شفق نيوز- واشنطن/
مصطفى هاشم
مع اقتراب يوم حسم
صناديق الاقتراع في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر لمصير العراق في السنوات
المقبلة، تتجه أنظار دوائر صنع القرار في واشنطن صوب بغداد بترقب مشوب بالقلق.
فهذه الانتخابات، من
المنظور الأميركي، ليست مجرد إجراء روتيني، بل محطة مفصلية في إطار "تصور
جيوسياسي" أوسع، قد يعيد رسم خارطة النفوذ في منطقة تعاد صياغتها بالكامل.
الرهان على
"القومية" والاستقرار
يرى فرانك مسمار،
أستاذ الاقتصاد السياسي ورئيس المجلس الاستشاري بجامعة ميريلاند، في حديثه لوكالة
شفق نيوز، أن اهتمام واشنطن الرئيسي ينصب على ظهور حكومة عراقية مستقرة، تمثيلية،
وقومية، مستعدة للحد من النفوذ الإيراني وضمان عمل جميع الجماعات المسلحة تحت سلطة
الدولة.
ويتفق هذا الطرح مع
رؤية المحلل السياسي نبيل ميخائيل، الذي أكد لوكالة شفق نيوز، أن "واشنطن
تريد استمرار حكومة السوداني لضمان الاستقرار، خاصة في ظل ما رصدته من مؤشرات
إيجابية في الاقتصاد والحكم خلال فترته".
ويضيف مسمار، أن نتيجة
تمكّن السوداني من مواصلة برنامجه للإعمار وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني،
"ستكون إيجابية لواشنطن" التي تربطها به علاقة عمل قوية.
وهذا ما شدد عليه سفير
الولايات المتحدة السابق في العراق، جيمس جيفري، أن واشنطن تفضل استمرار التعاون مع
محمد شياع السوداني لما تربطها به من علاقة عمل قوية، وترى أن فوزه أو استمرار
مساره الحالي سيكون نتيجة إيجابية.
كما تنظر بإيجابية إلى
ضبط بغداد لنفسها خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران باعتباره دليلاً على
استقلال القرار العراقي، بحسب مداخلة له في محاضرة نظمها معهد واشنطن الأربعاء
الماضي.
المخاوف حاضرة بقوة
بينما يحذر مسمار، من
أن إدارة ترمب، وضمن رؤيتها لـ "الشرق الأوسط الجديد"، تسعى لحكومة
مستقرة في بغداد لمنع حدوث "فراغ أمني" قد يؤدي لاضطرابات شعبية، أو
عودة ظهور جماعات مثل "داعش"، خاصة بعد التطورات الأخيرة في سوريا التي
قد تستغل هذا الفراغ للعودة إلى الساحة العراقية.
ويقول السفير جيمس
جيفري، إن الولايات المتحدة تريد من الانتخابات العراقية أن تُفرز حكومة مستقرة
وممثلة تحدّ من النفوذ الإيراني وتُحافظ على توازن سياسي يمنع عودة الاستبداد،
معتبراً أن النظام البرلماني العراقي، رغم عيوبه، يشكّل ضمانة ضد الحكم الفردي
مثلما في إيران أو سوريا.
ويحذر حيفري، من أن
عدم الاستقرار في العراق من شأنه أن يفتح الباب أمام اضطرابات شعبية وزيادة النفوذ
الإيراني.
وكان متحدث باسم وزارة
الخارجية الأميركية قد قال في تصريحات لوكالة شفق نيوز، إن "نتيجة الانتخابات
تعود للشعب العراقي"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن واشنطن تحث الحكومة
العراقية على نزع سلاح المليشيات المتحالفة مع إيران وتجريدها من نفوذها
وتفكيكها".
والجمعة، أبدى مارك
سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي للعراق، في تدوينة له على موقع "أكس" دعم
بلاده للعراق وهو يمضي نحو مستقبل "خال من الميليشيات" على حد وصفه.
