شفق نيوز/ إذا كان العام الأول من ولاية نيجيرفان بارزاني، اختبار وترقب لنجاح أعلى سلطة في اقليم كوردستان، فإن العام الثاني يشكّلُ عام الاطمئنان. الاطمئنان إلى أن الأمانة الثقيلة التي حملها الرجل، كانت بأيد امينة، وان الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني كان على حق عندما قال في اليوم الأول من تولي نيجيرفان للرئاسة، أنه يحظى بدعمي المطلق.
عامان حافلان بالتحديات، ولكن أيضا بالمثابرة، والصعوبات، ولكن بالأمل ايضا. ويستند نيجيرفان بارزاني على معادلة بسيطة قوامها أنه "لا يمكن حل مشكلات العراق بمعيار من هو القوي، ومن هو الضعيف".
لا عواصف العراق سكنت، ولا مصاعب الإقليم انتهت، لكن هذا الرجل أدار كعادته بهدوء ومسؤولية، الأزمات التي باعتقاده يمكن تحويلها إلى فرص، ودائما، بالنظر الى مشكلات العراق على انها مشكلة العائلة الواحدة التي تحتاج إلى الحوار والتفاوض.
سنتان في الرئاسة تظهران يقينه هذا. يسعى دائما الى حياكة خيوط الامل حتى عندما تنتكس التفاهمات مع بغداد، ويتشاءم الجميع، لكنه يذهب أكثر باتجاه التقارب والتسويات والحلول، مستفيدا من ثلاثة عقود من العمل السياسي المتدرج الذي قاده الى اعلى منصب في السلطة في اقليم كوردستان، ثم يتردد اسمه مرات كمرشح محتمل لرئاسة العراق. ويستفيد أيضا من هدوئه مهما اشتدت الأزمات، ومن تراكم خبراته مهما صعبت المراحل.
ومنذ أن عُيّنَ نائبا لرئيس الحكومة العام 1996 ثم رئيسا للحكومة العام 2006، ثم رئيسا للاقليم العام 2019، هزت العديد من الزلازل السياسية والاقتصادية والأمنية العراق من اقصاه الى اقصاه. وحتى على صعيد الداخل الكوردي، جرت تحولات كبيرة وبرزت مخاطر لا تحصى، كانت يمكن ان تكون كافية لانهاء الحياة السياسية لاية حكومة أو رئيس، لكن ذلك لم يحصل، مثلما جرى مثلا في العام 2014، عندما عصفت الانواء بكوردستان، فانهارت أسعار النفط العالمية، وظهرت عصابات داعش محتلة مدنا عراقية وكوردية، وقطعت الحكومة الاتحادية ميزانية الاقليم بسبب خلافات حول مبيعات النفط، وتدفق مئات الآلاف من حشود النازحين الى الاقليم. ولم يسمح نيجيرفان بارزاني للحكومة أن تسقط.
وبرغم النواقص والعيوب، تبدو العلاقة مع بغداد في حالة مرضية عموما بعدما نجح بارزاني، وهو رئيس الاقليم الان، في مد جسور التفاهم مع مصطفى الكاظمي منذ أن شكل حكومته في أيار/مايو 2020، سواء من خلال المواقف التي أطلقها حول العلاقات على خط أربيل-بغداد، او من خلال الزيارات المتعددة التي قام بها الى العاصمة الاتحادية لرأب أي صدع كان ينشأ، سواء من مشكلة الرواتب والأجور، أو الخلاف حول الميزانية الاتحادية، او احياء الخلايا الارهابية النائمة لداعش، او الثغرات الامنية في ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، أو تفشي وباء كورونا وتداعياته الصحية والاقتصادية، او حتى عندما تم استهداف أمن الإقليم بإطلاق صواريخ على مطار اربيل.
ولهذا فان زياراته التي تكررت الى بغداد كانت طبيعية، بل انها بالنسبة إليه بديهية، وذلك لمعالجة ذيول أية إشكاليات تطرأ، بل ان بغداد تشغل باله، طالما ان عزتها من عزة الاقليم ورفاهيته. وهو عندما يذهب الى بغداد، لا يلتقي الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، فقط وانما قادة وممثلي كتل برلمانية، في إطار جهده المكثف لتجاوز الخلافات وتنقية الأجواء على خط أربيل-بغداد.
