شفق نيوز/ بات اللجوء الى الاستثمار العقاري في العراق "وسيلة آمنة للكثير من عمليات غسل الأموال"، خاصة بعدما تعرضت التحويلات الخارجية للأموال للمراقبة والمتابعة والحظر من قبل الخزانة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي، "ليتجه معظم الفاسدين إلى غسل الأموال داخلياً من خلال شراء العقارات والاستثمار بها"، بحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قانون الاستثمار في العراق - وفق ما يقوله عيد لوكالة شفق نيوز - تعترضه العديد من العراقيل والازدواجية، "أولها تضارب هذا القانون مع قوانين استثمار أخرى في وزارات الدولة، رغم أن قانون الاستثمار رقم 13 له الأولوية التشريعية من حيث المبدأ، إلا أن قانون الاستثمار ذاته لا يحمي أموال المستثمر (العراقي والأجنبي) ويُطالب القانون بكشف الذمة المالية للمستثمر، لذلك فإن من يتجه إلى الاستثمار وفقاً لهذه البنود يكون قد بنى علاقاته مع جهات متنفذة وفقاً للمصالح المشتركة بينهما".
ويشير الباحث الاقتصادي، إلى أن "من بين الأسباب التي دفعت للاستثمار هي تزايد عدد السكان والتوسعة العمرانية والحاجة الملحة لمزيد من الوحدات السكنية، ولا ضير في قضية الاستثمار من أجل التوسعة، إلا أن ما يحدث، هو أن مراكز المدن أصبحت مكتضة بالسكان ولا تحتمل الطاقة الاستيعابية خاصة في العاصمة بغداد".
ويرى، أن "المشاريع السكنية لا تعالج أزمة السكن المتزايدة في العراق، في ظل وجود أكثر من 4 ملايين مسكن عشوائي، فضلاً عن حاجة البلد لأكثر من 4 ملايين وحدة سكنية".
ويكشف، أن "استثمار المشاريع السكنية لا يخلو من الفساد، حيث هناك الكثير من المجمعات والمدن السكنية تشوبها الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة الشركات الاستثمارية المنفذة، أو جودة مواد البناء التي تستخدمها هذه الشركات في عمليات الإنشاء والتجهيز".
ويتابع، "كما هناك مجمعات سكنية أحيلت للاستثمار إلى شركات منفذة منحت الأراضي والإجازات الاستثمارية وفقاً لعلاقاتها مع الجهات المعنية، ولم تكن بالمستوى المطلوب في جودة عملها والمواد المستخدمة في إنشاءاتها، حيث لا تُقارن كلفة الإنشاء البسيطة مع مستوى مبالغ البيع الهائلة".
ويؤكد، أن "المواطن لا يستفيد من هذه الاستثمارات لأنها تعود لشركات ربحية تعمل وفقاً للسياسة الاحتيالية، كما أنها تابعة لجهات سياسية أو مكاتب اقتصادية لميليشيات وأحزاب متنفذة، ولا تمتلك الخبرة الكافية".
الحيز الأكبر للاستثمار العقاري
ويصل الاستثمار العقاري إلى نسبة 80 بالمائة من إجمالي الاستثمارات في العراق، تاركاً خلفه استثمارات كبيرة وعريقة من ضمنها قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة التي تشغل الأيدي العاملة ويكون مدخولها المادي كبيراً على العراق وتساهم في الحد من عجز الموازنة، لكن رغم ذلك يلاحظ أن الاستثمار العقاري له الحيز الأكبر، بحسب الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج.
ويوضح الفرج لوكالة شفق نيوز، أن "الاستثمار العقاري، رغم أنه مهم بسبب تضاعف أعداد سكان العراق كل 25 عاماً، وهناك حاجة إلى بناء 3 ملايين وحدة سكنية، لكن ما يحصل هو أن الاستثمار العقاري والمجمعات السكنية هي خارج قدرة المواطن الفقير والموظف البسيط وأصحاب الدخل المحدود والمتوسط، بل هي لأصحاب الدخل العالي من التجار والمقاولين وغيرهم، وهذه مشكلة كبيرة ولن تحل أزمة السكن".
ويعزو الخبير الاقتصادي الاهتمام الكبير بالاستثمار العقاري، إلى "وجود فساد مالي وإداري وضعف في القانون وعدم محاسبة المقصرين والفاسدين، كما يعتبر سريعاً وفيه كومشنات عالية وغير مكلف للمستثمر الذي يحصل على تسهيلات كبيرة من قبل الحكومة دون الأخذ بنظر الاعتبار المواطن الفقير".
استثمار موجه للسكن فقط
بدورها، تبين عضو لجنة الاستثمار النيابية، سوزان منصور، أن "العراق يعاني من استثمار موجه للاستثمار السكني فقط، حيث إن أكثر الاستثمار الحالي في العراق هو الاستثمار السكني لربحه العالي والمستثمرين يتلاعبون بالأسعار على مزاجهم".
"ويبلغ سعر أقل شقة سكنية في بغداد من 300 إلى 500 ألف دولار، وهذه الأسعار خارج قدرة الموظف البسيط، حتى في حال قدّم المواطن على المصرف العقاري فإنه أقصى ما يستطيع تحصيله هو 120 مليون دينار، لذلك لا يستطيع الشراء من هذه المشاريع السكنية"، تقول منصور لوكالة شفق نيوز.
وتقترح منصور، أن "على الحكومة بدل إعطاء الاستثناءات للمشاريع السكنية أن تشجع على الصناعة الوطنية لتشغيل الشباب من خلال إعطاء الاستثناءات إلى المصانع التي الكثير منها متوقف حالياً، وكذلك الاهتمام بالزراعة خاصة وأن العراق كان يطلق عليه أرض السواد لخصوبة أرضه، وأن التشجيع على الصناعة والزراعة يساهم في دعم الاقتصاد العراقي في ظل المخاوف من انخفاض أسعار النفط".
أما ارتفاع أسعار العقارات، فهي تعود - بحسب مصدر مطلع تحدث لوكالة شفق نيوز - إلى أمرين، الأول "ارتكبه البنك المركزي العراقي بزيادة نسبة القروض الممنوحة للعقارات إلى 125 مليون دينار، ما جعل البائع يرفع السعر ما انعكس سلباً على المواطن".
وعن الأمر الآخر، يوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أنه "بعد تضييق الخناق على غاسلي الأموال وعلى الفساد المالي والإداري في العراق إثر الضغوط التي مورست من قبل الفيدرالي والخزانة الأمريكية لمكافحة تهريب الأموال إلى الدول المحظورة، بات اللجوء إلى شراء العقارات في الداخل بدل تهريبها".
ويلفت إلى أن "غاسل الأموال يتصور أن بعملية تغيير نوع المال من أموال مستحصلة بطريقة غير مشروعة إلى أموال مستحصلة من بيع العقارات ستنظف أمواله، لكن هذا التصور خاطئ، وستبقى هذه الأموال قذرة لأن مصدرها غير نظيف، فهذه المشكلتين الأساسيتين وراء ارتفاع أسعار العقارات في العراق".