شفق نيوز/ رصد معهد "المركز العربي في واشنطن" الأمريكي، التحديات الصعبة التي تواجه إيران في رسم معالم سياستها العراقية، وعلاقتها مع القوى الشيعية خاصة، ومع الحكومة العراقية، بعد أن تحول العراق الى "رئة اقتصادية" لطهران، مشيرا الى انها تسعى في الوقت نفسه الى اعادة صياغة سياسة تقارب مع محيطها في السعودية والامارات، في وقت تراهن على انفراج في مفاوضاتها مع الغرب حول برنامجها النووي.
وأوضح التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان "نفوذ إيران في العراق شهد تراجعا كبيرا منذ حركة تشرين الشعبية الاحتجاجية في العام 2019"، فيما يتوقع اندلاع احتجاجات كبيرة في الذكرى الثالثة للانتفاضة في بداية شهر تشرين الاول/ أكتوبر المقبل، مذكرا بأن المحتجين نددوا تحديدا بالتدخل الايراني بالاضافة الى انتقاد اداء الحكومة بشكل عام.
وبعدما لفت التقرير الى ان نفوذ ايران تضرر منذ اغتيال الجيش الامريكي لقائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني، اعتبر انه في ظل العديد من التغييرات التي تجري في المنطقة، فإنه من المهم مراقبة الى اين سينتهي النهج الحذر لايران ازاء العراق.
مأزق العراق
واعتبر التقرير ان مشاركة ايران خلال انتخابات تشرين الاول/ اكتوبر العام 2021، كانت مختلفة عن مشاركاتها السابقة في المشهد السياسي للعراق، مشيرا الى ان الاداء الانتخابي ونفوذ الاحزاب والجماعات التابعة لايران، شهد تراجعا، في حين الزعيم الصدري مقتدى الصدر حقق مكاسب كبيرة، واتخذ مواقف تنادي بالحد من التدخل الأجنبي، بما في ذلك من جانب ايران.
واوضح التقرير ان موقف ايران من الازمة العراقية الحالية عبارة عن مواقف رسمية وغير رسمية، مشيرا الى ان الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، دعا رسميا الى علاقات ثنائية بين البلدين خلال اجتماع في طهران في نيسان/ ابريل عام 2022 مع رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، كما ان وزارة الخارجية الايرانية وجهت دعوة مشابهة في 29 اب/ أغسطس، لكنها اشارت الى اعتصام الصدريين في البرلمان، مؤكدة على اهمية احترام المؤسسات، وهو بيان بالإمكان اعتباره بأنه بمثابة انتقاد دبلوماسي وغير مباشر للصدريين.
ولفت التقرير الى ان الاعلام الايراني لم يعكس موقفا ايرانيا موحدا، موضحا في هذا السياق انه من الصعب تجاهل دور الخلافات الداخلية الايرانية حيث بالامكان القول ان المعسكر المحافظ يسعى الى تركيز السلطة بين يديه، وهو الذي يقف خلف تحول الحرس الثوري الى قوة اقتصادية واجتماعية وسياسية مهيمنة.
الحرس الثوري وحوزة قم
واعتبر التقرير ان هذا التحول يتحقق من خلال تعزيز الدور المتزايد للموالين للحرس الثوري وتقويض دور المعقل الديني في مدينة قم، في حين ان الاصلاحيين يختلفون عن المحافظين في العديد من المسائل الداخلية والخارجية، فيما يشكل العراق مصدر قلق مركزي.
واشار التقرير الى ان هذا الانقسام الداخلي في ايران يعكس ايضا افتقارها الى نهج موحد ازاء القضايا العابرة للحدود، متحدثا عن تنافس ديني وايديولوجي بين مركزي قم والنجف، خاصة حول طبيعة التداخل بين الدين والدولة.
التحدي المباشر لمشروع الصدر
وذكر التقرير انه برغم الارتباط الأساسي للإطار التنسيقي بالتيار المحافظ في ايران، الا ان النهج الرسمي لطهران ازاء الازمة العراقية كان يبدو وسطيا ومحايدا ويدعم التسوية بين الخصمين الشيعيين وذلك بهدف تشكيل معسكر سياسي شيعي موحد، مضيفا ان طهران برغم ذلك، حاولت تولي الامور بنفسها بشكل مباشر.
واعتبر التقرير ان قائد قوة القدس الجنرال اسماعيل قاآني لم يتمكن من مضاهاة مكانة قاسم سليماني داخل العراق، مشيرا الى ان غيابه شكل "نقطة ضعف رئيسية في موقف ايران خلال هذه الازمة".
كما ذكر بأن قااني زار العراق عدة مرات منذ انتخابات تشرين الاول/ اكتوبر لإقناع الصدر وحلفائه الكورد والسنة بعدم استبعاد فصائل الاطار التنسيقي.
وتابع قائلا انه يعتقد ان قاآني سعى لإقناع الاطار التنسيقي بالتخلي عن ترشيح محمد السوداني لرئاسة الوزراء كحل وسط مع الصدر.
