شفق نيوز/ ما يزال مشروع قانون الموازنة المالية العراقية لعام 2023 يراوح مكانه بعد دخول شهرها السادس على العام الحالي، ورغم حسم اللجنة المالية النيابية غالبية مواد الموازنة وإعلان مجلس النواب عن جدولة إقرارها يوم السبت الماضي، فإن خلافاً طارئاً على بعض بنودها أدى لتأجيل التصويت عليها إلى إشعار آخر.
وكان كل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الإسلامي الكوردستاني، قد انسحبا من اجتماعات اللجنة المالية الخميس الماضي احتجاجاً على تعديل طرأ على المادتين 13 و14 من قانون الموازنة، بما عدّه الحزب الديمقراطي الكوردستاني؛ انقلاباً على الاتفاقيات السياسية التي أفضت إلى تشكيل تحالف "إدارة الدولة" وتشكيل الحكومة الحالية التي يتزعمها محمد شياع السوداني.
وصوتت اللجنة المالية النيابية، على تعديلات عدة تتعلق بإقليم كوردستان، منها تعديل في المادة (13- ثانيا- أ) التي كانت تنص على التزام إقليم كوردستان بتصدير ما لا يقل عن 400 ألف برميل من النفط يوميا، في حين باتت هذه الفقرة بعد التعديل تنص على تسليم الإقليم النفط الخام المنتج في حقوله بمعدل لا يقل عن 400 ألف برميل يومياً إلى وزارة النفط لتصديرها عبر شركة (سومو) الحكومية، أو استخدامها محليا في المصافي العراقية.
وبينما يتسبب استمرار تعطيل الموازنة بعرقلة البرنامج الحكومي القائم على تحسين قطاع الخدمات التي يعاني من سوئها المواطنون في مختلف المدن العراقية، يؤكد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، خلال لقاءاته مع المعنيين، بالتركيز على ضرورة الاهتمام بالواقع الخدمي، فضلاً عن متابعته لهذا الملف شخصياً، "كونها المسار الذي يلبّي احتياجات المواطنين"، ويؤكد إيمانهم بالنظام السياسي، ويرسّخ واجبات الأجهزة الحكومية في خدمة المجتمع.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه الحكومي الخدمي، لا يخدم بعض القوى السياسية، بل يخلق لها منافساً سياسياً جديداً، لا سيما مع قرب موعد الانتخابات، لذلك تحاول عرقلة عمل الحكومة من خلال تأخير إقرار الموازنة.
التحدي الأكبر
ويعد إقرار الموازنة "التحدي الأكبر" الذي يواجه نجاح الحكومة لانطلاق المشاريع التي أعلنت عنها في برنامجها ووضعت لها حجر الأساس، خاصة المشاريع الاستراتيجية الكبرى، سواء كان على مستوى المستشفيات وإعادة إعمار المدن والطرق السريعة، أو فيما يخص الصناعة والزراعة، وكل هذه هي مقدمات لانطلاق مشروع التنمية، بحسب ما أفاد به المستشار السياسي لرئيس الوزراء، فادي الشمري.
ولم يخف الشمري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، وجود أطراف سياسية تعرقل عمل الحكومة، مؤكداً أن "الحكومة تُقدّر طبيعة هذه التحديات والمعرقلات، إلا أنها لا تريد الاصطدام مع أحد، بل مسارها هو القيام بأكبر عملية إصلاح داخلية من خلال مكافحة الفساد وتقديم الخدمات".
معضلة الموازنة
وتسلم مجلس النواب العراقي، مشروع قانون الموازنة العامة، وقُرأت قراءة أولى وتحوّلت إلى اللجنة المالية، وعقدت الأخيرة أكثر من 60 اجتماعاً واستكملت إجراءاتها "بوقت قياسي"، ما يدل على أن مجلس النواب والقوى السياسية بصورة عامة، حريصة على الإسراع في إقرار الموازنة وإنجاح الحكومة الجديدة، بحسب النائب عن ائتلاف دولة القانون، فراس المسلماوي.
وحمّل المسلماوي، خلال حديثه للوكالة، الكُورد مسؤولية تعطيل الموازنة، "بسبب خلاف الحزب الديمقراطي على موضوع تصدير النفط وإيداع واردات النفط في حساب معتمد من قبل الحكومة، يقولون إن هذا ما تم الاتفاق الحكومي عليه".
