العراق في 2003 ثم تحولت فيما بعد إلى قاعدة أعلن منها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي قيام دولة الخلافة في 2014.ومنذ ذلك الحين أصبحت الفصائل الشيعية المدعومة من إيران والتي لعبت دورا حاسما في هزيمة الدولة الإسلامية قوة مهيمنة في المدينة وإن أصبحت مظاهر وجودها أقل من ذي قبل.
غير أن سلطات دينية شيعية تسعى خلسة الآن للسيطرة بصفة رسمية على أراض وممتلكات تابعة للدولة تقول إنها شيعية تاريخيا وهو أمر أثار حفيظة المسؤولين السنة.
وفي سوق الإمام الحسين حيث يوجد حوالي 60 متجرا وكشكا أصبح للسلطات الشيعية موطيء قدم يدر الربح.
وتنفي الفصائل الشيعية اتهامات من المسؤولين المحليين بأنها تضغط بالتهديد المستتر باستخدام القوة لتعزيز المطالب الشيعية بملكية الأراضي.
غير أن كثيرين من السنة العراقيين يرون في نمو السيطرة الشيعية على الأراضي والاستثمار في مناطق كانت في وقت من الأوقات تخضع لسيطرة الدولة الإسلامية علامة على النفوذ المتزايد للفصائل ونفوذ إيران.
وقال شيروان دوبرداني عضو البرلمان عن محافظة الموصل ”اليوم بالعراق الكلمة والقرار للقوة وليس للقانون“.
وتقع المناطق التي تسعى الفصائل والسلطات الشيعية للاستحواذ عليها في ممر استراتيجي من الأرض يمتد من طهران إلى بيروت. ولزيادة السيطرة الشيعية في تلك المنطقة سواء من جانب حلفاء إيرانيين أو غيرهم أهمية بالنسبة لإيران وهي تسعى للتعويض عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
ويحدث ذلك في وقت تعمل فيه إيران على توسيع نطاق نفوذها في سوريا واليمن ولبنان وتؤكد فيه استعدادها للوقوف في وجه خصومها السعوديين والأمريكيين.
كما أن ثمة دلائل على عملية توسع أخرى من جانب الشيعة المرتبطين بإيران في العراق. فإلى الشمال من بغداد على الطريق المؤدي إلى الموصل، وبالقرب من قاعدة عسكرية تستضيف قوات أمريكية، عرض فصيل مدعوم من إيران شراء أرض بنى عليها ضريحا لقائد عسكري إيراني قُتل في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 حسبما قال صاحب الأرض.
ورفض صاحب الأرض غير أنه عجز عن العودة للأرض إذ يحيط بالمنطقة رجال الشرطة الذين تربطهم صلات بالفصيل. وقال ”هم غير راضين عن السيطرة على الأرض فهم يريدون سيطرة رسمية قانونية“. وطلب عدم نشر اسمه خوفا من أي أعمال انتقامية.
وفي الموصل تسعى السلطات الدينية لا الفصائل للاستحواذ على ممتلكات لا سيما أضرحة ومساجد قديمة.
وتقول السلطات المحلية وأصحاب الأعمال ومستثمرون كما تظهر وثائق اطلعت عليها رويترز أن ديوان الوقف الشيعي العراقي الذي يتولى إدارة المواقع والعقارات الدينية يستخدم الوسائل القانونية والحوافز والنفوذ للاستثمار في عدة مناطق بالموصل.
ومن المحتمل أن تتسبب تلك الأمور في تفجير الوضع في العراق.
وقال زهير الأعرجي قائمقام قضاء الموصل ”في بعض الأحيان نخشى أن تستخدم القوة المسلحة مع الوقف الشيعي أو الوقف السني مما يؤدي إلى توتر الأمور إلى شجار بين الوقفين“.
ويتهم مسؤولون في المدينة الوقف الشيعي والفصائل المسلحة بوضع اليد دون سند قانوني على الأراضي لتحقيق ثروة وفرض تغيير الطابع السكاني.
وتنفي الفصائل المسلحة الشيعية والمستثمرون الشيعة ذلك ويقولون إن كل عمليات السيطرة على العقارات قانونية وإن تلك الأراضي من حق الشيعة.
ولم يرد ديوان الوقف الشيعي على الفور على طلب للتعليق. وامتنع فرع الموصل عن الاستجابة لعدة طلبات كما امتنعت رئاسة الوزراء في العراق عن التعليق على الأمر.
ويقول ديوان الوقف السني إنه يمتلك كل الأراضي الدينية التابعة للدولة في الموصل بما فيها المواقع التي يطالب بها الشيعة. غير أن المعركة على الملكية القانونية للمناطق التي تطالب بها الطائفتان معركة صعبة. ويقول المحللون إن عملية قانونية معقدة لحل النزاعات هي في صالح من يملكون القوة.
* المال والتهديدات
في العام الأخير أصدر ديوان الوقف الشيعي مذكرات تؤكد ملكيته لعدة مواقع في الموصل يطالب بها منذ فترة طويلة وأصدر لمستثمرين عقود تأجير لمناطق تجارية ملحقة بها.
وتوقف بحث مطالبات أحدث لحين نظر مسؤولين من السنة ومجلس المدينة في أمر الاعتراضات عليها. غير أن العمل في السوق جار باعتباره منطقة مملوكة لديوان الوقف الشيعي.
وقال عدي محسن صاحب عقد إيجار السوق ”هذه الأرض فيها مقبرة مندثرة للشبك، الشبك الشيعة. في قانون الوقف... أي أرض مدفون بها شيعي تعتبر إلى ديوان الوقف الشيعي“.
