شفق نيوز/ يرى مزارعون في مناطق ديالى، أن الحكومة لم تكن جدية في معالجة أزمة المياه لتوفيرها لمزارعهم التي تعاني "شحاً واضحاً" في هذا الجانب، وفيما يطالب آخرون بتدويل القضية مع دول الجوار، تقر وزارة الموارد المائية بـ"صعوبة" توفير المياه لمزارع تنتج محاصيل معينة أبرزها "الرقي" وتربط توفير حاجات المزارعين لاجتماعات داخلية وخارجية، فيما يضع خبراء معنيون بالأزمة عدة مقترحات لحل الأزمة.
وتعاني مناطق واسعة من محافظة ديالى، من شح المياه لزراعة محاصيلهم، ورغم تعهدات وزارة الموارد المائية إلا أنها لم تبدد مخاوف المزارعين وتحديدا في مناطق الجنوب الشرقي والتي كانت تشتهر بزراعة الرقي حتى وقت قريب.
ويقول المزارع محمد التميمي لوكالة شفق نيوز إن "بساتيني التي تمتد لعشرات الدوانم باتت شبه خاوية بسبب شح المياه الواردة إليها والتي لا تكفي لري المزروعات خاصتي أو المشهور بها (الرقي) وهذا الأمر قد أفقدني الكثير من المردود المالي الذي أعتاش عليه وعائلتي وعمال المزارع".
ويضيف التميمي أن "عدم جدية الحكومة في حل أزمة المياه في ديالى من خلال الضغط على الجارة ايران لإعادة إطلاق حصتنا من المياه الى جانب انها لم تتخذ أي اجراء يؤكد حرصها أو سعيها لإنهاء معاناة سكان ديالى وشحة المياه".
أما أبو جليل 56 عاما وهو خريج كلية الزراعة يرى إن "المجاملات على حساب مصالح الشعب تعد جريمة لا تغتفر"، مطالباً بـ"تدويل ملف المياه وحلحلته أسوة بدول أخرى".
بدوره يؤكد مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب عبد الله لوكالة شفق نيوز إن "الوزارة تعتمد خططاً استراتيجية مهمة تمكنها من تأمين مياه صالحة للاستخدام البشري وسقي البساتين ومزارع الخضر أما المزارع التي تنتج المحاصيل الصيفية (الفواكة والخضر) تستهلك كميات أكبر من المياه وبالتالي يبقى أمرها رهن بنتائج الاجتماعات المشتركة مع وزارة الزراعة لحسم هذا الموضوع، لكن نطمئن المواطن بأن الوزارة تؤكد تلبية الاحتياجات الأساسية لهذا الموسم".
ويضيف عبد الله "بعد عيد الفطر سيزور بغداد وفد تركي رفيع المستوى للتباحث حول خطة تشغيل السدود التركية خلال الصيف القادم، وإزاءه ستتضح لنا الصورة الواضحة بالنسبة للاطلاقات المائية القادمة للعراق من هذه السدود سواء كانت على نهر الفرات او دجلة".
ويلفت عبد الله إلى أن "الوزارة تكثف من إجراءاتها الفنية والتقنية لتجاوز أزمة الجفاف خلال العام الحالي بحسب الخطط المعتمدة لذلك، لكن نحتاج إلى تكثيف الجهود من قبل الحكومة بشأن التفاوض مع دول الجوار أو دول المنبع وذلك باستخدام كافة أوراق الضغط الدبلوماسي لتلبية استحقاق العراق من الحصص المائية في نهري دجلة والفرات ".
ويشير المسؤول في وزارة الموارد المائية إلى أن "أكثر المحافظات تضرراً من أزمة المياه هي ديالى كونها تعتمد أساساً على المياه الواردة من نهر ديالى ومجموعة أنهر أخرى قادمة من الجارة إيران ونظرا لقطع بعض تلك الانهر ستكون الواردات المائية القادمة متواضعة كما ان المحافظة لم تشهد هذه السنة موسم أمطار مؤثر أو يؤمن إرواء البساتين والاراضي الزراعية".
ويبين عبد الله أن "ديالى زرعت 390 ألف دونم من الحنطة في مناطق الخاص وخان بني سعد فضلاً عن مناطق گلار وغيرها، لكن يبقى الوضع صعباً في المحافظة وسيمتد الحال الى محافظات ذي قار وميسان والبصرة"، لافتا إلى أن "خطة الوزارة هو الحفاظ على الحدود الدنيا الواجب تأمينها لغرض حماية البيئة لتلك المناطق سواء كان في شط العرب اي تأمين الحد الأدنى لدفع اللسان الملحي ومنع تمدده لمسافات طويلة داخل شط العرب الى جانب الحفاظ على التصاريف التي تطلق في نهر الفرات لغرض تأمين الحد الادنى من الجريان والحفاظ على حالة مقنعة في الاهوار الوسطى لمناطق الجبايش في الناصرية".
وكان النائب الاول لرئيس مجلس النواب العراقي حاكم الزاملي دعا في وقت سابق رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الى "تشكيل هيئة عليـا لمتابعة ملف المياه وادارته بصورة فاعلة من أعلى المستويات كما هو معمول في الدول المجاورة".وطالب الكاظمي بـ "التدخل المباشر لمخاطبة دول الجوار وممارسة الضغط عليها لزيادة حصص العراق المائية واطلاقها في القريب العاجل فضلا عن تفعيل بروتوكول التعاون في نهر دجلة مع تركيا، وانشاء المركز البحثي المشترك لتحديد الحصص المائية لنهري دجلة والفرات".
