شفق نيوز/ تسبب الشح المائي الذي يضرب العراق وهو الأقسى منذ نحو قرن بحسب مختصين، بارتفاع نسب الإصابات بأمراض مختلفة، نتيجة إلقاء مؤسسات حكومية وأهلية مواد ملوثة وسامة والمياه الثقيلة (المجاري) في الأنهار، وصعوبة معالجتها بالطرق السابقة من خلال استخدام اطلاقات مائية اضافية من الخزين الاستراتيجي لتخفيف تركيز الملوثات ودفعها بعيدا.
ويعاني العراق من شح مائي تفاقم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب قلة الأمطار وتراجع الإيرادات الواردة من دول الجوار المائي، حتى بات يستلم أقل من 30% من استحقاقاته الطبيعية، هو ما انعكس على صحة الانسان والحيوان وحتى النبات، بحسب المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، د.خالد شمال.
ويضيف شمال لوكالة شفق نيوز، ان "هناك مؤسسات حكومية وقطاع خاص ترتبط بامانة بغداد، وبدوائر البلدية، وبوزارات الكهرباء والنفط والصحة والبيئة والصناعة وغيرها، وهذه جميعها تلقي بالملوثات والفضلات بأنواعها السائلة او الصلبة او ذات الطبيعة الكيميائية او البيولوجية او المشتركة، على عمودي نهري دجلة والفرات".
ويبيّن، ان "إلقاء الملوثات قسم منها يتم بشكل مباشر وهم المتجاوزون، وقسم آخر يتم من خلال محطات معالجة، وهذه المعالجة غير مكتملة او غير مؤهلة وكافية لمعالجة المياه، ما يتسبب بزيادة تراكيز الملوثات والمواد السمية والعناصر المضرة على الانسان والبيئة".
صعوبة استخدام الطرق القديمة
في السابق، كانت وزارة الموارد المائية تعالج الموقف عبر اطلاقات اضافية من الخزين الاستراتيجي او من الايرادات المتحققة، بتعزيز المياه في نهر دجلة او نهر الفرات او الانهر الاخرى كديالى، لتخفيف نسبة تركيز الملوثات والدفع بها بعيدا، وفق شمال الذي أشار إلى ان "هذا الاجراء حاليا صعب تحقيقه لسبب بسيط، وهو قلة الخزين الإستراتيجي، فلا يمكن الضغط على الخزين باتجاه هكذا اعمال لكونه في موقف حرج جدا".
ويدعو المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، جميع الادارات المعنية بالمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص المشمولة بهذا الجانب، والتي لديها تصريف فضلات او مياه إلى عمودي نهري دجلة والفرات، او نهر ديالى او غيره، او اي ممر او مجرى مائي عراقي، إلى "الابتعاد عن هذا الامر، والارتقاء بالشرف المهني والوظيفي، والحفاظ على الممرات المائية من الملوثات، وتأهيل وتطوير محطات المعالجة المرتبطة بها".
زيادة التراكيز السُمّية والملحيّة
يعد الشح المائي الحالي الذي يمر به العراق من الاقسى منذ 92 عاماً، وتسبب بارتفاع نسب الاصابات بالامراض ما بين المواطنين نتيجة لزيادة التركيز السُمّية والملحيّة، وتتكون التراكيز السمية من القاء اغلب المحافظات معظم المياه الثقيلة للمجاري المنزلية والصناعية بالأنهار، بينما تتكون التراكيز الملحية نتيجة لقلة الواردات المائية، بحسب الناشط البيئي، أحمد صالح.
ويوضح صالح لوكالة شفق نيوز ان "الانهار لا تركد مياهها، لكن تجري جريانا بطيئا وبكميات مائية قليلة، وهذه الكميات لا تزاحم النسب الكبيرة من السموم (المياه الثقيلة) التي تقذفها البلديات في الانهار، لذلك تتحمل المحافظات الجنوبية الضرر الاكبر كونها محافظات مصب وليست منبع، فهي تلقي بالمياه الثقيلة بالانهر وفي الوقت نفسه تتحمل ما تلقيه محافظات الشمال والوسط".
