شفق نيوز/ تشن إسرائيل لليوم الثالث على التوالي حملة قصف جوية على مناطق عدة في لبنان، وبينما تقول إنها تستهدف بنى تحتية ومنازل يستخدمها حزب الله لتخزين الأسلحة والصواريخ، أسفرت ضرباتها حتى الآن عن مقتل أكثر من 550 شخصا، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.
ويرى خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" أن "وحدة الساحات"، منذ دخولها في الاختبار الأول المتعلق بحرب غزة، اتضح أنها "حالة شعور" لم تنعكس على الأرض، كما كان يروج لها سابقا.
ورغم تأكيد آخرين لتلك الفرضية، توضح الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي، أنه يجب التفريق في قراءة السياسة الإيرانية المتبعة في المنطقة بين الفترة التي سبقت وصول الإصلاحيين والرئيس مسعود بزشكيان إلى السلطة والفترة التي تلتها.
وتشير كولوريوتي، إلى أن الحوثيين تحركوا في مسارين، البحر والجو، وبموازاة ذلك فتح حزب الله خلال الأشهر الماضية جبهة دعم متصاعدة في وقت كانت الميليشيات العراقية تشن سلسلة من الهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق.
ولكن مع وصول الإصلاحيين إلى السلطة "طرأ تغير واضح في استراتيجيتهم في التعامل مع أدواتهم في المنطقة بشكل عام"، كما تضيف الباحثة لموقع "الحرة".
وتعتبر كولوريوتي أن "الإصلاحيين باتوا ينظرون إلى الوكلاء كأداة لدعم مصالحهم وترسيخ نفوذهم الإقليمي وأوراق الابتزاز الدولي"، وأن "توازن سياساتهم في النظر إليهم يعتمد على حجم المنافع بأقل ضرر ممكن".
ومنذ اليوم الأول للحملة الإسرائيلية على حزب الله شنت ميليشيات عراقية ضمن إطار ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" هجمات متفرقة بالطائرات المسيرة ضد إسرائيل. وأعلنت الأخيرة اعتراضها بالطائرات الحربية.
التوقف الحوثي
ولم يسجّل حتى الآن أي هجوم من قبل الحوثيين، رغم أن الجماعة اليمنية المدعومة من طهران سبق أن أطلقت صواريخ بالستية باتجاه تل أبيب.
ويقول الباحث في الشأن الإيراني، ضياء قدور إن نظرية "وحدة الساحات" كانت تحولت بعد الحرب في غزة إلى ما يشبه "جبهة إسناد" لم تترجم تفاصيلها على الأرض بالمنظور العسكري.
وكان أغلب التحركات التي جرت في الساحات (العراق، اليمن، لبنان) "أشبه برسائل تحذيرية" من جانب طهران. وبقيت كذلك حتى محطة اغتيال إسماعيل هنية، بحسب قدور، معتبرا أن الحادثة أكدت فشل "النظرية".
وبعدما وصلت المنطقة إلى نقطة أن إسرائيل باتت أكثر جدية لكي تفتح عملية ضد "حزب الله"، يضيف الباحث لموقع "الحرة" أن "جبهات الإسناد" انتقلت من حالة الإطلاق العشوائي في اليمن ولبنان، إلى "الاستهداف الدقيق".
ورغم أن قدور يشير إلى وجود تعاطي مختلف لنظرية "وحدة الساحات" ما بين فترة اندلاع الحرب في غزة، والآن يعتقد أنها "أثبتت فشلها على المستوى التشغيلي والفعلي في كامل المجريات".
خشية إيران
ويضيف الباحث المختص بالشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، أن إيران كانت قد غيّرت المفهوم الكامل لـ"وحدة الساحات" منذ اليوم الأول للحرب في غزة، وبعدما عززت الولايات المتحدة قواتها في أكثر من جبهة.
ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن التغييّر جاء "تفاديا لتعرضها لأي ضربات ولمنع الخسائر الكبرى عن وكلائها في المنطقة".
ووسط التصعيد العسكري الإسرائيلي ضده ترى الباحثة إيفا كولوريوتي أن هناك 3 ملفات تحدد التدخل الإيراني في هذا الصراع، سواء بشكل مباشر أو عبر أدواتها في المنطقة.