ويسارع الرئيس بارزاني مثلما فعل في اذار/مارس الماضي إلى تلقف دعوة الكاظمي لعقد حوار وطني للتوصل لاتفاق نهائي ووضع حلول جذرية لمشاكل ٳقليم كوردستان مع الحكومة الاتحادية.
ويقول دلشاد شهاب، مستشار الرئاسة في اقليم كوردستان لوكالة شفق نيوز انه "حسب القانون رئيس الاقليم مسؤول عن تنظيم العلاقات لاقليم كوردستان مع الخارج والعراق، وهو زار الرئاسات العراقية وايضا الأطراف السياسية المؤثرة ودائما يؤكد أن عمق علاقاته هو العراق ويعتقد أن كل تحسن في الوضع سيكون له تأثير إيجابي على الإقليم وحاليا علاقات رئيس الاقليم مع الرئاسات العراقية كافة جيدة وأصبحت ذات العلاقة عاملا مساعدا في تذليل العقبات بين الطرفين وباتجاه تقارب أكثر والأخذ بالاعتبار حقوق الإقليم. ولهذا ليس نحن من نقيم هذه العلاقة وأنا على ثقة بأن هذه الأطراف سوف تشيد بدوره".
ويشاهد نيجيرفان بارزاني وهو يجول على مقار الاحزاب في اقليم كوردستان مثلما فعل قبل أسابيع قليلة، واضعا نفسه على مسافة واحدة من الجميع، باعتبار ان الرئاسة هي البيت الكوردي الحاضن، وذلك لتنسيق الرؤى معها وتوحيد الهموم والمعالجات، والتطلع سوية نحو المستقبل الذي يراه كثيرون قاتما، ويراه هو دافعا للعمل.
ويقول دلشاد شهاب ان الرئيس نيجيرفان بارزاني يعتقد ان "توحيد البيت الكوردي مفتاح النجاح وضمان مستقبل كوردستان والرفاهية للشعب والشعور بالمسؤولية بمستقبل زاهر مثلما أشار قبل عامين في برنامجه عندما تولى رئاسة الإقليم بأنه سيتولى مسؤولية هي مخاض تضحيات كبيرة لشعبنا ونتاج الأجيال القادمة ويجب ان نسلمه بكل امانة الى تلك الأجيال وطبعا من هذا المنطلق ومن خلال نضاله، ظهر له انه كلما كان البيت الكوردي موحدا، حقق مكاسب كبيرة بدءا من مرحلة الجبهة الكوردستانية وصولًا إلى الانتفاضة وجميع المراحل التي عبرنا بها، وبعكسه كل تشتت للبيت الكوردي جلب الويلات وتضررنا منها".
وتابع ان الرئيس بارزاني "حاول اذابة الجليد بين الاطراف الكوردستانية وكلما اقتضت الحاجة قرر بدون تردد بالدعوة إلى عقد اجتماعات سواء في رئاسة الاقليم او من خلال اتصاله المباشر مع القيادات الكوردستانية او زيارتهم، وفي الاونة الاخيرة زار جميع الأطراف وكل هذا من اجل تهيئة الاجواء وأنه رغم وجود اختلافات فان المصلحة العامة تقتضي أن يكون هناك توحيد للخطاب على الخطوط العامة".
وأشار دلشاد شهاب تحديدا الى المحاولة الاخيرة للرئيس بارزاني "بأن يكون هناك تشريع دستوري للإقليم وهو موضوع دستور اقليم كوردستان وحاليا كل المحاولات مكثفة في هذا الخصوص".
وكان بارزاني أعلن في 19 مايو/أيار بأن رئاسة الإقليم ستبدأ باتخاذ الخطوات العملية لكتابة دستور لإقليم كوردستان بالتعاون مع برلمان الإقليم.
لكن هذه الهمة والنشاط لنيجيرفان بارزاني لا تقتصران على الشؤون الداخلية الكوردية والعراقية عموما، وإنما كان خلال السنة الثانية من رئاسته، تارة تراه في قصر الاليزيه في باريس حيث يستقبله الرئيس ايمانويل ماكرون، وهي الزيارة الثالثة التي يقوم بها بارزاني، إلى فرنسا خلال رئاسة ماكرون. وتراه في أنقرة للقاء مع الرئيس رجب طيب أردوغان في ايلول/سبتمبر 2020، وذلك غداة لقائه ماكرون في بغداد. كما تراه في مؤتمر دافوس في يناير/كانون الثاني 2020 حيث التقى الرئيس الأميركي وقتها دونالد ترامب، وتراه أيضا في استقبال البابا فرانسيس عندما زار العراق وكوردستان في آذار /مارس الماضي، وكان له لقاء خاص معه وأكد خلاله على تمسك الإقليم بالتعايش والسلام.