حذر ايران
تحدث التقرير عن "موقف حذر بشكل غير عادي" من جانب ايران ازاء الاحداث الحاصلة في العراق، مما يشير الى انها ليست قادرة على التصرف بشكل استباقي استنادا الى مصالحها واولوياتها، مضيفا ان التطورات غير المرتبطة بالعراق قد يكون لها دور في هذا الحذر الايراني، بالاضافة الى الدوافع الاقتصادية والسياسية والاقليمية والعالمية، حتى تتجنب طهران الظهور بشكل المتورط في ازمة العراق الحالية.
واوضح التقرير ان ذلك قد يكون مرتبطا بالمفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، والتي تؤشر الى تطور في موقف ايران السياسي اقليميا، مضيفا ان القيام بدور تصالحي مع "اصدقاء واشنطن" في المنطقة، بما في ذلك مع الحكومة العراقية، من شأنه المساعدة في تحسين سمعة طهران في الغرب، وهو ما قد يساعد ايران في المفاوضات.
كما لفت الى ان ايران حاليا في مرحلة خفض التصعيد مع السعودية والامارات وهي خطوة قد تؤشر الى صداقة ايرانية مع شركاء واشنطن الاقوى في المنطقة، مضيفا ان ما بين ايران وقطر التي حوصرت، ايضا علاقة استراتيجية متنامية، مهدت امام الدوحة لعب دور الدعم للحوار بين طهران والغرب حول احياء الاتفاق النووي.
ايران والخليج
وتابع التقرير ان علاقات مشابهة بين ايران والسعودية والامارات، من شأنها ان تصب في صالح العلاقات الامريكية الايرانية، مشيرا الى انه من اللافت ان المصالحة مع السعودية تتم من خلال وساطة تقوم بها بغداد، وهو ما يعني ان الحاق الضرر بالعلاقات مع العراق، لن يؤدي سوى الى تقويض الفرص التي يوفرها الانفتاح الاخير بين ايران والدول الخليجية.
وبالاضافة الى ذلك، يقول التقرير ان قيام ايران "بإصلاح بعض السياسات الخارجية للمساعدة في بقاء النظام الايراني، سيكون الخيار العقلاني في هذه المرحلة"، مشيرا بذلك الى المصاعب الاقتصادية التي تواجه ايران.
وخلص التقرير الى القول ان ايران تتصرف بحذر وهي تسعى الى الترويج لتسوية سياسية تشمل جميع الاحزاب التقليدية في العراق بهدف تشكيل حكومة توافقية عوضا عن اجراء تغيير سياسي او دستوري بشكل جذري لنظام العراق السياسي.
وبعد الاشارة الى اوضاع اسواق النفط العالمية، قال التقرير ان ايران تضغط من اجل استخدام نفطها كبديل لقطاع الطاقة الروسي الذي يتعرض للعقوبات، وهي بذلك لا ترغب في انفاق رأس المال المالي والعسكري والاستخباراتي والسياسي على المأزق العراقي، خصوصا ان نفوذها مع وكلائها العراقيين متراجع.
الا ان التقرير اكد ان العراق ما زال يشكل اهمية كبيرة بالنسبة لايران لدرجة أنه يطلق عليه "الرئة الاقتصادية" لايران، الى جانب انه يؤمن لها الارتباط بالاسواق في لبنان وسوريا.
ولفت التقرير بالاشارة الى انه في المراحل الاولى من الغزو الامريكي للعراق، كانت ايران تؤيد درجة معينة من الانقسام داخل المعسكر الشيعي في العراق، مذكرا في هذا السياق، بأن طهران هي التي شجعت قيس الخزعلي على الانشقاق عن التيار الصدري، وهي التي شجعت ميليشيات منظمة بدر على الانفصال عن المجلس الاعلى للثورة الإسلامية في العراق (الذي كان يعرف وقتها باسم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق).
لكن الان، وفي ظل الاستياء العراقي العام ازاء القوى الشيعية في اطار المشكلة العراقية الاوسع، فان ايران تبذل جهدها الاكبر من اجل تجنب تفاقم الصراع السياسي بين النخبة الشيعية، خصوصا ان القوى السنية والكوردية تتمتع بفترة صعود سياسي، ولهذا فان طهران لا ترغب في خلق ظروف تسهل تراجع هيمنتها على الساحة العراقية.
تحديد الادوار وديناميكيات متغيرة
وختم التقرير بالقول انه برغم شبكة نفوذ ايران بالوكالة عبر مختلف القطاعات في عراق ما بعد العام 2003، الا ان نهجها متحفظ ازاء المأزق العراقي الحالي، وهو ما يعكس تراجعا كبيرا لنفوذها.
ومع ذلك، اعتبر التقرير ان الوضع الحالي يشكل فرصة لايران من اجل اعادة صياغة وضعها العراقي، والانتقال من مجرد لاعب اقليمي قوي الى حليف اقتصادي قوي ايضا.
وتابع قائلا انه في حال لم تعمد طهران الى اعادة النظر في دورها في العراق حيث يشهد معارضة كبيرة في المجتمع العراقي لدورها، فإن طهران ستجازف بذلك بخسارة مصالحها طويلة المدى في هذا البلد، ويتبقى لها فقط مصالحها القائمة على المدى القصير.