شفق نيوز/ تترشح في بقعة ضوء من مؤتمر ميونخ الأمني الذي يعقد في ظروف حساسة لم يعهدها العالم منذ عقود، مباحثات لرئيس إقليم كوردستان، حيث يخاطب فيها قادة وسكان العالم، كصوتٍ يُعبّر عن معاناة الجغرافية الإنسانية، بعيدًا عن الجغرافية السياسية.
يُدرك رئيس الإقليم أهمية هذا المؤتمر، فهو يُعدّ من أهم المنصّات العالمية لمناقشة القضايا الأمنية المُلحة على الساحة الدولية، يشارك فيه قادة من دول مختلفة، وصانعو قرار، وخبراء في شتّى المجالات.
حيث وجّه نيجيرفان بارزاني على مدى ثلاثة أيام من الاجتماعات المكثفة رسائلهُ إلى الدولِ المعنية بقرار العالم، داعياً إلى التعاونِ الدوليّ لمعالجةِ الأزماتِ المُتفاقمة، في العراق بشكل خاص، والمنطقة والعالم بشكل عام.
كما أكد على أنّ الأمن لا يتجزّأ، وأنّ التحدّيات التي تواجهنا اليومَ تتطلّب حلولًا جماعية، لا يمكن لأيّة دولة أن تُواجهَ هذه التحدّيات بمفردها.
في عراق تحيط به براميل بارود وصراعات محتدمة، وإقليم كوردستان محاصر بعقوبات اقتصادية وتهديدات أمنية وخلافات داخلية، يُدرك بارزاني أنّ الجغرافية السياسيةَ تلعب دورا مهماً في صياغة القرار الدوليّ، لكنّه يُشدّد على أنّ الجغرافية الإنسانيةَ يجبُ أنْ تكون في مقدّمة الاهتمامات.
حيث عكس الحضور الذي أظهره، ما هو أبعد من الصوت الكوردي والعراقي الذي يجب أن يسمع في مثل هذه اللقاءات ذات الطابع الدولي الحساس، وتتعداها إلى تأكيد أن شخصية قيادية ودبلوماسية الأسلوب، بمقدورها تعزيز صورة الاقليم وبغداد أيضا- كساحة تحتضن الأفكار والحلول والرؤى التي تخدم الاستقرار والرفاه، داخليا وإقليميا ودوليا.
يبني نيجيرفان بارزاني في مؤتمر ميونخ، ما بنى عليه من قبل، خصوصا في المجالات الأكثر حيوية فيما يتعلق بالعلاقة مع بغداد من خلال لقائه مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أو في ما يتعلق بالعلاقات مع المحيط الإقليمي كلقائه مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وصولا الى العواصم الكبرى التي يحرص على إيلاء الاهمية التي تستحقها، من خلال لقاءاته مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، وصولا ايضا الى الفاتيكان.
ولهذا، فإن الملفات التي طرحها في ميونخ، لها أولوياتها بالنسبة الى الاقليم وأهله، ابتداء من التحديات الامنية والسياسية في العراق والاقليم، ثم التوترات في الشرق الأوسط، بما في ذلك حرب غزة التي يبدو أنها كانت جزءا مهما من لقاءاته مع كبار المسؤولين في العالم، لما تفرضه من تحديات على الإقليم والعراق واستقرار المنطقة الأوسع.
وقد كانت كثافة اللقاءات كبيرة لدرجة أن مصادر مطلعة قالت لوكالة شفق نيوز ان جناح رئاسة الإقليم الخاص في المؤتمر لم يخلُ من تواجد زعيم سياسي دولي تارة، أو تنقل الرئيس في الأروقة المجاورة وإجراء مباحثات في شؤون متعددة، ما يعكس بحسب قولها ان لرئيس الاقليم "وجهة نظر لا غنى عنها"، في المباحثات مع المسؤولين الدوليين والإقليميين والعراقيين.
وكما قال المتحدث باسم رئاسة إقليم كوردستان، دلشاد شهاب، فان "إقليم كوردستان يعد لاعباً اساسياً في معادلات الشرق الاوسط بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص، هو أمر مهم لدور وكيان الاقليم، وهذه ليست المرة الاولى التي يشارك فيها اقليم كوردستان بهذا المؤتمر حيث كان مشاركا لعدة سنوات بشكل فعال وايجابي".
وتضمن جدول الأعمال الذي استمر ثلاثة أيام، اجتماعات مع الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس أذربيجان، وملك الأردن، ورئيس وزراء اليونان وقطر وأرمينيا وإستونيا، إلى جانب نائب الرئيس وكبار مسؤولي الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والنمسا وتركيا والكويت والفاتيكان والبحرين ووزيري دفاع بريطانيا وألمانيا.
والتقى بارزاني ايضا مع عدد من الوفود الأخرى وكبار المسؤولين، من بينهم وفد الكونغرس الأمريكي في كل من مجلسي النواب والشيوخ، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي لشؤون الطاقة والاستثمار، ووزراء الدفاع والخارجية والتعاون الاقتصادي والتنمية الألمانيين ومساعدة وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي، ورئيس فريق المراجعة الاستراتيجية المستقل نيابة عن مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق، ووفد من ثلاثة مشرعين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، والاتحاد الديمقراطي المسيحي، والاتحاد الاجتماعي المسيحي، ومستشاري الرئيس الفرنسي للشؤون الدبلوماسية.
وفي المحصلة، عندما يدخل الإعلام إلى حدث مهم مثل مؤتمر ميونيخ ويركز أكثر على الأجندة السياسية، أو عندما يتعلق الأمر بالأمن العالمي، فإنه يخبرنا أن قضية الأمن هي أفضل فرصة لضبط الإيقاع العام، وصولاً الى الوضع المتعلق بالعراق.
في الأيام الأخيرة، انتهز نيجيرفان بارزاني هذه الفرصة ليمنح الرأي العام التصور بأن أساس السياسة في العراق قصيرة المدى، والتأكيد على إضفاء الطابع المؤسسي على العملية السياسية القائمة.
وبهذا الإطار أظهرت تحركات ونشاطات رئيس الإقليم أن كوردستان تدرك الفرص والأوقات لمحاولة تغيير العلاقات وستتخذ الخطوات اللازمة، حتى لو استغرقت النتائج الإيجابية وقتاً أطول، أو تطرق أكثر من عشرين بوابة عالمية لتسلم رسائلها كما حدث عبر اجتماعات مؤتمر ميونخ.