شفق نيوز/ لم تكن تتوقع "شهد معد" أن تتحول فكرة إنشاء مشروع لبيع الألبان والمخللات إلى أرض الواقع بعد طرح ذلك مزحة على عائلتها التي أعجبت بـ"الطرشي" الذي أعدته قائلة مبتهجرة بعملها "سوف افتتح متجراً لبيع المخللات يحمل اسمي في الديوانية"، لتبدأ بعدها بإنشاء صفحة على "فيسبوك" لبيع المنتجات من البيت، ثم تطور عملها بعد اكتسابها شهرة واسعة على مواقع التواصل والإقبال المتزايد على بيتها لتقرر افتتاح مشروع (ألبان ومخللات الشهد) جنوبي العراق.
وتصنف الديوانية من المدن الفقيرة كونها تفتقر إلى الموارد الاقتصادية والمالية وتعتمد على الزراعة، حيث تعد ثاني أفقر محافظة بعد المثنى في نسبة الفقر حسب إحصائيات حكومية ورسمية، بنسبة تصل إلى 47 في المائة.
وتشكل النساء نحو 60% من السكان في محافظة الديوانية 180 كم جنوب بغداد، حسب احصائيات شبه رسمية، فيما اتسعت نسبة ممارسة المرأة لأعمال متنوعة في دوائر الدولة والقطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه المرأة العراقية للدخول إلى سوق العمل، إلا أن هناك قصص نجاح لنساء تمكّن من تجاوز المعرقلات وافتتحن مشاريعهن الخاصة، منهن "شهد معد" التي طرحت فكرة مشروعها على سبيل الطرافة لعائلتها لتحقق بعدها نجاحاً أسهم في توظيف عاملين بمحافظة الديوانية.
كيف بدأت ؟
عن بداية تجربتها في عمل الطرشي، تحدثت شهد، لوكالة شفق نيوز، أنها بدأت عام 2022، حيث قامت بكبس طرشي في البيت، وكان جيداً ولذيذاً.
ولم يكن في ذهن شهد، امتهان بيع الطرشي إطلاقاً، لكنها تحدثت عن الموضوع مع عائلتها على سبيل الطرافة، ومن ثم تحول إلى حقيقة، وكان العمل في البداية على الحليب ومشتقاته ومن ثم قامت بإضافة الطرشي، لذلك كان المشروع صدفة دون تخطيط أو دراسة سابقة له، بحسب قولها.
وأضافت الشابة شهد، وهي في عقدها العشرين: "بدأت العمل من خلال صفحة على فيسبوك أروج من خلالها على المنتجات التي أوفرها، ونالت رضا المواطنين ما جعلني استمر في البيت لفترة من الوقت، إلى أن افتتحت متجراً بعد طلبات المواطنين وتحفيزي لهذه الخطوة".
وأكدت: "كنت مترددة وخائفة في البداية أن اتعرض للانتقاد أو إلى أي أمور سلبية، لكن لم أرَ إلا الدعم والتشجيع على التقدم من قبل المجتمع الديواني وكذلك من باقي المحافظات العراقية وحتى من محافظات إقليم كوردستان، لذلك لم أواجه أي صعوبة سوى أني لم يكن لدي معرفة سابقة بكيفية الإدارة، فلم يكن لدي تجربة ماضية بسوق العمل، لذلك فشلت كميات من المنتجات عند العمل أو نتيجة شراء كميات كبيرة منها في ظل عدم معرفتي بكيفية حفظ المنتجات الزائدة من التلف".
موظفة حكومية
وعن كيفية تنظيم وقتها مع وظيفتها الحكومية، قالت شهد معد: "وظيفتي في وزارة التربية لا تؤثر على عملي، حيث أقوم بترتيب أوقات العملين دون أن يؤثر أحدهما على الآخر، كما أجعل بين العملين استراحة قليلة، وما ساعدني على ضبط العملين هو توظيف عمال معي من كلا الجنسين لإدارة شؤون المتجر، ونعمل كعائلة داخل بيت وليس كعمال في محل".
وعلى الرغم من أن نسبة النساء في المجتمع العراقي تقارب 49% من إجمالي السكان، إلا أن فرصهن في سوق العمل ما زالت ضئيلة، إذ لا تتجاوز نسبة النساء العراقيات العاملات 15% من نحو العشرين مليون امرأة، بينما تقع 85% منهن ضحايا عوامل تحجم دورهن في المجتمع عموماً وسوق العمل تحديداً.
وتضع سلسلة مشاكلات ومعوقات غالبية النساء العراقيات خارج سوق العمل، بينها ما يرتبط بالتقاليد الاجتماعية وبينها ما يرجع الى سوء التخطيط وفشل السياسات الحكومية، والنتيجة تعطل الاستفادة من طاقات بشرية قادرة على زيادة فرص التنمية المتعثرة داخل البلاد.
وتشكل نسبة النساء العراقيات العاملات في القطاع الخاص، نحو 29% من المجموع الكلي للعاملين في هذا القطاع، بحسب ورقة بحثية لمركز النهرين للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.
ووفق بيانات وزارة التخطيط العراقية، فإنّ 7% من النساء المستعدات للعمل ينجحن في الحصول على عمل فعلاً.
ولا تقتصر أهمية المشاركة الاقتصادية للنساء ودخولهن الفعال في سوق العمل على تحسين ظروف حياتهن الخاصة أو ظروف عوائلهن فحسب، بل يساهم ذلك في تحسين الاقتصاد العراقي بشكل مباشر.
وتقول منظمة العمل الدولية، إن العراق اذا نجح في دفع 25% من النساء الى العمل، فإن إجمالي الناتج المحلي السنوي يمكن أن يرتفع إلى 2527 دولاراً للفرد الواحد في البلاد، أي ما يعادل 11% من نسبة تعادل القيمة الشرائية، بما يعني تحقيق زيادة إجمالية في الدخل القومي تصل إلى 73 مليار دولار.
وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في تشرين الأول 2020 فإن هناك أقل من 15% من النساء يشاركن في سوق العمل في كل من العراق والأردن، و26% فقط في لبنان. وتُعدّ هذه النسب من بين أدنى معدلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم، ويشير التقرير إلى أن خلال مرحلة "الاستعداد لدخول سوق العمل"، تحتاج النساء والفتيات إلى المهارات المناسبة للاستعداد للانتقال بنجاح من الدراسة إلى العمل.
وخلال مرحلة "دخول سوق العمل والاستمرار فيه"، فإن النساء يواجهن حواجز قد تمنعهن من الدخول أو تؤدي إلى انسحابهن. ومن بين هذه الحواجز: القيود القانونية، والتوقعات الاجتماعية المقيّدة، والتمييز من جانب أرباب العمل، والتحرش في مكان العمل، والقيود في التنقّل.
على سبيل المثال، تعرضت واحدة من بين كل ثلاث نساء في البلدان الثلاثة لتحرش لفظي في الأماكن العامة، وتعرضت واحدة من بين كل خمس نساء في العراق ولبنان وواحدة من كل 10 نساء في الأردن لتحرش جسدي.
أما مرحلة "الزواج" فتقترن بمجموعة أخرى من القيود على عمل المرأة في القطاع الرسمي نظراً للقيود الاجتماعية والقانونية المتعلقة بدورها كزوجة. فعلى سبيل المثال، تظهر البيانات الخاصة بالأردن وإقليم كوردستان العراق أن فرص قبول عمل المرأة خارج المنزل تتراجع كثيراً بمجرد زواجها، بحسب تقرير البنك الدولي.