شفق نيوز/ تخضع الفتيات في بداية رحلة الحياة الزوجية، في أول ليلة تجمعها مع زوجها "ليلة الدخلة"، لاختبار البكارة "العذرية"، الذي في حال اجتيازه سيكون بمثابة "شهادة البراءة" لها، لتتم ليلة الزفاف على خير، أما بخلافه فإنها ستواجه عواقب مختلفة تنتهي أحيانا بقتلها في اليوم نفسه.
وهذا ما واجهته إحدى الفتيات الذي تحدث ذووها عن كيفية تعرضها للقتل في ليلة زفافها بسبب عدم خروج "دم غشاء البكارة"، بالقول إن "زوج الفتاة التي تبلغ 15 ربيعاً، ادعى في ليلة الدخلة، عدم خروج الدم (الدليل على عذريتها)، وأخبر أهلها بأن ابنتهم غير باكر".
وتجري العادة عند الكثير من العائلات المحافظة والمناطق الريفية، أن ينتظر بعض كبار العائلة، رجالاً ونساءً في منزل العروسين ريثما يتم التأكد من "عذرية الفتاة" في ليلة الزفاف.
وأضاف أحد أقرباء الضحية لوكالة شفق نيوز، أن "هذا الأمر أثار غضب شقيقها الذي أطلق الرصاص على شقيقته وتوفيت على الفور، وتبين بعد التشريح أن غشاء بكارة المجني عليها كان سليما، وتمت إحالة الجاني إلى القضاء".
ويرى باحثون اجتماعيون أن قلة الوعي والثقافة وغالباً العصبية القبلية جعلت الجاني يرتكب جريمته دون التفكير أو الفحص الطبي قبل وقوع الجريمة، وهذا ما جعل الكثير من الفتيات يُقتلن بلا سبب.
وتروي الاستاذة في قانون حقوق الإنسان، زينب الحسن، عن دعوى عرضت عليها تخص فتاة قُتلت نتيجة جهل الزوج في ممارسة الجنس، بالقول، إن "فتاة تبلغ 14 ربيعاً من إحدى المحافظات العراقية، تزوجت شخصا يبلغ 16 عاماً من بغداد".
وتضيف الحسن في حديثها لوكالة شفق نيوز، "في ليلة الدخلة تفاجأ الأهل عندما خرج الرجل من غرفة النوم وهو غاضب ينادي على والدة الفتاة: إن ابنتك ليست بكرا، يرافق ذلك سيل من الاتهامات الأخرى والصفات غير اللائقة بحق الفتاة".
وتكمل، "وبسبب عدم قدرة والدة الفتاة على احتواء الزوج، اتصلت باقربائها الذين قاموا فور وصولهم بإطلاق رصاصتين على رأس الفتاة، لتسقط قتيلة في الأرض".
وتوضح الحسن، "لكن بعد تشريح الجثة تبين أن الفتاة عذراء وأن غشاء بكارتها من النوع المطاط، ثم تبين أيضا أن الزوج بعد التحقيق معه أنه كان يمارس الجنس بصورة خاطئة، وبالتالي رحلت الفتاة بسبب عدم تفهم الأهل، وقلة خبرة الزوج بالحياة الجنسية".
وعادة ما تواجه معظم النساء نزيفاً بدرجات متفاوتة أثناء عملية فض غشاء البكارة. لكن بحسب الأطباء والمختصين، ذلك ليس شرطاً ضرورياً، ولا يحدث مع جميعهن.
وهناك أشكال وأنواع عديدة للغشاء، فبعضها لا يتمزق إلا بعمل جراحي، وبعضها رقيق جداً قد يتمزق دون ظهور أي نزيف، كما أن بعض الفتيات يولدن بدون غشاء بكارة، وقد يتمزق في طفولتهن إثر تعرضهن لحادث ما.
وفي هذا الجانب تبيّن الحسن، أن "غشاء البكارة له أنواع مختلفة، منه الرقيق، والهلالي، والشبكي، والمحبب، والمطاط، كما هناك نوع آخر يلتئم بعد اختراقه بشكل طبيعي، ولا يسقط إلا بالولادة".