"العصا
والجزرة"
وفي مواجهة النفوذ
الإيراني، يشير مسمار، إلى اتباع واشنطن نهج "العصا والجزرة"، الذي يجمع
بين عروض الشراكة الأمنية والاقتصادية، والضغط لكبح الجماعات المسلحة، مشيراً إلى
أن التعاون الأمني المستقبلي قد يُربط بقضية دمج قوات الحشد الشعبي في قوات
الدولة، والتزامات تتعلق بالمساءلة عن الانتهاكات.
ويطرح أستاذ العلوم
السياسية في جامعة شيكاغو، روبرت غولوتي، في حديثه مع وكالة شفق نيوز، الاحتمال
الأكثر راديكالية: "قد تقرر الولايات المتحدة عدم الاعتراف" بالحكومة
المقبلة إذا رأت أنها تتسم بـ"شمولية مفرطة" للجماعات المدعومة من
إيران.
من منظور جيفري،
النفوذ الإيراني في العراق تراجع لكنه ما زال مؤثرا، وستحاول طهران استثماره بعد
الانتخابات، إلا أن قدرتها على تحويله إلى قوة إقليمية فعلية محدودة، فالحشد
الشعبي ليس أداة فاعلة ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة كما هو حال حزب الله أو
الحوثيين، لذلك ترى واشنطن أن احتواء الحشد داخل الدولة من دون نشاط عسكري عدائي
هو وضع غير مثالي لكنه مقبول.
لا يستبعد ميخائيل، أن
تمارس إدارة ترمب "بعض الضغوط في اللحظات الأخيرة" لمحاولة إنجاح
القوائم الداعمة للسوداني، كجزء من استراتيجية أوسع تهدف لإضعاف إيران عبر تقويض
نفوذ حلفائها عبر صناديق الاقتراع.
ويعتبر أن هزيمة
السوداني انتخابياً ستشكل "خسارة كبيرة" لإدارة ترمب، قد تدفعها إلى
"إعادة تقييم شاملة" لسياساتها في العراق ومنطقة الخليج والشرق الأوسط.
لكنه يستبعد خيار
العقوبات لتجنب "حرق" السوداني سياسيا بإظهاره مرتبطا بالمصالح
الأميركية، رغم خشيتها من عودة الميليشيات لتأدية دور سياسي.
والجمعة، ألمح وزير
الخارجية العراقي فؤاد حسين، أن ستة فصائل عراقية مصنفة "إرهابية" من
قبل الولايات المتحدة الأميركية، سوف لا تكون ممثلة في الحكومة المقبلة.
وأوضح حسين في لقاء
تلفزيوني، أن القرار صدر من قبل الجانب الأميركي بتصنيف 6 فصائل، ضمن قائمة ما
اسماها بـ"الممنوعة".
وبين أنه حرصاً على
ضمان علاقة دبلوماسية ناجحة للعراق مع المجتمع الدولي، يجب أخذ هذا الأمر بنظر
الاعتبار، حتى تكون سهولة بالتعامل مع الدول كافة.
دور الكورد
بحسب جيفري، كانت وحدة
إقليم كوردستان عامل استقرار حاسما في العراق وصاحبة الصوت المرجح في مفاوضات ما
بعد الانتخابات في الماضي، غير أن الانقسامات الحالية قد تحول دون قيام الكورد
بهذا الدور.
ومع ذلك، قد تمارس
الولايات المتحدة بعض الضغوط عليهم لتوجيه مسار تشكيل الحكومة، إذ تمتلك واشنطن
نفوذا أكبر على الكورد مقارنة ببغداد، لكن حالة الاضطراب السياسي الكوردي الراهنة
قد تحد من فعالية هذا النفوذ.
ويلفت مسمار، إلى أن
واشنطن قلقة من "انخفاض نسبة المشاركة" في الانتخابات، باعتباره مؤشراً
على "استمرار خيبة الأمل" الشعبية من النظام السياسي بسبب
الفساد وسوء الخدمات.