شفق نيوز- بغداد

تتزايد المؤشرات في الأسابيع الأخيرة حول ازدياد الحضور الأميركي في المشهد العراقي سياسياً وأمنياً، بالتزامن مع تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبرها مراقبون ذات دلالات أبعد من سياق المجاملة الدبلوماسية.

وتأتي هذه التطورات في وقت تحاول فيه حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، تعزيز موقعها الداخلي، وسط حديث متنامٍ عن دعم أميركي غير معلن لتمديد ولايته، واحتمال تأثير ذلك على التفاعلات الإقليمية، لاسيما مع تراجع الدور الإيراني.

وبينما تُقرأ بعض خطوات بغداد، ومنها ملف إدراج حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله "الحوثيين"، على قوائم الإرهاب، ثم التراجع عملياً عن القرار، كجزء من استجابة لمتغيرات إقليمية ودولية، لذلك يرى منتقدون أن الحكومة تحاول الاستفادة من الزخم الأميركي لتعزيز فرص السوداني في ولاية ثانية.

السوداني وترمب

وكان رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، أكد الأربعاء الماضي، أنه حرص منذ تسنمه مهام عمله على بناء "صداقات" تخدم البلاد، في إشارة على ما يبدو إلى التصريح الذي أدلى به الرئيس الأميركي عن العراق.

وكان ترمب قد ذكر في تصريح للصحفيين في ختام جلسة طويلة للإدارة الأميركية في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، أنه منذ تدمير المنشآت النووية الإيرانية أصبح العراق بلداً مختلفاً تماماً، تحسنت علاقاته مع الولايات المتحدة، مردفاً بالقول: "قد رشحني رئيس وزراء العراق لجائزة نوبل للسلام".

ولفت ترمب، الى أن طهران كانت سابقاً متنمرة في الشرق الأوسط وتمارس الضغط على العراق، وسيطرت لفترة طويلة على المنطقة، لكنها لم تعد كذلك الآن بعد أن دمرنا سلاحها النووي.

رسائل سياسية

وفي هذا السياق يرى السياسي البارز مثال الآلوسي، أن تصريحات ترمب الأخيرة ليست منعزلة عن سياق السياسة الأميركية تجاه المنطقة والعراق، مشيراً إلى أن "تصريحات ترمب تعتبر جزءاً من استراتيجية واشنطن لمحاربة الفساد وتفكيك التمدد الإيراني في المنطقة، ومن السذاجة اعتبارها بعيدة عن هذه الثوابت".

ويقول الآلوسي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إن القراءة غير الدقيقة لهذه التصريحات جعلت البعض يظن أنها دعم لشخصيات معينة، مضيفاً أن "ترمب يستخدم خطابه لتشجيع المترددين على إدراك أهمية العراق في معادلة الحرب والسلام".

ويربط الآلوسي، بين السجالات الحكومية والملف الأميركي، مشيراً إلى أن تراجع بغداد عن تصنيف حزب الله والحوثيين، رسالة يمكن قراءتها كطلب عون أميركي، ومحاولة لجر واشنطن نحو مواجهة هذه الجماعات، وفي الوقت نفسه تمهيد لتمكين الولاية الثانية لمن انتهت ولايته ورفضه الإطار التنسيقي"، في إشارة إلى السوداني.

اشنطن تعيد النفوذ

أما المحلل السياسي عائد الهلالي، فهو يضع تصريحات ترمب و"قوائم الإرهاب" في إطار أوسع يعكس إعادة ترتيب النفوذ الأميركي في العراق.

ويقول الهلالي، لوكالة شفق نيوز، إن "التوقيت الذي جاءت فيه تصريحات ترمب يمنحها بعداً يتجاوز المجاملة، إذ تشير إلى رغبة الإدارة الأميركية المقبلة في إعادة بناء شراكتها مع بغداد وتعزيز مؤسسات الدولة".

ويضيف أن البيئة السياسية العراقية المشحونة تجعل من أي موقف أميركي مادة للاستثمار، مؤكداً أن "بعض القوى توظف تصريحات ترمب لتقويض السوداني والتشكيك باستقلالية قراره، في سياق صراع داخلي يتصاعد مع اقتراب الاستحقاقات الحكومية".

ويشير الهلالي، إلى أن "المرحلة المقبلة ستتسم بحساسية عالية مسار الحكومة في ملفات مثل قوائم الإرهاب وغيرها سيكون اختباراً لقدرتها على موازنة علاقاتها ومنع الخارج من التحول إلى أداة داخلية".

من جهتها، تعتقد الباحثة السياسية نوال الموسوي، أن التحركات العراقية في واشنطن لعبت دوراً في إعادة توجيه الاهتمام الأميركي نحو بغداد.

وتقول الموسوي، لوكالة شفق نيوز، إن "ترمب أوضح أن العراق لم يكن من أولوياته، لكن اللوبي العراقي في واشنطن حرك المياه الراكدة، وهذا أثار انزعاجاً لدى لوبيات قوية".

وتلفت إلى تغير في طبيعة العلاقة بين الوسط السياسي الشيعي وواشنطن من خلال مبعوث الرئيس الأميركي مارك سافايا، ظهر دعم أميركي مباشر للحكومة، حتى إن لم يكن بالاسم، لكن أغلب التصريحات الأميركية ركزت على السنوات الثلاث الأخيرة للحكومة العراقية، وهي فترة حكم السوداني.

وتعتبر الموسوي، أن "هذا يدل على وجود قبول أميركي واضح لأداء السوداني"، مضيفة أن "هناك رغبة أميركية بتمديد ولاية السوداني، وحرص على عدم حدوث مفاجآت في العراق".

لكنها ترى أن هذا الدعم يعكس أيضاً تراجع الدور الإيراني حيث إن "صعود السوداني بدعم أميركي مقابل تآكل النفوذ الإيراني يخلق اختلالات داخلية ويثير مخاوف قوى تقليدية اعتادت السيطرة على المشهد".

في غضون ذلك، قال المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، إن "الميليشيات المدعومة من إيران باتت تمتلك نفوذاً واسعاً داخل البرلمان العراقي"، معتبراً أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني شخص جيد، لكنه يفتقر إلى القوة السياسية الكافية بسبب تركيبة مجلس النواب وتحكم أطراف مرتبطة بالحشد الشعبي بمسارات تشكيل الائتلافات"، على حد قوله.