كما أن "غشاء البكارة فتحته صغيرة، لذلك يكون من الصعب ممارسة الجماع أول مرة، وفي حال كان نوعه سميكا أو مطاطيا فإنه يحتاج إلى جماع متكرر، وأحيانا إلى تدخل جراحي لفض الغشاء"، وفق ما أخبرت به الطبيبة رواء الجنابي أخصائية نسائية وتوليد لوكالة شفق نيوز.
وبالعودة إلى خبيرة القانون زينب الحسن، تذكر أنها تقدمت بمقترح للحفاظ على سلامة الفتيات لكنه لم يلق قبولا، وهو أن "تجري الفتاة فحصا قبل زواجها، لكي تطمئن من نفسها، وفي حال ظهرت مشكلة كأن يكون لديها إصابة منذ صغرها لم تلاحظها، أو تعاني من مرض معين يكون ذلك في علمها".
وتعود عادة اختبار عذرية الفتيات إلى عصور قديمة، وتتفاوت أسبابها وطرق فحصها من مجتمع لآخر، وما زالت المجتمعات المحافظة تحتفل بعذرية الفتاة في ليلة الزواج بطريقة مبالغة، كأن يتم عرض ملاءة السرير على الأقرباء من الطرفين، وأحياناً تقام طقوس معينة تأكيداً على أهميته.
وفي الكثير من البلدان العربية والإسلامية، يقوم الكثيرون بإجراء فحص نسائي وإعطاء شهادة العذرية للفتاة قبل الزواج لإثبات عذريتها.
ودانت منظمة هيومن رايتس ووتش بعض البلدان العربية والإسلامية، على قيامها بإجراء" اختبارات العذرية" المؤلمة للفتيات، التي تقوم بها عادة سيدة مسنّة عن طريق إدخال إصبعين إلى المهبل للتأكد من أن الغشاء لا يزال موجوداً.
وقالت المنظمة في تقرير أصدرته عام 2014، إن هذا الاختبار المنتشر على نطاق واسع في الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا، شكلٌ من أشكال العنف القائم على أساس الجنس، وتمييز لا إنساني ضد المرأة وانتهاكا لقوانين حقوق الإنسان.
وتتعرض الفتيات العراقيات لجرائم قتل تحت مسمى "غسل العار" أو "قضايا الشرف"، ولعل لجوء الجاني إلى الإعلان أن دافع القتل هو "غسل العار" لإضفاء المبرر على جريمته في مجتمع تهيمن عليه الثقافة الذكورية، غرضه التهرب من العقوبة الجنائية، إذ قد تكون عقوبة هذه الجرائم السجن لمدة سنتين أو ثلاثة، في حين أن عقوبة القتل في قضايا أخرى هي السجن المؤبد أو الإعدام.
وفي هذا الشأن يقول قاضي محكمة تحقيق الرصافة، فراس حميد، إن "جرائم الشرف تعد من أشد الجرائم خطورة على المجتمعات لكونها تمس الأسرة التي هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وبوقوعها يؤدي إلى تفكك الأسرة وانهيار بناء الدولة".
ويضيف حميد في تقرير نشره مجلس القضاء الأعلى بوقت سابق، أن "الشرف له معنى عظيم في المجتمع العراقي بشكل خاص، فهو العلو والرفعة والمكانة العالية لذا فإن الأحكام الخاصة بجرائم القتل بدافع الشرف يمكن حصرها في الجرائم التي يرتكبها الرجل ضد المرأة بحجة اتهامها بالزنا".
وتناول قانون العقوبات (رقم 111 لسنة 1969) جريمة القتل أو "العاهة المستديمة بدافع الشرف".
وتنص المادة (409) على أن "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال، أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداء أفضى للموت أو لعاهة مستديمة".
"ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده أحكام الظرف المشدد"، حسب القانون.
