شفق نيوز/ اعتبر معهد "المركز العربي في واشنطن" الامريكي ان حرب غزة ادت الى اعادة سحب التركيز الاميركي الى الشرق الاوسط مثلما كان عليه الوضع لعقود من الزمن، بعد سنوات من المحاولات التي بدأتها ادارة باراك اوباما لـ"التمحور نحو الشرق" والتركيز على التحدي الصيني، مضيفا في الوقت نفسه ان الشرق الاوسط يمكن ان يمثل فرصة للتلاقي بين واشنطن وبكين، وتحسين العلاقات بينهما.
وبداية ذكّر التقرير الأميركي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ بأن عبارة "التمحور نحو الشرق"، التي شاعت خلال إدارة أوباما، تشير الى ادراك الاهمية المتزايدة للصين والمصالح الاميركية المتزايدة في الشرق الأقصى، وبالتالي الحاجة الى ايلاء اهتمام أقل للشرق الاوسط والمزيد الاهتمام بتوازن العلاقة مع الصين، موضحا أن الفكرة الجوهرية لرغبة أوباما كانت تتمثل في انهاء التدخلات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان وتخصيص المزيد من الجهود الدبلوماسية والموارد للدول المطلة على المحيط الهادئ.
وتابع التقرير؛ أنه بينما "نجح أوباما في سحب الجزء الأكبر من القوات الاميركية من العراق، الا انه لم يتمكن من تحقيق انسحاب مشابه من أفغانستان؛ وهي مهمة تم تحقيقها لاحقا ولكن بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الأولى من إدارة جو بايدن".
وبعدما قال التقرير إن ادارة بايدن اختارت عدم الاستثمار في عملية سلام جديدة في الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث الأولى لها في الحكم، على امل تخصيص المزيد من الوقت والموارد للشرق الاقصى، الا ان "حرب غزة أدت مؤخرا إلى سحب التركيز الأميركي إلى ما كان عليه لعقود من الزمن".
وتابع التقرير قائلا إنه من المفارقات أن دول الشرق الأقصى، وتحديدا الصين وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، قامت لأسباب مختلفة، بتكريس اهتمامها الاقتصادي والدبلوماسي المتزايد للتمحور والتوجه نحو الشرق الأوسط، مضيفا أن الدول الثلاث عززت من مستوى حضورها التجاري، خاصة مع منطقة الخليج، وإنما بمستويات متفاوتة من الانخراط السياسي، موضحا ان كوريا الشمالية أدرجت نفسها بشكل مباشر في المعسكر المناهض لأمريكا، فتقاربت مع ايران وحلفائها من اللاعبين المحليين، بينما احتفظت الصين وكوريا الجنوبية بعلاقات أوسع نطاقا، ولديهما على الاقل خيار انتهاج سياسة أكثر توازنا في التعامل مع المتخاصمين في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يسمح لهذين البلدين بلعب دور أكثر دبلوماسية.
صعود الصين في الشرق الاوسط
وبعدما استعاد التقرير وثيقة السياسة العربية للصين في العام 2016 والتي تحدد علاقات طويلة الأمد مع العالم العربي، والتركيز ايضا على حق الفلسطينيين في اقامة دولة ذات سيادة ومستقلة خاصة بهم على حدود ما قبل العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ذكر أيضا بالاتفاق المعلن عنه في آذار/مارس 2023 والذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران، والذي يسلط الضوء على بكين كوسيط محتمل في صراعات الشرق الاوسط.
واشار التقرير الى ان الصين أظهرت للمرة الاولى علامات الخروج من العزلة الدبلوماسية النسبية خلال العام 2008 عندما أرسلت قوة بحرية للمشاركة في مهمة دولية لمكافحة القراصنة في القرن الافريقي، كما أقامت قاعدة صغيرة في جيبوتي في العام 2017، وهي أول قاعدة عسكرية خارجية على الاطلاق للصين، ما سمح لها بتمركز قواتها على الممر المائي الاستراتيجي في باب المندب، الى جانب قواعد أمريكية وفرنسية وألمانية ويابانية.
وبرغم ذلك، قال التقرير إن النفوذ الدبلوماسي الصيني لا يزال محدودا، خصوصا في المياه الصعبة في الشرق الأوسط، ومن غير المرجح أن يتوفر لديها دور رئيسي في معالجة حرب غزة - على الرغم من وجود علاقات لها مع كل من الفلسطينيين والاسرائيليين، حيث لم يقم أي من الطرفين بالاعتماد عليها بشكل كاف بما يتيح لها القيام بممارسة نفوذ مباشر.
