شفق نيوز/ وصف معهد أمريكي، اليوم الجمعة، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنه "سياسي ماهر"، لكنه يواجه "صداعا متعددا"، خصوصا بعدما أدت الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة الى قلب "التوازن الدقيق" الذي اتبعه السوداني طيلة عام كامل بين علاقات العراق الخارجية وجهوده للحفاظ على الاستقرار في العراق.
وقال "المركز العربي في واشنطن" في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز ان "الصورة القادمة من غزة أثارت غضب العراقيين، كغيرهم في المنطقة".
واضاف ان "السوداني أعرب في اجتماع لحكومته عن دعم العراق للقضية الفلسطينية، وتأييده الكامل للحقوق الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية، بينما عزز من تواصله الدبلوماسي، وأجرى مكالمات هاتفية مع الملك الاردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، الى جانب زعماء آخرين من المنطقة، مشيرا الى ان السوداني يظهر الحرص على تجنب تصعيد الحرب وتوسيعها إلى مناطق أخرى في المنطقة".
إجماع على دعم الفلسطينيين
وبعدما ذكر التقرير بمواقف قادة عراقيين تضامنوا مع الفلسطينيين، بمن فيهم الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم منظمة بدر هادي العامري، لفت التقرير الى "ان اية الله العظمى علي السيستاني اصدر بيانا يدعم الحقوق الفلسطينية، ويندد بالاحتلال الاسرائيلي، ويدين تدمير غزة"، مضيفا انه "من المثير للاهتمام، ان السيستاني وبخلاف فتواه في العام 2014 ردا على هجوم تنظيم داعش، فانه لم يوجه هذه المرة نداء من أجل التعبئة العامة لمواجهة اسرائيل".
وفي حين قال التقرير إن دعم السوداني للفلسطينيين، كان بمثابة استجابة للمزاج وطني، إلا انه اعتبر ان "تصريحاته وتحركاته الدبلوماسية لم تكن تكفي بالنسبة للميليشيات الشيعية المتحالفة مع ايران، والتي صعّدت خطابها الى ما هو ابعد من مجرد ادانة اسرائيل".
واشار الى ان "الميليشيات الشيعية كانت أكثر حدة، حيث أصدرت إدانات وتهديدات للولايات المتحدة واسرائيل، ونفذت هجمات متكررة على القواعد الامريكية في العراق في عين الأسد، وقاعدة حرير الجوية، ومطار بغداد، بينما هدد زعيم منظمة بدر هادي العامري الولايات المتحدة متعهدا بان تحرير فلسطين سينطلق من العراق، في حين صدرت مواقف تحذيرية مشابهة من جانب كتائب حزب الله، وعصائب اهل الحق، والنجباء، وميليشيات شيعية قوية اخرى".
وبعد حادثة قصف المستشفى الأهلي في 17 تشرين الأول/أكتوبر، قال التقرير إن "المشاعر الوطنية تأججت، وتحركت الميليشيات، وخرج العراقيون في تظاهرات كبيرة في ساحة التحرير"، مضيفا ان "ضباطا من فيلق القدس الايراني اجتمعوا ايضا مع قادة الميليشيات في العراق لتنسيق الاجراءات في حالة التصعيد، بينما كان زعماء السنة والكورد اكثر هدوءا في ردود افعالهم على ازمة غزة، في حين ان حكومة اقليم كوردستان دعت من خلال المتحدث الرسمي باسمها، الى موقف عراقي موحد، وذكرت ان الموقف الكوردي لا يمكن أن يختلف عن موقف الحكومة العراقية".
وضع السوداني
واعتبر التقرير أن "الاضطرابات في العراق تخلق صداعا متعددا لرئيس الحكومة السوداني، خصوصا ان انتخابات المحافظات مقررة في 18 ديسمبر/كانون الاول، اي بعد اقل من شهرين من الان".
ولفت التقرير الى ان "الاحداث في غزة عززت الميليشيات العراقية التي وجدت شرعية جديدة لوجودها"، مضيفا ان "السوداني لم يحاول نزع سلاح الميليشيات خلال الأشهر ال12 الماضية، غير أنه تمكن على الأقل من كبح نشاطها والدعوة الى الاستقرار من أجل تأمين وضع سلمي يكفي لدفع الاستثمار الأجنبي والنمو الاقتصادي".