وفي هذا الصدد يقول المحامي، نهاد الناصر، إن "القتل تحت ذريعة (غسل العار) منتشر في المناطق الريفية والعشائرية الجنوبية، ويتبين بعد فحص جثة المجني عليها أنها باكر، وبالتالي يكون القتل بسبب قلة الوعي".
ويوضح الناصر لوكالة شفق نيوز، أن "القانون يعاقب على تلك الجريمة، ويعتبرها قتل عمد، حتى وأن كانت الفتاة ليست باكرا، فالقانون يُعاقب الجاني بالعقوبة نفسها وهي القتل العمد، لكنه يخففها، أي يكون مصيره المؤبد بدلا عن الاعدام - مخففا بحجة أن الجاني أثناء تنفيذه للجريمة يكون تحت ضغط نفسي كبير يدفعه لارتكاب جريمته دون أدنى تفكير- وفي حال كانت باكرا فيكون مصيره الاعدام شنقا حتى الموت، وفقا للمادة 406 من القانون العراقي".
ويبين، أن "المجتمعات العشائرية أطلقت على حالات القتل هذه (غسل العار)، وهي في الحقيقة بعيدة عن هذا التوصيف، فهي جرائم قتل عمد، لأن غسل العار يكون في حالة التلبس بالجريمة، كأن يشاهد الرجل زوجته مع شخص آخر، أما هذه الجرائم فهي بعيدة عن غسل العار، وبالتالي يعاقب عليها القانون بعقوبات القتل العمد ولا يرجعها إلى غسل العار".
ويؤكد، أن "حالات القتل بهذه الطريقة تراجعت مؤخرا وخاصة في بغداد، نتيجة التوعية الصحية".
وغالبا ما تستخدم الأسلحة النارية للتخلص من نساء متهمات بالخيانة أو استخدام السلاح الأبيض. وفي بعض الحالات يتم إشعال النار في جسد الفتاة ثم تبلّغ السلطات بانتحار الضحية حتى تتم التغطية على الجريمة.
وأغلب الرجال الذين ارتكبوا جرائم الشرف أو اشتركوا فيها هم من العوائل المتشددة والملتزمة بالقوانين العشائرية.
ولا توجد إحصائيات دقيقة وموثوقة لعدد ضحايا "جرائم الشرف" في العراق، بسبب "عدم الإبلاغ عن معظمها أو بسبب التحايل على القانون كأن يتم قتل المجنى عليها عن جريمة شرف ويتم الإبلاغ فيما بعد عن أنها حالة انتحار، فضلا عن وجود جرائم قتل تقع بسبب الميراث ويتم الادعاء من ذوي المجنى عليه بأن الوفاة كانت نتيجة انتحار أو تم قتلها بدافع الشرف"، وفق القاضي فراس حميد.
ويلفت الى أنه "غالبا ما يتم كشف حقيقة الجريمة من قبل القضاء بطرق الإثبات المختلفة مثل الإقرار الاستماع للشهود الأدلة المادية المرفوعة من محل الحادث التقرير الطبي التشريحي الذي يبين سبب الوفاة تقرير الخبراء والفنيين وغيرها".
وبناء على ذلك يرى مراقبون أن ما ساعد بانتشار هذه الجرائم هو القانون العراقي، فأنه على الرغم أن العلاقة غير الشرعية أقامها اثنان فإن العقوبة تقع فقط على الفتاة من قِبَل أهلها في الغالب، فيما يكمل الطرف الثاني حياته الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن، وكذلك المجرم فهو يتحرر بعد سنة أو أقل.
وعلى الرغم من قراءة مشروع قانون العنف الأسري في مجلس النواب أكثر من مرة، لكنه تعثر بسبب عدم الاتفاق على بنوده وظل حبيس أروقة البرلمان.
ويتفق الخبراء مع الذين عايشوا جرائم الشرف أو شاركوا فيها إن نشر الوعي المجتمعي وإجراء تعديلات على القوانين، إضافة إلى نشر التعليم لاسيما في القرى والأرياف، كلها عوامل تساهم في تقليص أعداد جرائم غسل العار.