وحتى في البعد الإقليمي -الخارجي للأزمات والاحداث، كان بارزاني حاضرا، مثلا عندما تعرضت مناطق اقليم كوردستان الى قصف ايراني وتركي، ولهذا، ولاسباب أخرى وقتها، ذهب للقاء الكاظمي، كما ان نيجيرفان بارزاني ساهم في تأمين المشاركة الكوردية في الحوار الاستراتيجي الاميركي – العراقي بكل ما يحويه من ملفات ساخنة على مستقبل المنطقة برمتها.
ويقول دلشاد شهاب بخصوص علاقات بارزاني مع دول العالم، "لو نرجع قليلا للفترة التي أغلق فيها الجميع أبوابه بوجهنا وبالأخص الحكومة الاتحادية وفرض علينا حصار دبلوماسي الى جانب حصار اقتصادي وحتى الحصار العسكري ايضا فان الذي فتح الأبواب المغلقة كان نيجيرفان بارزاني، وكل شعب كوردستان يعرف هذا عندما توجه الى قصر الاليزيه وكسر الجليد ومنذ ذلك اليوم هو مستمر في محاولاته بتعزيز العلاقات مع الأطراف الدولية، وحاليا فإن تحسين العلاقات يعود جزء كبير منها الى رؤيته الواضحة في التقرب من المجتمع الدولي وإقامة افضل علاقات معه".
وأوضح قائلا "استطيع القول ان التعامل الدبلوماسي الدولي الجيد مع الاقليم لو نقيمه من منطلق فدرالي فإنه اكبر منه ويتعاملون معه كرئيس دولة وهذا يعود الى دوره الكبير وكل عيون العالم تتجه نحو الاقليم والى دور رئيس الاقليم".
في مقابلة تلفزيونية في شهر أبريل/ نيسان الماضي، تحدث نيجيرفان بارزاني بشفافية عن الكثير مما يدور في ذهنه كاشفا عن جوانب مهمة في شخصيته وطريقة تفكيره. فمثلا، عمه الرئيس السابق لإقليم كوردستان مسعود بارزاني كان ملهمه ومعلمه كقائد وعم ووالد، وأنه تعلم من الزعيم التاريخي الملا مصطفى بارزاني النضال من أجل الحقوق الشعب وخدمة الوطن، وأنه تعلم من والده ادريس بارزاني العمل من أجل تحقيق التقارب بين الشعبين الكوردي والعربي.
يختصر مشكلات العراق بأنها تكمن في كيفية التفكير، إذ لا يمكن حل مشكلات العراق بمعيار من هو القوي، ومن هو الضعيف، ولا يمكن حل مشكلات العراق ما لم نتخلص من التفكير البائس بانه إذا كانت بغداد قوية فهذا يعني ضعفا لأربيل، وبالعكس إذا كانت أربيل قوية، فهذا يعني ضعف بغداد، فنحن نكمّل الآخر. كما أن تطور أي مدينة عراقية تطور لإقليم كوردستان، وتزايد قوة الاقتصاد العراقي يضيف قوة لإقليم كوردستان وليس العكس.
ليس سهلا أن تجد زعيما في العراق او في المنطقة يمتلك مثل هذه الرؤى الشاملة والعميقة في تشخيص المشهد وفهمه وبالتالي الإقدام على التعامل معه. في رد على سؤال من شفق نيوز عن المأمول من نيجيرفان بارزاني خلال العامين المتبقين من ولاية الرئيس، يقول دلشاد شهاب أن "الأوضاع لو كانت الى حد ما مناسبة، فإن أحلام رئيس الاقليم لمستقبل كوردستان هي اكبر من التي تشعرون بها او التي تحققت". ويتابع "نقطة أخرى إيجابية تسجل لنيجيرفان بارزاني وسمعناها على لسان المكونات، بأنهم يشعرون أن شخصية نيجيرفان بارزاني تمنحهم الطمأنينة".