لكن الان، وفق التقرير، "سيكون أكثر صعوبة بكثير على السوداني أن يعيد الجن الى القمقم"، واشار التقرير الى انه "في ظل سيطرة الجماعات الشيعية المتشددة ووجودها في موقع قوي، فانه من المرجح أن تعود حالة عدم الاستقرار الى العراق مما يعيق الاستثمار ويعرض للخطر الخطط الاقتصادية للسوداني".
وبرغم ذلك، اعتبر التقرير ان "الأسوأ من ذلك أنه من المرجح ان يصبح السوداني الآن تحت رحمة الفصائل الشيعية المسلحة بعد نجاحه في الحصول على قبولهم ودعمهم خلال الشهور الـ12 الماضية، وهم أصبحوا حاليا أكثر تشكيكا بقراراته وأفعاله وتقييدها".
وبالاضافة الى ذلك، لفت التقرير إلى أن "الصعود السياسي للجماعات الشيعية المسلحة سوف يثير مخاوف السنة ويهدد المصالح الكوردية، مما يفاقم من عرقلة جهود السوداني من أجل بناء علاقات جيدة في كافة أنحاء البلد يفترض أن تقود الى سياسة مستقرة".
ورأى التقرير أن "هذه القوة المتجددة للفصائل المتشددة في العراق ستقود إلى حدوث تدخل إيراني متزايد في الشؤون الداخلية للبلد وخياراته في السياسة الخارجية"، مضيفا أن "حسابات إيران الإقليمية هي التي قد تحدد حجم وطريقة القتال من جانب حلفائها العراقيين، وهو ما سيعزز الضغوط على رئيس الحكومة، ما يعني أن سياسته الهادفة الى الالتزام بسياسة خارجية متوازنة، ستصبح عرضة لخطر الانهيار".
وبعدما ذكر التقرير بتصريح السوداني لصحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية في يناير/كانون الثاني 2023، بان بامكان العراق ان تكون لديه علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وايران، وان القوات الاجنبية لا تزال هناك حاجة اليها، معربا عن تأييده لاتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، قال التقرير انه "في حال مارست إيران وأنصارها من العراقيين المزيد من النفوذ، فإنه سيكون من الصعب الحفاظ على هذا التوازن، وسوف تكون هناك مخاطرة أمام السوداني بالمجازفة بحسن النوايا الذي بناه مع الغرب".
وخلص التقرير الى القول ان السوداني "سياسي ماهر" وهو يواجه اوقاتا خطيرة، حيث أن كيفية تطور الأمور خلال الأسابيع المقبلة تعتمد على نوايا إيران، التي ليس له سيطرة عليها، وهو حلال قمة القاهرة للسلام في 21 تشرين الأول/أكتوبر، القى خطابا عاطفيا تأييدا للحقوق الفلسطينية، داعيا الى وقف اطلاق النار وإنشاء صندوق لمساعدة غزة.
واعتبر التقرير ان "السوداني في حالة تأهب قصوى، لان لديه الكثير ليخسره، حيث يعتمد في موقعه، ولو جزئيا على الأقل، على دعم الميليشيات الشيعية الصديقة لايران، مضيفا انه من المحتمل ان يكون الخطاب الذي ألقاه في القاهرة، نابع من قناعته، لكنه كان يستخدم من أجل الاستهلاك الداخلي في العراق".
وبرغم أن التقرير لفت الى الرد المهم من جانب رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي الذي اشاد بتصريحات السوداني وحث الجميع على الوقوف الى جانب السوداني وتجنب الانخراط في خطوات أحادية من شأنها ان تسبب عدم الاستقرار الداخلي والخارجي، إلا أن التقرير أوضح انه "برغم ان هذا يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تعني ان السوداني وسياساته أصبحتا خارج منطقة الخطر، حيث ان رئيس الوزراء العراقي يواجه فعليا خيارا صعبا: فاما ان يستسلم امام الميليشيات بما يسمح لها بتدمير ما حققه خلال العام الماضي، أو أن بمقدوره اتخاذ موقف حازم ضد قوتها الصاعدة التي بلا قيود، ويخاطر ربما من خلال ذلك بوظيفته وبغضب ايران منه".
ترجمة: وكالة شفق نيوز