شفق نيوز/ ساهمت فتوى "الجهاد الكفائي" التي اطلقها المرجع الشيعي الاعلى في العراق السيد علي السيستاني في حزيران/يونيو من العام الماضي ضد تنظيم "داعش" في سد الطريق امام كارثة كادت تحل بالعراق والمنطقة بصورة عامة عندما حالت دون سقوط عاصمة بلاد ما بين النهرين.
وفي الوقت الذي حقق فيه تنظيم "داعش" تقدما سريعا في خمس محافظات شمالية وغربية وشرقية في العاشر من حزيران/يونيو من العام الماضي في ظل انهيار الجيش والاجهزة الامنية الاخرى لاسباب لاتزال الجهات الامنية تجري تحقيقات لمعرفة ملابساتها جاءت فتوى "الجهاد الكفائي" لتوقف ذلك التقدم الذي وصل الى مشارف العاصمة بغداد.
ورغم ان فتوى "الجهاد الكفائي" لم تكن مألوفة لدى العراقيين على طوال عقود من الزمن، لكنها لاقت استجابة سريعة من مختلف المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الكثافة السكانية الشيعية، إستجابة لما وصفه ديوان الوقف الشيعي بـ"العلاج الناجع" الذي اربك حسابات "داعش".
ويقول وكيل رئيس ديوان الوقف الشيعي علي الخطيب لشفق نيوز، إن "فتوى الجهاد الكفائي كانت العلاج الناجع لقضية اجتمع حولها الكثير من ابناء المكونات العراقية، وكانت الاستجابة سريعة من الشيعة والسنُة، اضافة الى الديانات الاخرى كالمسيحيين والايزيديين"، مضيفا ان "الفتوى خرجت من بعدها العقائدي لتكون اكثر شمولية ببعدها الوطني".
واضاف الخطيب ان "فتوى الجهاد الكفائي عززت معاني الاخوة وطردت الشبهات التي كانت تروج بشأن الخلافات الطائفية والمذهبية، والمواقف المعلنة من اهالي الانبار بشيوخها ومسؤوليها بضرورة مشاركة الحشد الشعبي بمعارك تحرير المحافظة وهذا دليل على حكمة السيد السيستاني الذي يتبنى مواقفه على اسس انسانية ووطنية ودينية".
واشار الخطيب الى ان "الفتوى صدرت من المرجع الديني لحظة وقوع الجور من عصابات داعش الارهابية على المحافظات السُنية"، مضيفا ان "استجابة الجماهير للفتوى شاهد على ان العراقيين جميعا يمكنهم التوحد تحت لواء المرجعية".
ولبى مئات الاف من المواطنين من مختلف المحافظات فتوى المرجع الديني السيستاني بدافع عقائدي واخرون بدافع طني واكتظت العشرات من مراكز التطوع بالمتطوعين من مختلف الاعمار، حتى ان بعض المحافظات اعلنت مبكرا تجاوز المتطوعين الحد المطلوب.
ويرى قيادي في الحشد الشعبي الذي تقرر تحويله الى مؤسسة حكومية رسمية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وشرع مجلس الوزراء قانونا خاصا به إن "الانتصارات التي تحققت على ايدي قوات الحشد الشعبي جاءت بسبب الاندفاع العقائدي للجهاد".
وقال ثائر الاسدي المتحدث باسم كتائب جند الامام لشفق نيوز، إن "انطلاقة المتطوعين من ابناء المحافظات المختلفة استجابة لنداء المرجعية الدينية بالجهاد الكفائي نابعة من قضية عقائدية، لذلك من تطوع لقتال عصابات داعش الارهابية لم يكن يفكر بأي امتيازات مالية".
واضاف الاسدي أن "الاستجابة الواسعة لفتوى الجهاد الكفائي اعطى دفعا معنويا للمتطوعين في ساحات القتال وتمكنوا من تحقيق انتصارات كبيرة وواسعة كونهم استمدوا قوتهم من العقيدة التي دفعتهم الى تلبية فتوى الجهاد".
