شفق نيوز/ "المدينة التي لا تنام"، هذا الوصف يطلق على مدينة كربلاء التي تحتضن أكبر تجمع بشري في العالم بزيارة أربعينية الإمام الحسين، حيث يعتكف اهاليها والمواكب الخدمية على تقديم خدمات مجانية للزائرين.
ويستحيل الذهاب إلى أي شارع رئيسي أو حي في مدينة كربلاء، دون العثور على مجموعة من الأفراد والمركبات يتجولون فيه، بالإضافة إلى المطاعم والأسواق وغيرها من الأماكن التي تبقى مفتوحة بغض النظر عن الوقت، فضلا عن المواصلات التي تعمل باستمرار في جميع أنحاء المدينة طوال اليوم.
كما تعيش الملاكات الخدمية والأمنية في مدينة كربلاء حالة استنفار كامل وشامل، مستكملة خططها وتحضيراتها لاستقبال ملايين الزوّار، فضلا عن تقديم خدمات متعددة داخل المدينة وعلى طريق "يا حسين" المتمثل بمحاور النجف، بابل، الحسينية وبغداد.
وتوقّعت العتبة الحسينية في مدينة كربلاء، أن يصل عدد زوّار الأربعين هذا العام، الى عشرين مليون شخص من داخل العراق وخارجه. لذلك تواصل المدينة استعداداتها ليلا ونهارا تحضيرا للزيارة الأربعينية.
وتُسهم هذه الأعداد الهائلة من الزائرين في تنشيط اقتصاد المدينة كالأسواق والفنادق وغيرها، وفي هذا الشأن يقول أبو علي، صاحب محل أسواق في قضاء الهندية (المدخل الشرقي لمحافظة كربلاء)، إن "أوقات عمله خلال زيارة الأربعين تختلف عن الأيام العادية نظرا لكثرة الزوّار، فلا توجد فرصة للراحة والنوم، لذلك "قمت بتوظيف عاملين في المحل لمعاونتي في موسم الزيارة هذه".
ويوضّح أبو علي لوكالة شفق نيوز، أن "أكثر ما يطلبه أصحاب المواكب والأهالي في هذه الفترة من مواد غذائية هي (التمن، والدجاج، والزيت، والعدس، والفاصوليا، والمعجون)، أمّا بخصوص اقداح المياه، فكان الصندوق منها يباع بسعر 1250 دينار، والآن ارتفع إلى 1600 دينار، بسبب كثرة الطلبات"، مشيرا إلى أن "أغلب الأسواق في قضاء الهندية وفي محافظة كربلاء بصورة عامة، تبقى تعمل حتى ساعات متأخرة من الليل، خلال زيارة الأربعين".
وتعد الزيارات الدينية موسما للعمل لدى الكثير من أهالي كربلاء، الذين يصلون الليل بالنهار في سبيل تلبية احتياجات هذا التجمع السكاني الكبير، وبالتالي تساعد الزيارات في تحسين الوضع الاقتصادي لآلاف الأسر في مدينة كربلاء.
وفي هذا السياق يقول كاظم عبد علي، صاحب محل حلاقة في مدينة كربلاء، إن "عمل محلات الحلاقة في موسم الزيارة لايشبه باقي الأيام، حيث تزداد ساعات العمل لأوقات متأخرة، وأحيانا يستمر العمل حتى الصباح".
ويتابع علي متحدثاً لوكالة شفق نيوز، "كما يتم الاستعانة بعمال للمساعدة في مواجهة زخم الزوّار الراغبين بحلاقة أو تشذيب شعرهم، لذلك تبقى محلات الحلاقة مفتوحة الأبواب حتى الصباح في كربلاء".
من جهة ثانية، تفقد المطاعم قوتها بسبب كثرة وتنوع الوجبات المجانية التي تقدمها المواكب خلال الزيارة، وفي هذا الجانب يذكر سجاد، وهو صاحب موكب في مدينة كربلاء قام بانشائه قبل يومين، أن "الأكلات التي يقدمها في موكبه صباحا (الريوك) هي شوربة عدس، وفي وجبتي الغداء والعشاء يكون الكباب المشوي والكبة، بالإضافة إلى الأكلات السريعة".
ويعزو سجاد لوكالة شفق نيوز، سبب اختياره هذه الأكلات، الى أن "الزائرين يأكلون تمن وقيمة وتشريب طول الطرق، لذا أحببت أن التنوع في الطعام وأعمل هذه الوجبات".
أمّا بالنسبة لعمل النساء في محافظة كربلاء، فإنه يختلف أيضا في موسم الزيارة، "فأغلب النساء لا ينمن خلال هذه الفترة، حيث يساعدن الرجال في العمل وخاصة في طهي الطعام"، بحسب المواطنة الكربلائية، أم فالح.
وتذكر أم فالح لوكالة شفق نيوز، "على سبيل المثال، يجب أن يكون الفطور جاهزا في الساعة الثالثة صباحا، ووجبة الغداء والعشاء يتم التحضير لها مبكرا أيضا، أما الخبز فإن تجهيزه يُقسّم على البنات، ويكون نصيب كل واحدة منهن، عمل حوالي 100 قرصة خبز في اليوم، كما نقوم بغسل ملابس الزوّار التي تأتي إلينا سواء عبر المواكب أو عبر بيوتنا مباشرة، لذلك خلال فترة أسبوعين (وقت الزيارة) لا ينمن نساء كربلاء، بل يعكفن على خدمة الزوّار".
وتعد زيارة الأربعين، أكبر مظاهرة مليونية وتجمع بشري في العالم، يشارك فيها ملايين الناس من أتباع مختلف المذاهب الإسلامية وغير الإسلامية ومن مختلف أنحاء العالم في كل عام بأهمية خاصة، لما تتضمنه من أبعاد دينية وثقافية واجتماعية ونفسية، فضلاً عن الأبعاد السياسية والاقتصادية التي تلقي بظلالها الإيجابية على عموم شعوب المنطقة والعالم.