أما رأي اللجنة المالية النيابية، فهو أن هذا الأمر يجب تضمينه في بنود الموازنة انسجاماً مع قرار المحكمة الاتحادية، وفق المسلماوي، الذي أوضح أن "خلو الموازنة من هذه الفقرة يعني أن الحزب الديمقراطي سيطعن بالموازنة، وبالتالي يُعطّل إجراءاتها، لذلك ينبغي الوصول لاتفاق نهائي وبخلافه سيحسم الأمر بالتصويت تحت قبة البرلمان".
عراقيل سياسية
بدوره، رأى السياسي المستقل، حيدر هشام الفيلي، أن "السوداني استطاع منذ توليه المنصب وبفترة وجيزة العمل على حل العديد من المشكلات العالقة منذ سنوات، وإعادة التوازن الحكومي والسياسي، من خلال تحقيق الخدمات والعمران والدرجات الوظيفية، والتعاون ما بين حكومتي الإقليم والمركز.
وأضاف الفيلي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هذه النجاحات وضعت الحكومة بإدارة السوداني أمام تحديات كثيرة، أهمها العراقيل التي تعدّ إنجازاً من قبل جهات سياسية لا تريد النجاح لهذه الحكومة أو للسوداني لأنه سيهدد مناصبهم أو أهدافهم الخاصة".
مصالح متقاطعة
ووقف مدير مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، عباس الجبوري، على مسافة قريبة مع ما طرحه حيدر الفيلي بالقول إن "هناك مصالح متقاطعة بين الكتل السياسية التي بعضها لا يروق لها نجاح رئيس الوزراء خشية أن يصبح رئيس كتلة كبيرة وزعيم ويحصد مقاعد في الانتخابات المقبلة، لذلك تحاول عرقلة عمل الحكومة من خلال عدم إقرار الموازنة".
وحث الجبوري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، رئيس الوزراء على أن يكون حاسماً في الكثير من القرارات، حتى يستطيع العمل بصورة صحيحة.
إلى ذلك، شدد الحزب الديمقراطي الكوردستاني على ضرورة الالتزام بالاتفاق السياسي كون عدم الالتزام به يعد ضربة لحكومة محمد شياع السوداني.
وقال شاباز سيول، عضو الكادر المتقدم في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في السليمانية، لوكالة شفق نيوز، إن "من الواضح للجميع أنه قبل أشهر عقدت اتفاقية سياسية بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان حول قانون الموازنة الاتحادية للعام الحالي وتم الاتفاق بانسيابية على بنود تلك الموازنة وخاصة تلك المتعلقة بحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية".
وبشأن ما تم تداوله حول بعض التغييرات التي طرأت على مواد الموازنة وخصوصاً المادة (13 و 14) الخاصة بحصة الإقليم، أوضح سيول، أن الحزب الديمقراطي سيرفض أي عملية تغيير خارج ذلك الاتفاق السياسي، كون تلك التغييرات هي مساس بحقوق الإقليم وهي كذلك تجاوز على كيان الإقليم المقر دستورياً".
وطالب عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني، رئيس الوزراء، بـ"تنفيذ بنود الاتفاقية المبكرة بين حكومة إقليم كوردستان وحكومة السوداني".
وبين شاباز، أن "ما يحصل الآن هو قبل أن يكون تجاوزاً بحق الإقليم هو بمثابة ضربة لحكومة السوداني، كون الحكومة العراقية الحالية تشكلت على أساس الشركة ضمن إتلاف (إدارة الدولة) بين أغلب مكونات الشعب العراقي".
وخلص إلى القول: "نحن في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، جزء رئيسي من هذا الائتلاف وفي حال عدم الالتزام بالاتفاقات السياسية والتعدي على حقوق الإقليم ستكون أمامنا خيارات عدة قد يكون منها الانسحاب من العملية السياسية وكذلك من خلال الطرق الدبلوماسية، لكن نحن لا نتمنى أن تصل لتلك المرحلة، ونتمنى عدم التعدي على حقوق الإقليم".