شفق نيوز/ تضم منطقة عكاشات التابعة لبلدة الوليد ضمن مدينة الرطبة أقصى غربي محافظة الانبار العراقية، أكبر مناجم للفوسفات في البلاد، والتي كانت قبل الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 أحد البقع التعدينية الرئيسة إلى جانب النفط والغاز، حيث توفر احتياجات الطلب الداخلي.
وقبل حرب الخليج الأولى عام 1991 كان العراق يصدر الفوسفات لدول شرق وشمال شرق آسيا ودول أوربية عدة، إلا أن يد الإهمال والإرهاب المتمثل بـ"الاحتلال الامريكي" ثم باجتياح تنظيم "داعش"، محافظة الأنبار، تسبب بتدمير البنى التحتية في المناجم، التي أسهمت شركات يوغسلافية في سبعينات القرن الماضي بتطويرها آنذاك.
ووفقاً لمسؤول محلي في المحافظة فإن المناجم بالمجمل تعاني "من إهمال حكومي من بغداد، جعل منها منطقة مهجورة، بالإضافة إلى أن سيطرة جهات مسلحة على المنطقة، يعيق إتمام أي عملية لاستثمار المنجم، المملوك لوزارة الصناعة".
ويقول المسؤول لوكالة شفق نيوز، طالباً عدم كشف هويته، إن "وزارة الصناعة والمعادن العراقية، رفضت الموافقة على عروض عدة لاستثمار المناجم من قبل شركة بريطانية، ورغم محاولات الشركة لاستحصال موافقة الوزارة، طوال الخمس سنوات الماضية، إلا أنها باءت بالفشل".
فيما قال مدير ناحية الوليد، عبد المنعم الطرموز، إن "المنشآت التابعة لوزارة الصناعة والمعادن في الانبار تعاني الإهمال بشكل كامل، وخاصة مناجم فوسفات عكاشات، المتوقفة عن العمل منذ سنة 2003 مع أن الواردات التي تأتي من المنجم في حال تشغيله، لا تقل عن واردات تصدير النفط الذي تعتمده الحكومة العراقية في تمويل ميزانية الدولة".
وأضاف الطرموز، لوكالة شفق نيوز، أن "المناجم كانت تعمل بشكل تام، قبل عام 2003، كما أنها تحتوي على مدينة سكنية، إضافة إلى آليات عالمية الصنع وبأحجام ضخمة، إلا أنها باتت منطقة مهجورة، ولا يوجد حتى دوام للموظفين هناك".
وأشار، إلى أن "مناجم عكاشات تعاني من سوء الادارة، كما أنها بحاجة إلى دعم دولة كاملة وليس على مستوى محافظة فحسب".
واوضح، قائلاً "تضم ناحية الوليد، حقول عكاز الغازية ايضاً، إلا أنها تحظى بدعم كبير من وزارة النفط العراقية، على عكس مناجم الفوسفات، التي لا تلقى اي دعم من وزارة الصناعة".
وبين الطرموز، أن "ذريعة وجود ميليشيات تسيطر على تلك المناطق، لا يعني اطلاقاً عدم سماحها بالعمل على تشغيل المناجم، وفيما إذا التجأت الحكومة على العمل فيها، فنحن على اتم الاستعداد للتعاون معهم وتوفير بيئة آمنة للعاملين هناك"، مستدركاً، أن "إذا كان عدم الاستثمار في مناجم الفوسفات بذريعة سيطرة الميليشيات عليها، فلما لا يتم استغلال رمل الحديد والزجاج المتوفرين في المناطق الآمنة القريبة من منطقة الـ 160 ضمن قضاء الرطبة، علاوة على أنها تتوفر بكميات تسهم بتشغيل قرابة 20 معمل".
وتابع، أن "الاستثمار في مثل هذه المناجم او المعامل الكبرى، يتم عن طريق الحكومة المركزية وشركة المسح الجيولوجي، ولا يسمح للحكومات المحلية الموافقة على الاستثمار من عدمه ولا حتى التعامل مع المستثمرين". مؤكداً أن "الحكومة المحلية في الانبار خاطبت عدة مرات من أجل استثمار مناجم عكاشات، لكن وزارة الصناعة والمعادن، أشبه بالميتة".
ولفت الطرموز، إلى أن "المدينة السكنية في عكاشات، كانت تضم قرابة 7500 نسمة، غالبيتهم هم الموظفين في المناجم وعوائلهم، إذ كان يبلغ عدد الموظفين أكثر من 2000 شخص، وكل هؤلاء لا زالوا مهجرين ولا يسمح لهم بالعودة لمنازلهم حتى، وذلك بذريعة مخاوف من قيامهم بعمليات تهريب لثروات المناجم، خاصة وأن المنطقة تقع بالقرب من الحدود العراقية - السورية، ورغم مناشداتنا بالسماح بعودتهم إلا أننا لم نحظى بالرد حتى".