إلى ذلك يؤكد أستاذ ادارة الموارد المائية في كلية الهندسة بجامعة النهرين محمود صالح الخفاجي لوكالة شفق نيوز إن "كل البلدان التي تكون مصادر مياهها خارج حدودها تعاني من أزمة مياه لاسيما اذا لم تكن هناك اتفاقات بروتوكولية مشتركة بين الجانبين (دول المنبع والدول التي تكون على مسار مرور النهر)، إلى جانب ان ازمة المياه لا تقتصر على العراق حصراً بل تكاد تضرب جميع دول الشرق الاوسط وذلك لأسباب مناخية".
ويوضح الخفاجي أن "العراق يعاني من مشكلتين اساسيتين ادت لشحة المياه الاولى تكمن في الجفاف والتغيرات المناخية والثانية تتعلق بالجفاف الاداري وعدم ايجاد المعالجات الحقيقية لازمة المياه، لضعف الاجراءات الحكومية، وبالرغم من ان وزارة الموارد المائية تبذل قصارى جهدها لتفادي ازمة ندرة المياه الا انها تبقى مقيدة كون الامر يحتاج الى دعم سياسي ودبلوماسي ودعم مجتمعي وتخصيص اموال كافية وكل ذلك غير موجود وان وجد فهو محدود جدا وبالتالي تكون الاجراءات ضعيفة في هذا الملف المهم والحساس". مبينا أن "ملف المياه يحتاج إلى جهد حقيقي يبدأ من رئيس الجمهورية وصولا للمواطن العادي الذي يجهل ابسط اساسيات الحفاظ على المياه وترشيد الاستهلاك".
ويتابع الخفاجي أن "اسباب ازمة المياه لاتقف عند حدود التغيرات المناخية وشح الامطار فقط حيث ان اغلب دول الجوار وتحديدا دول منبع نهري دجلة والفرات يعملان على تحقيق مصالحهما بما يضمن حقوقهم المائية كاملة الى جانب تحقيق مكاسب اخرى من خلال الضغط على العراق بالتلاعب بحجم الاطلاقات".
ويرى بعض خبراء المياه إن "تهميش ملف المياه وعدم ايلاءه الاهتمام اللازم سيفاقم ازمة المياه وبالتالي تتفاقم ازمات الفقر والجوع وتحديداً في مناطق جنوب البلاد والوسط وحتما سينعكس ذلك سلباً على جميع الملفات الاخرى بما فيها الملف الامني".
ويؤكد خبراء المياه لوكالة شفق نيوز إن "المعالجات الحقيقية في هذا الملف تكمن في اعادة تفعيل الاتفاقات البروتوكولية مع دول المنبع ( تركيا، ايران ، سوريا ) وبما يضمن حقوق البلدان المتشاركة أو المتشاطئة وتحديدا حق العراق من خلال توظيف او استخدام اوراق الضغط الاستثمارية والاقتصادية والسياسية والامنية ، وتشريع قوانين رادعة وحازمة تمنع الاصطفافات التي تؤسس لجبهة معارضة او رافضة للتشريعات التي تصب ومصلحة البلاد في تأمين خزين مائي يبعد شبح ازمة المياه عن العراق عموما ومناطق اجزاء شرق وجنوب البلاد".
ويضيف الخبراء الى قائمة المعالجات "التنفيذ الفعلي والسريع لمشروع سد مكحول وتوسيع طاقته الاستيعابية ليكون رديفاً أو داعماً لعمل السدود الرئيسة في البلاد، وتخصيص اموال تكفي لتنفيذ مشاريع استراتيجية في ملف المياه مثل زيادة مساحة امتداد حفر الابار ، والتشديد على شمول جميع مناطق ومدن البلاد بتثبيت مقاييس قراءة حجم الاستهلاك الشهري او اليومي لكل عائلة من المياه كونها تعد مرودا ماليا يعود بالنفع على جميع مشاريع دعم ملف المياه في البلاد الى جانب منع التجاوز على الحقوق المائية لكل فرد".
وكانت المبعوثة الأممية الى العراق جينين بلاسخارت حذرت، في وقت سايق، من تعرض العراق لندرة "حادة" في المياه، مبينة أن هذا الامر يعد "عاملا مضاعفا للتهديد حيث يصاحب ذلك زيادة مخاطر الفقر والنزوح وعدم الاستقرار والصراع"، مبينة أن "الملكية المشتركة لهذا الملف البالغ الأهمية بين الأطياف السياسية ستكون مسألة ضرورية"
كما طالب العراق اكثر من مرة دول الجوار، بزيادة الاطلاقات المائية لانهاره، محذرا من تاثيرات النقص الحاد في مياهه الواردة عبر دجلة والفرات وغيرها من الأنهر التي تصب في شط العرب مثل نهر الكرخة في تقليص المساحات الزراعية وهجرة السكان لمناطقهم مع اعتماده على طرق ري جديدة لأراضيه لتوائم الأوضاع المائية الجديدة.