ويدفع محسن 170 مليون دينار (143 ألف دولار) سنويا للوقف ويقول إن هذا المبلغ يوجه لصندوق لمساعدة جرحى المقاتلين الشيعة وضحايا تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي العام الماضي بدأ محسن تأجير الموقع المهجور قبالة قبر النبي يونس الذي دمره تنظيم الدولة الإسلامية. وهو يؤجره للتجار المحليين كما عرض أوراقا من سلطات المدينة تسمح له بذلك.
وقال بائعون في السوق إن الإيجار يبلغ حوالي 200 دولار في الشهر يمثل نصف ما قد يدفعونه في المناطق التي يديرها ديوان الوقف السني.
ويقول مسؤولون من السنة إن هذه واحدة من الوسائل لكسب التأييد المحلي وتحقيق السيطرة. كما يقولون إن السيطرة قانونية ويرفضون انتماء المنطقة للتراث الشيعي والذي يعد أساس المطالبة بأحقية الوقف الشيعي فيها.
وقال أبو بكر كنعان مدير الوقف السني في الموصل ”هم عندهم طريقة جذابة حقيقة ويكرموا الفقير... داعش فجر الحسينيات فقط من أجل المال“.
وأضاف أن الناس يقبلون به لأنه يتم بطريقة مغرية فهم فقراء ويحتاجون للمال.
إلا أن كنعان، وأصحاب متاجر في منطقة أخرى، طالب الوقف الشيعي الشهر الماضي بأحقيته فيها قالوا إن خطر استخدام القوة المستتر يقف وراء الأوراق وانخفاض الإيجار.
وقال أبو محمد الذي يملك متجرا ملاصقا لعقار ديني مملوك للدولة في المدينة القديمة يديره الوقف السني ”جاء مستثمر شيعي إلى حوالي 20 محلا على هذا الطريق وقال أن علينا توقيع عقود إيجار جديدة معه“. وأخرج المستثمر وثيقة من الوقف الشيعي اطلعت رويترز على نسخة منها أعلن بها ملكيته للمنطقة وتأجير المنطقة لها مقابل نحو 40 ألف دولار سنويا.
وقال أبو محمد ”كان لطيفا في البداية وكان يعرض إيجارا أفضل. لكن عندما ترددنا هدد بطردنا. ومن الواضح أن له صلات وتقف قوة وراءه“. وامتنع عن ذكر اسمه بالكامل خشية الانتقام منه.
وقال حارث حسن الخبير في الشأن العراقي في مركز كارنيجي الشرق الأوسط إن الوقف الشيعي ”كثيرا ما يفرض وصايته لا من خلال العملية القانونية فحسب بل بالتحالف مع جماعات لها وجود على الأرض“.
ونفت الفصائل في الموصل مشاركتها في الأمر لكنها قالت إنها تدخلت مرة ”لتهدئة الأمور“ بين الجانبين.
وقال حيدر أبو هدمة معاون قائد عمليات الحشد الشعبي في نينوي ”مسؤول الوقف السني ما يتحمل هذه الفكرة إنه شلون الوقف الشيعي اليوم ياخد أماكن وأراضي ويستثمر في مدينة الموصل وهو يعرف جيدا أن أكو 500 ألف شيعي في الموصل وأكو بالعشرين لثلاثين مزار تابعة للوقف الشيعي في الموصل“.
* نظام طائفي
في ظل حكم صدام كانت وزارة واحدة للأوقاف تدير كل الأراضي الدينية التابعة للدولة وكان الشيعة الذين اضطهدهم الدكتاتور يشكون من أن ذلك يجعلهم عاجزين عن الإشراف على تراثهم.
وتم حل الوزارة بعد 2003 وحل محلها الديوانان السني والشيعي. وعندما يطالب الديوانان بأحقيتهما في مسجد أو مرقد يتعين أن تبت في الأمر لجنة تضم ممثلين من الطرفين.
وفي كثير من الأحيان تعجز اللجنة عن البت في الأمر لتظل القرارات معلقة ويستفيد من له نفوذ في المحاكم أو على الأرض.
وقال حسن إن الوقف السني في السنوات الأخيرة ”في وضع أفضل لدعم مطالبه في ضوء الدعم الذي يتمتع به من الأحزاب الإسلامية الشيعية التي هيمنت على الحكومة والبرلمان“.
وفي مختلف الأنحاء حول مدينة الموصل، التي كانت في وقت من الأوقات بوتقة انصهرت فيها طوائف عرقية ودينية على طريق الحرير القديم، دمر تنظيم الدولة الإسلامية المراقد الشيعية. وترى كثير من فصائل الحشد الشعبي الآن أن الدفاع عن المراقد مهمتها الأولى.
وقال كنعان إنهم يعتقدون أن لهم الحق في ”مواقعنا الدينية“ لأن الدولة الإسلامية نسفت الممتلكات الشيعية. وأضاف أن الأمر يتعلق بالمال من استثمار وإيجار إلى جذب الزوار إلى تلك المواقع في نهاية الأمر.
وتسلم السلطات السنية بوجود التراث الشيعي في الموصل. لكنها تقول إن أغلب المواقع التراثية في المدينة سنية.
ويأمل الأعرجي قائمقام قضاء الموصل بأن يتوقف الوقف الشيعي عن المطالبة بالممتلكات وهو ما سيشجع على تحقيق الاستقرار.
وأضاف أنه بعد الفوضى التي أعقبت نهاية الدولة الإسلامية فإن الأمور أصبحت الآن تحت السيطرة.