شفق نيوز- بغداد/ بيروت/ صنعاء
يُجمع خمسة باحثين وخبراء سياسيين وأمنيين من العراق ولبنان واليمن، على أن الفصائل المسلحة في العراق والمنطقة تشهد حالة من التراجع النسبي في النشاط العسكري خلال الفترة الأخيرة.
وبينما يرى البعض أن ما يحدث ليس ضعفاً، بل إعادة تموضع محسوبة تفرضها ضرورات المرحلة، يشير آخرون إلى ضغوط دولية ومحلية دفعت هذه الفصائل إلى الانكفاء في الوقت الحالي.
ويقرّ الباحثون خلال حديثهم لوكالة شفق نيوز، بوجود تحولات استراتيجية تضغط على أداء الفصائل، سواء في الميدان أو على صعيد القرار السياسي، متفقين على أن المنطقة مقبلة على تطورات قد تعيد رسم مشهد المواجهة من جديد.
"ليس ضعفاً" بل تفاهمات سياسية
وفي هذا السياق، يقول من بغداد الخبير الأمني سرمد البياتي إن الحديث عن "ضعف" في أداء الفصائل المسلحة، لا ينطبق على واقع العراق، مؤكداً: "لا يوجد ضعف، فبعض الفصائل ما زالت محتفظة بقوتها".
لكن البياتي يلفت الانتباه خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى وجود "اتفاقات" مع الحكومة العراقية والقيادات السياسية للتهدئة، ما يعني أن الانخفاض في النشاط الميداني لا يعكس فقداناً للقدرة أو التأثير.
كما يشير إلى أن الفصائل، خصوصاً في العراق، تدرك "حساسية المرحلة وخطورة أي تصعيد"، لذلك تلتزم بمستوى معين من الانضباط والتفاهم السياسي.
أما في الساحات الأخرى، فيرى البياتي أن الضربات التي وجهت إلى حزب الله في لبنان كانت قوية، وكذلك على الحوثيين في اليمن لكن "الواقع الجغرافي المعقد" لليمن ساعد الحوثيين على الحفاظ على بنيتهم وهيكلهم العسكري.
الفصائل لم تضعف بل تتريث
ومن بغداد أيضاً، يشارك الخبير الأمني مخلد حازم الموقف نفسه مع سرمد البياتي، موضحاً أن ما يشهده العراق من انخفاض في نشاط الفصائل لا يُعد مؤشراً على ضعف، بل هو "جزء من ميزان القوى".
ويضيف حازم لوكالة شفق نيوز أن "الفصائل تمتلك السلاح المتوسط والثقيل، لكنها تتعاطى مع التهديدات الإقليمية بوعي، وتحت ضغط حكومي طالبها بالانكفاء منعاً لارتدادات أمنية داخل البلاد".
ويشير إلى أن الفصائل استخدمت سابقاً الطائرات المسيرة والصواريخ طويلة المدى ضد المصالح الأمريكية، سواء داخل العراق أو خارجه، مما يعكس قدراتها العسكرية الكامنة.
لكنه يحذّر من أن الضغوط الدولية على إيران، وخاصة الاقتصادية منها، قد تؤدي إلى تصعيد جديد، منذراً بالقول إن "في حال عادت المواجهات العسكرية ضد إيران، قد تفتح جبهة دعم من الفصائل، وهو ما يتخوف منه الجميع".
المقاومة تعيد تموضعها
من بغداد إلى بيروت، يقدم الباحث السياسي اللبناني غالب سرحان رؤية أوسع عن أداء الفصائل المسلحة في المنطقة، مبيناً أن أداءها "لم يتراجع، بل يخضع لديناميكيات الحرب المتغيرة".
ويشير سرحان خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها قوى المقاومة، تأتي ضمن "مخطط أمريكي - إسرائيلي يهدف لإخضاع المنطقة".
ورغم الضغوط، يرى المتحدث أن "قوى المقاومة استعادت تماسكها، عبر إعادة تنظيم صفوفها في لبنان، وتحضير الفصائل العراقية لأي تصعيد، واستمرار العمليات الهجومية من اليمن باتجاه إسرائيل".
ويضيف أن إيران، باعتبارها "رأس محور المقاومة"، وفق وصفه، استطاعت توجيه "ضربات قاسية على إسرائيل"، في إشارة إلى حرب الـ12 يوماً.
ويعتبر سرحان أن "الضغوط الإقليمية لا يمكن أن تخضع شعوب المنطقة، بل كلما زاد الضغط، زادت المقاومة"، على حد تعبيره.
خطة دولية لتفكيك الفصائل
في المقابل، يعرض المحلل السياسي اللبناني جورج العاقوري قراءة مختلفة، معتبراً أن ما يحدث هو نتيجة قرار دولي اتُخذ بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لإنهاء ظواهر السلاح غير الشرعي وأذرع إيران في المنطقة.
ويقول العاقوري لوكالة شفق نيوز، إن "هناك إجماعاً دولياً، دون فيتو من الصين أو روسيا، على هذا القرار"، مرجعاً ذلك إلى "سأم المجتمع الدولي من توظيف إيران لهذه الفصائل لتحسين شروطها التفاوضية".
ويؤكد أن في لبنان، المطالبة بتسليم سلاح حزب الله ليست جديدة، بل هي مطلب سيادي منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ إن "قيام دولة حقيقية يتطلب إنهاء وجود السلاح الموازي".
كما يشير إلى أن هذا التوجه يحظى بدعم إقليمي ودولي، في ظل توجه عام في المنطقة نحو "مشهد جديد يعتمد على الاستقرار والنمو الاقتصادي".
ظروف الحوثيون تختلف
أما عن ظروف الحوثيين، فيقول عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله (الحوثيون) محمد عبد الله النعمي إن الظروف تختلف من فصيل إلى آخر داخل محور المقاومة، موضحاً أن "ظروف الفصائل في العراق ولبنان معقدة، لكن الوضع في اليمن مهيأ بشكل أفضل".
ويرجع النعمي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، هذا الفارق إلى "الدعم الشعبي الواسع لفلسطين في اليمن"، قائلاً إن "القيادة اليمنية تنفذ الإرادة الشعبية في مواجهة العدوان"، وهو ما قد لا يتوفر بنفس المستوى لدى بقية أطراف المحور.
وخلص إلى أن الحوثيين يتمتعون بهامش حرية أوسع في القرار السياسي والعسكري، رغم وجود ضغوطات، إلا أن "الإرادة الشعبية والقيادة اليمنية أقوى من تلك التحديات"، بحسب قوله.
وأمس الثلاثاء، أعلنت جماعة "الحوثيين" استئناف ضرباتهم على شركات نفط أمريكية كبرى مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون"، رغم هدنة سابقة اتفق عليها مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت تقضي بعدم مهاجمة السفن المرتبطة بالولايات المتحدة التي تبحر في البحر الأحمر وخليج عدن.
وبحسب "مركز تنسيق العمليات الإنسانية" المرتبط بالحوثيين، الذي يعد حلقة وصل مع شركات النقل البحري التجارية، ومقره صنعاء، إنه أدرج 13 شركة أمريكية وتسعة أشخاص وسفينتين على قائمة عقوبات.
ويعد هذا الإعلان بمثابة إشعار بأن هذه الشركات، التي تشمل أيضاً "كونوكو فيليبس" و"دايموند إس شيبنغ"، كيانات معادية ومعرّضة للهجوم.