وحظيت فتوى "الجهاد الكفائي" لاحقا بتاييد بعض المراجع الدينية السٌنية في العراق الى جانب التأييد السياسي، وهناك محاولات تسير لتعميم التجربة بصورة اوسع بين مختلف الطوائف والمكونات.
لكن الحشد الشعبي يواجه في الوقت نفسه سيلا من الاتهامات بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين السنة في المناطق التي يجري استعادتها من تنظيم داعش.
ويقول سياسيون وشيوخ عشائر سنية ان فصائل الحشد ارتكبت عمليات اعدام ميدانية بحق المدنيين واحرقت ونهبت دور سكنية ومساجد في مناطق سنية بديالى وصلاح الدين.
وينفي القائمون على الحشد تلك الاتهامات ويقولون ان "فئات ضالة" وراء تلك الاعمال. ولم يتم تقديم المتورطين في تلك الانتهاكات للعدالة رغم ان الحكومة والبرلمان شكلا لجان تحقيق.
ووجهت تلك الاتهامات ضربة الى مساعي رئيس الوزراء حيدر العبادي في كسب السنة في الحرب ضد داعش، لكن في المحصلة وجد نفسه مضطرا للاعتماد على الحشد المنظم والمجهز بصورة جيدة في مقابل تداعي المؤسسة العسكرية.
كما ان البعض يلمح الى ان الفصائل الفاعلة في الحشد ترتبط بايران وتتلقى الدعم من طهران وهو ما يثير المخاوف منها مستقبلا.
وقلل رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي اليوم السبت من اهمية تلك المخاوف وجدد تأكيده على أن الحشد الشعبي وجميع الفصائل المسلحة المنضوية فيه وغالبيتها من الشيعة هي تحت قيادة الدولة العراقية.
وقال في كلمة خلال الاحتفالية التي اقامتها هيئة الحشد الشعبي بمناسبة ذكرى فتوى "الجهاد الكفائي" ان "الحشد الشعبي تحت قيادة الدولة العراقية، وهو حشد عراقي، والنصر عراقي مئة بالمئة"، مضيفاً أنه "لا يقاتل على ارض العراق غير العراقي".
وتابع انه "لا يجوز ان يكون قتالنا من اجل محور اقليمي او دولي، وانما قتالنا وانحيازنا لوطننا".
واشار الى انه "طالبت في مؤتمري باريس والمانيا بالاسناد، فتوفر الاسناد سيحسم المعركة بسرعة وعدم توفر الدعم سيطيل المعركة ولكننا سننتصر".
وانتقد العبادي الفضائيات التي تنظر بعين واحدة، محذّراً من الشائعات ونقل ما يريده العدو، "فالحرب ثلثيها نفسي".
وكان للحشد الدور الرئيسي في سلسلة عريضة من الانتصارات على "داعش"بدأت من ديالى وامتدت الى صلاح الدين وكركوك والانبار.
وحاول العبادي ابعاد الحشد عن معارك الانبار معقل السنة بالعراق لكن القوات العراقية تعرضت لاكبر انتكاسة لها في عام عندما خسرت مدينة الرمادي لصالح داعش الشهر الماضي.
وكانت هذه الانتكاسة بمثابة الضوء الاخضر لزحف مقاتلي الحشد الى محافظة الانبار استعدادا لتحرير مناطقها من داعش.
واعتبر احد شيوخ عشائر الانبار مشاركة قوات الحشد الشعبي "مفتاح لتحرير سريع للمناطق المغتصبة من عصابات داعش الارهابية في المحافظة".
ويقول عاشور الحمادي شيخ عشيرة البو محل لشفق نيوز، إن "شيوخ العشائر في الانبار بدون استثناء والاهالي كانوا مؤيديون لدخول قوات الحشد الشعبي الى المحافظة، فنحن نريد ان نطرد عصابات داعش من مدننا بمساندة الحشد الشعبي الذي حققت انتصارات كبيرة في صلاح الدين".
واضاف ايضا "يوجد لدينا حشد شعبي في ناحية البغدادي لكنه قليل جدا بأعداده وكبير جدا بإنتصاراته، نريد تعزيز التواجد بأخرين لنستطيع دحر الارهاب".