وأشار التقرير إلى أن الصين قد لا تكون مستعدة لتحل مكان الولايات المتحدة في هذا المجال، الا انها مستعدة، بسبب علاقاتها الآخذة بالتوسع، وخصوصا في الخليج، من أجل تقديم المساعدة خاصة وان حرب غزة أظهرت فشل الدبلوماسية الامريكية في تحقيق سلام دائم بين الاسرائيليين والفلسطينيين، في حين أنه لدى الصين والولايات المتحدة اهداف ومصالح مشتركة في شرق اوسط ينعم بالسلام والرخاء، كما أن لديهما مصلحة في تحويل منافستهما العالمية إلى تعاون بدلا من المجازفة بتصاعد العداء بينهما.
ورأى التقرير أنه لا ينبغي أن يكون من الصعب توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل المشاريع الدبلوماسية، مضيفا أنه في ظل تعثر النفوذ الأمريكي وانتشار الصراعات الاقليمية الى المجالات الدولية، فإن الصين قد تكون قادرة على المساعدة بالنظر إلى علاقاتها الوثيقة مع كوريا الشمالية وإيران بشكل خاص.
التطلع الى الامام
وذكر التقرير أنه من بين دول الشرق الاقصى الثلاث، تعتبر كوريا الشمالية الدولة الأكثر انجذابا الى الاستقطاب السياسي في الشرق الأوسط، مضيفا انه برغم ان هذا الاصطفاف قد يكون نتيجة لفشل الدبلوماسية الأميركية وما نتج عن ذلك من عزلة لكوريا الشمالية، فانه ايضا يظل خيارا اتخذته قيادة كوريا الشمالية والذي يقلص فعليا من خياراتها تجاريا وسياسيا.
وتابع التقرير؛ أن كوريا الجنوبية في المقابل، اتخذت مسارا أكثر حيادية في السياسة الاقليمية على الرغم من محاولتها ان تصبح اكثر توافقا مع واشنطن، مضيفا أن القوة الناعمة لكوريا الجنوبية، والتي تقدمت من خلال التواصل الثقافي الناجح عبر موسيقى البوب والافلام والمراكز الثقافية التي تروج للغة الكورية في الخارج، ساهمت في تعزيز علاقاتها الودية على مستوى العالم، وأصبحت صادرات كوريا الجنوبية من منتجاتها التكنولوجية والصناعية الان تتمتع قدرة تنافسية عالية مع الدول الاكبر حجما والاكثر ثراء.
واضاف التقرير ان جمع كوريا الجنوبية بين السياسة الخارجية المحايدة نسبيا والانخراط الثقافي والتجاري الناجح، يضعها في موضع أكثر ملاءمة للقيام بدور دبلوماسي أكثر قوة في الشرق الاوسط، في حال اختارت قيادتها القيام بذلك.
اما بالنسبة الى الصين، فقد قال التقرير إنها بحكم وزنها الاقتصادي والعسكري، واستثماراتها المتزايدة في دول مثل السعودية، بالإضافة الى اهتمامها المعلن بلعب دور سياسي في الشرق الأوسط، فإنها الأكثر قدرة على المساهمة في حل الصراعات في المنطقة، مضيفا انه الى جانب الاتفاق الذي رعته بين السعودية وإيران، فإن قادة الصين عرضوا المساعدة في إنهاء الحرب على غزة والعمل من أجل حل أكثر استدامة من خلال تنفيذ "حل الدولتين".
وذكر التقرير بأن مجلس الأمن الدولي صوت في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، (تحت الرئاسة الصينية للمجلس، على قرار لوقف إطلاق النار في غزة برعاية دولة الإمارات وبدعم قوي من بكين، حيث جرت الموافقة على القرار باغلبية 13 عضوا، لكن واشنطن عارضته بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت، بينما أعربت وزارة الخارجية الصينية عن خيبة أملها إزاء الاستخدام الأمريكي المتكرر لحق الفيتو وتعهدت بالاستمرار في العمل من اجل انهاء الحرب.
الا ان التقرير ختم بالقول إن المفتاح إلى نجاح الصين يكمن في العمل مع الولايات المتحدة، وليس ضدها، لأن واشنطن قادرة دائما على منع أي خطوة للأمم المتحدة، وكثيرا ما تستخدم حق الفيتو لإحباط أي جهد لا توافق عليه إسرائيل. لكنه التقرير تابع قائلا إن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها فيما لو اختارت ذلك، إقناع إسرائيل بالخضوع لقرارات الأمم المتحدة، بينما بإمكان الصين من جهتها، ان تجلب إيران وحركة حماس الى طاولة المفاوضات.
وخلص التقرير الأمريكي إلى القول إن نجاح العمل الصيني الأمريكي المشترك في الأمم المتحدة لن يؤدي الى تعزيز فرص السلام فحسب، وإنما سيقود ايضا الى تطوير العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في كافة المجالات.
ترجمة: وكالة شفق نيوز