وحول إمكانية تهريب تلك الثروات، قال الطرموز، إنه "من المحال ذلك، كون العملية تحتاج الى آليات وتقنيات عالية جداً، لا تقل صعوبة عن عملية استخراج النفط".
وتابع، أن "قوات الحشد الشعبي والعشائري هي من تسيطر على منطقة عكاشات، كما أن طريق ( الرطبة – عكاشات ) وصولاً الى قضاء القائم، تسيطر عليه قوات الحشد الشعبي، فيما سيتم تسليم ملف الحدود السورية مع ناحية الوليد، الى قوات حرس الحدود ( اللواء الرابع ولواء 15 )".
من جهته كشف مسؤول في الشركة العامة للفوسفات التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، أن "الشركة وكافة منشآتها احيلت للاستثمار من قبل شركة تشيكية، إلا أن قرار صدر من مجلس الوزراء سنة 2020 منع استثمار الموارد المعدنية، وتم استغلال القرار من قبل بعض أعضاء مجلس النواب لأغراض سياسية وانتخابية، بحجة أن الفوسفات مواد خام، مما تسبب بإيقاف العمل على إتمام عملية الاستثمار".
وبين، أنه "لولا تلك العوائق لكان قد تم تشغيل العديد من منشآت الشركة". مؤكداً، أن "الشركة التشيكية، تمكنت من استحصال موافقات مبدئية على الاستثمار، وهي بصدد استحصال الموافقات الرسمية لاستثناء الفوسفات وكبريت المشراق من قرار مجلس الوزراء، كونها لن تقوم ببيع مواد خام، إنما ستنتج وتصدر مواد تصنيعية".
وبين، أن "وزارة الصناعة والمعادن سعت جاهدة في سبيل تشغيل منشآت شركة الفوسفات، حتى أنها قامت بطرح مشروع تأهيلها بدلاً من الاستثمار، لتعود وارداتها على ميزانية الدولة، وتم إدراج المشروع ضمن الموازنة الاتحادية لسنة 2021، إلا أنها لم تتمكن من استحصال الموافقة على ذلك، بحجة عدم توفر المبالغ الكافية".
وأشار إلى أنه "بالفعل هناك جهات مسلحة تسيطر على مناجم عكاشات، لكن حتى الآن، لم يتم المباشرة بأي اعمال هناك ليتم منعنا من قبلهم".
وقال معاون مدير عام شركة الفوسفات، احسان علي صالح، إن "أسباب توقف منجم عكاشات كان بسبب توقف الشركة عن العمل والإنتاج بشكل تام، منذ دخول قوى الظلام المتمثلة بالعصابات الارهابية منتصف شهر حزيران عام 2014 ولغاية اليوم، حيث تعرضت الشركة الى أعمال تدمير وسلب ونهب طال كافة معاملها ووحداتها الإنتاجية والخدمية".
وبين صالح، لوكالة شفق نيوز، أن "عملية تشغيل منجم عكاشات معتمدة ومرتبطة ارتباطا جذريًا مع عملية اعادة إعمار الشركة، وهي احد اقسام الشركة الرئيسي والمغذي للشركة بالمادة الأساسية لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية"، موضحاً، أن " اعادة الإعمار والتشغيل والتطوير مرتبطة مع عملية المصادقة على قانون الاستثمار المعدني المعدل الذي أعد لكي يتلاءم مع قوانين الاستثمار الحديثة ويتجاوز أية اخطاء او مشاكل ممكن حدوثها والذي ينتظر اصداره قريباً".
وأختتم، بالقول "وزارة الصناعة تسعى جاهدة لتطوير هذا القطاع المهم والرئيسي والتخطيط الاستراتيجي لإعادة الإنتاج وزيادة الطاقات الإنتاجية ودعم القطاع الصناعي وتصدير الفائض خارج القطر".
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي بمحافظة الانبار، احمد الفلوجي، أن "هناك أكثر من 25 معملاً بدرجة الكبرى مغلقاً في الانبار نتيجة الإهمال الحكومي وما تعرضت إليه من عمليات سرقة فضلا عن الدمار الذي لحق بها إثر الحرب ضد داعش، وهو ما أثر بشكل سلبي كبير على الواقع الاقتصادي في المحافظة، ومن بين تلك المعامل هي معامل الفوسفات ومعمل الزجاج والسيراميك ومعمل المنسوجات وغيرها الكثير من المعامل الرئيسية المهمة".
وبين الفلوجي، أثناء حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هناك العديد من المعامل المتوقفة رغم انها لم تتعرض الى أي من عمليات السرقة والدمار، ومن الممكن أن تعاود نشاطها في حال توفر الإمكانيات اللازمة لها، ولو تم اعادة فتح تلك المعامل المتوقفة، لساهمت باستقطاب آلاف العاطلين عن العمل، فضلا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المواد وتصدير بعضها".