اما الضرر الاكبر فهو من نصيب الاهوار، وفق صالح، على اعتبار انها مسطحات مائية من الممكن ان تكون راكدة فيما لو استمرت الاطلاقات عليها، كما انها تتعرض إلى جفاف سريع بسبب وجود كميات كبيرة من الطحالب والنباتات الماصة للمياه، بالإضافة إلى القصب المبخر للمياه، ما يؤدي إلى ارتفاع نسب الملوحة وزيادة التراكيز السمية نتيجة للمياه الملوثة، وعدم وجود مياه كبيرة تزاحمها، وبناء على ذلك تحدث امراض وسرطانات وموت الكثير من الاحياء المجهرية الداخلة في عمليات التوازن البيئي في السُلّم الغذائي الموجود في الاهوار.
ظاهرة التلوث العضوي
يؤكد الأكاديمي والخبير البيئي، د. شكري الحسن، ان "المياه الراكدة والآسنة لها تأثير واضح على البيئة المائية خصوصا عندما تنخفض مناسيب الانهار وانسيابها باتجاه معاكس إلى مجرى النهر، حيث من الممكن ان تلوث المياه العذبة الموجودة في النهر نفسه من خلال زيادة نسبة المغذيات الموجودة، وبالتالي سوف تزيد من التلوث العضوي والذي يؤدي إلى نضوب الاوكسجين الموجود في المياه ويؤدي إلى زيادة المغذيات والطحالب ومن ثم يتحول إلى زيادة الملوثات الجرثومية".
ويضيف الحسن لوكالة شفق نيوز، ان "المياه الآسنة عندما تدخل إلى المسطح المائي سوف تُفعل من نشاط البكتيريا الموجودة التي تقوم باستهلاك الاوكسجين الموجود في المياه، والمسطح المائي عندما ينضب فيه الاوكسجين الذائب خصوصا تحت 5 ملغرام لكل لتر (كمحدد بيئي)، فهذا سوف يؤدي إلى مشاكل للاحياء المائية الموجودة في ذلك المسطح، خصوصا الاسماك، حيث يصبح من الصعوبة على الاسماك ان تتأقلم مع هذا الوسط المائي القليل الاوكسجين، وقد يتسبب بنفوقها".
ويشير إلى ان "هناك الكثير من هذه الحالات في العراق خصوصا في الانهر الداخلية المتفرعة عن شط العرب في مدينة البصرة التي اصبحت مكبا لمياه المجاري وباتت تعاني من ظاهرة التلوث العضوي، وبالتالي لا تستطيع الاحياء المائية ولا الاسماك ان تتواجد فيها، لذلك من المخاطر البيئية ان تتسع مسطحات المياه الراكدة والآسنة على حساب مسطحات المياه العذبة، وهذه مشكلة منتشرة في العراق ولابد من ايجاد العلاجات للحد منها".
اضرار استخدام المياه الراكدة
من جهته يوضح مدير قسم تعزيز الصحة في وزارة الصحة، د.هيثم العبيدي، ان "المياه الراكدة بيئة جيدة لنمو وتكاثر انواع مختلفة من البكتيريا الضارة، وكذلك الطفيليات والديدان وغيرها، وفي الوقت نفسه هي مكان لنمو اليرقات التي تكون فيما بعد حشرات ضارة ونواقل لامراض مختلفة، وبالتالي فإن استخدام المياه الراكدة قد يتسبب بأمراض كثيرة معوية او جلدية، مثل البلهارسيا وغيرها من الامراض التي يكون المسبب فيها طفيلي، او نوع من انواع الطفيلي في فترة حياته".
ويتابع العبيدي لوكالة شفق نيوز، "وفيما يخص نشوء ونمو الطفيليات او نواقل الامراض مثل البعوض وغيره، فقد يتسبب بأمراض مثل اللشمانيا أو حبة بغداد وكذلك مرض الكلازار او اللشمانيا الداخلية، اما بالنسبة لما يخص الامراض الجلدية الاخرى غير اللشمانيا او حبة بغداد، فقد يحدث تحسسا في حال تلامس هذه المياه الملوثة مع الجلد مباشرة، ما قد يتسبب في احمرار وتهيج وحكة قد تستمر لفترة طويلة".
ويضيف، "كذلك قد يتسبب استخدام المياه الراكدة والآسنة بالالتهابات الجلدية والأخماج الجلدية مثل التهاب الغدد الدهنية القيحي والتهاب الجروح وغيرها، فضلا عن امراض في العيون وكذلك في الجهاز البولي".