شفق نيوز/ تنتشر في العراق بالآونة الأخيرة حالات "الطلاق الصوري" وهي أشبه بظاهرة، وعبارة عن تحايل من قبل الزوجين على القانون، للاستفادة من إعانات الضمان الاجتماعي، الأمر الذي بات يهدد سلامة المجتمع، وينذر بتفكك أكبر للعائلة العراقية.
ومع اشتداد ضغوط الحياة اليومية يواجه الأزواج اختبارات معقدة تهدد مستقبل العلاقة بينهما، وبينما يلجأ بعضهم إلى خيار الطلاق واستكمال الإجراءات القانونية المترتبة على ذلك، يختار آخرون حل الطلاق الصوري.
ويشكل الطلاق الصوري، نهاية رسمية للعلاقة الزوجية أمام المحكمة، ولكن يظل الزوجان مع بعضهما وفق "عقد سيّد (رجل دين)" يجرى لهما، في ظاهرة بدأت تزداد حالاتها بشكل ملحوظ، خصوصاً في السنوات المتأخرة، حتى أمست من الظواهر المقلقة في المجتمع.
راتب للمطلقات
ومثالاً على ما تقدم، أخبرت فتاة تدعى (ن.ل) من بغداد، وكالة شفق نيوز، عن سبب لجوئها إلى هذه الحيلة، قائلة: "أعيش مع زوجي حياة فقر مدقعة، وقمت بالتقديم على راتب الرعاية الاجتماعية مراراً وتكراراً لكن دون جدوى، وبعد أن يئست من كثرة ما يتم رفض طلبي، جاءت إلى خاطري فكرة الادعاء بأنني مطلقة لاستلام راتب المطلقات".
وأضافت (ن.ل): "بعد أن نالت هذه الفكرة إعجاب زوجي، قررنا الذهاب إلى المحكمة لطلب الطلاق من أجل استلام راتب المطلقات، فنجحت الخطة وبدأت باستلام راتب المطلقات من الرعاية الاجتماعية (هيئة تابعة لوزارة العمل العراقية)، كما بقيت مع زوجي حيث ذهبنا إلى السيد وعقد لنا، ولم يكتشف أمرنا إلا بعد مرور عامين، عندها أوقفت الرعاية الاجتماعية هذا الراتب".
أما الفتاة (ع.ي) من الديوانية، كانت أوفر حظا من سابقتها، حيث أبلغت الوكالة، أنها كانت تعاني من الفاقة وزوجها كذلك، مستدركة بالقول: "لم يكن لدينا أحداً نلجأ إليه لمساعدة وضعنا المادي والمالي، لهذا اضطررنا إلى الذهاب إلى المحكمة لطلب الطلاق حتى يتسنى استلام راتب الرعاية الاجتماعية".
قانون رادع
وتُقدّر حالات الطلاق الصوري بالآلاف من أجل الحصول على راتب الرعاية الاجتماعية، وفق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لكن بعد تطبيق قانون الحماية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014، تم الكشف عن الكثير من هذه الحالات، واتخذت الإجراءات القانونية بحقهن، ومنها "استرجاع المبالغ كافة بأثر رجعي".
وأكد مصدر في وزارة العمل، للوكالة، "عدم وجود مثل هكذا حالات في الوقت الحالي، نتيجة تعاون الكثير من وزارات ومؤسسات الدولة مع الوزارة للكشف عنها، حيث تم تزويد الوزارة بقاعدة بيانات استطاعت عن طريقها السيطرة والقضاء على هذه الحالة".
منظور ديني
وعن النظرة الشرعية تجاه هذا التحايل على قوانين الدولة، قال الأستاذ في الحوزة العلمية في بغداد، الشيخ عبد المنعم المشكور، إن "من شروط الزوج المطلق، أن يكون قاصدا في الطلاق حقيقة، وليس شكلاً، وعليه فالطلاق باطل، ولا تزال الزوجة في ذمته، فلا اشكال في عيشها معه في البيت، لأنها باقية زوجته، وماتزال حليلته".
وأضاف المشكور، لوكالة شفق نيوز، أن "الأمر المهم الذي ينبغي ذكره وعدم السكوت عنه، هو أنهما (الزوجان) ارتكبا مخالفة قانونية بهذا التصرف، وهذا يعني أنهما ارتكبا اثماً نتيجة فعلهما المحرم، بتحايلهما على قوانين الدولة".
وأوضح أن "المخالفة القانونية تتبعها وتتأسس عليها المخالفة الشرعية، والتي يترتب عليها اكتساب الاثم، وعلى هذا الأساس فإن كل ما تستلمه الزوجة من أموال من الحكومة فهي أموال محرمة، لأن الزوجة غير مستحقة لهذه الأموال واقعاً، بسبب هذا التحايل".
السجن 15 عاماً
وفيما يخص العقوبة القانونية لهذا التحايل، أشار الخبير القانوني، علي التميمي، إلى أن "مثل هكذا حالات تعتبر تزويرا، وعقوبة التزوير هي السجن تصل إلى 15 سنة، بحسب المواد 289 و295 و298 من قانون العقوبات، كما تدخل هذه الحالات في خانة الاحتيال (المادة 456) من قانون العقوبات، وحتى الموظف الذي يقوم بهذا الفعل يعاقب وفق المادة (340) من قانون العقوبات".
ولفت التميمي، خلال حديثه للوكالة، إلى أن "هذا التحايل هو مخالفة حتى للشريعة الاسلامية، لأن المحاكم لها ولاية شرعية، والرقابة على مثل هكذا عقود غير الصحيحة وإبطالها هي من الدائرة المختصة التي يتم تقديم طلب الرعاية الاجتماعية إليها، فيجب أن تتأكد الدائرة المذكورة بموجب كتاب شرعي وصحة صدور شرعية بوجود الزواج من عدمه".