ويرتبط الملف الأول بمدى تأثير أي تدخل على جسم النظام الإيراني وبرنامجه النووي، إذ لا شك أن هناك تخوفا في طهران من أن إسرائيل تنتظر الفرصة المناسبة لضرب هذا البرنامج، بحسب الباحثة.
وقد يكون التحرك العسكري الإيراني المباشر لدعم "حزب الله" مبررا لهذه الضربة، وهذا السبب نفسه منع طهران حتى الآن من الوفاء بوعودها بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.
وتتابع الباحثة أن الملف الثاني مرتبط بالانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ يخشى الساسة الإيرانيون أن يؤثر تصعيدهم العسكري المباشر وغير المباشر لدعم "حزب الله" سلبا على النتيجة، مما يزيد من حظوظ دونالد ترامب غير المرغوب فيه في طهران، على حد تعبيرها.
وتوضح الباحثة أن الملف الثالث يذهب باتجاه الخشية الإيرانية من أن يؤدي فتح جبهة أخرى لدعم "حزب الله" في لبنان إلى خسارة ورقة جديدة، بعد خسارة حماس، وتضرر قدرات الجماعة اللبنانية.
"قرار الساحات إيراني"
وتؤكد كولوريوتي أن قرار الحوثيين بعدم الرد حتى الآن على استهداف الحديدة قرار إيراني، كما هو حال قرار الميليشيات العراقية بوقف هجماتها على القواعد الأميركية في سوريا والعراق.
وتعتقد أن "كلا القرارين يقدمهما بزشكيان وحكومته كمبادرة حسن نية لإدارة جو بايدن والديمقراطيين، على أمل إحياء الاتفاق النووي، إذا دخلت كامالا هاريس البيت الأبيض".
ويعتبر الباحث ضياء قدور أن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أي مدى ستذهب إيران بالمخاطرة من أجل حماية "أثمن ميليشيا" لديها والمتمثلة بـ"حزب الله"؟
ويقول قدور إن "إسرائيل تعمد الآن على تدمير سردية محور المقاومة من خلال قتل العناصر المفصلية واتخاذ إجراءات على المستوى التشغيلي واتخاذ خطوات مؤلمة".
وعلى الطرف الآخر تسود حالة غموض وتردد، الأمر الذي "خلق ثغرة على صعيد الثقة ما بين المشغل في طهران والوكلاء المنتشرين في المنطقة"، بحسب ذات الباحث.
ويرى الباحث المقيم في لندن عبد الرحمن أن "كل التصريحات الإيرانية تشي بأن إيران تريد الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل".
ويعتقد أيضا أنها "ستساوم على الأذرع في حال كان الخيار إما حفظ النظام فيها أو بقاء الوكلاء".
"مراهنة على أمرين"
ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها "حزب الله"، وزعيمه حسن نصر الله، خلال السنوات الماضية.
وتعتقد الباحثة كولوريوتي أن "المحور الإيراني يعيش أسوأ كوابيسه في المرحلة الحالية"، ويأمل بدرجة أولى أن تكون الحرب على غزة قد أنهكت قوات الدفاع الإسرائيلية وقيدت قدرتها على خوض أشهر من الحرب في لبنان.
وبدرجة ثانية يراهن "المحور على قدرة حزب الله على الصمود في وجه الضربات الإسرائيلية وتوجيه اللكمات المضادة التي ستؤثر على الرأي العام الإسرائيلي وتجبر حكومة بنيامين نتانياهو على وقف الحرب بأقل الخسائر".
ويشرح ريتش أوتزن، وهو كبير الخبراء الأميركيين في المجلس الأطلسي، أن إسرائيل غيرت الكثير من حساباتها بعد السابع من أكتوبر، وترى الآن أن "ضبط النفس وإفلات إيران من العقاب سيمثلان سياسة فاشلة".
أما بالنسبة لإيران فقد باتت تواجه "معضلة استراتيجية الآن" بعد ارتفاع التكاليف بالنسبة لحماس و"حزب الله".
"المعضلة" تتمثل بخيارين صعبين: "إما أن تنقذهما بالتدخل مع المخاطرة بقواتها أو التراجع مع الإضرار بنظرية وآلية إسقاط القوة عبر الوكلاء بالكامل".
ويضيف الباحث أن "العملية الحاصلة الآن وبرمتها تهدف للتقليل من مكانة إيران وحزب الله كجهات عسكرية إقليمية".