شفق نيوز/ بين تصليح الساعات وممارسة شتى الأعمال الأخرى داخل معقلهم الرئيسي في منطقة البتاوين وسط العاصمة بغداد، يرنو مغتربون سودانيون بأنظارهم نحو بلدهم الأم الذي تشتعل فيه نيران الحرب وتنذر بنزاع دامٍ.
لا نريد تكرار تجربتكم
ولم يعهد السودان فترات طويلة من الهدوء والسلام، وهو حاله منذ ما قبل الاستقلال عن بريطانيا في العام 1956، لكن الصراع الحالي بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، كشف ليس فقط عن عمق الخلافات الداخلية، وإنما أيضا عن الابعاد الخارجية للحرب، وتداعياتها الاقليمية المحتملة.
يعيش السودانيون في بغداد وفكرهم الشاغل عند بلادهم رغم بعد المسافة و"قلة الحيلة" التي لا يمكن أن توقف حرباً في هذا البلد.
ولا توجد احصائية دقيقة لعدد السودانيين في العراق، غير أن بعض التقديرات تشير إلى أنه في محلة البتاويين حيث يتمركزون، يتواجد أكثر من 1300 سوداني، من بينهم 30 عائلة.
ويقول محمد وهو اسم مستعار اختاره المواطن السوداني عند حديثه لوكالة شفق نيوز عن وضع بلاده إن "الحرب فرضت على السودانيين البسطاء وهم في غنى عنها"، مبينا أن "القتال لا يجري من أجل مصلحة السودان فليس هناك مصلحة عليا عندما يتقاتل الاخوة فيما بينهم وإنما القتال يجري من أجل الاستحواذ على ثروات السودان (النفط والذهب وغيرها)".
وعلى مقربة يقف مواطن سوداني ويقول لوكالة شفق نيوز، "لا نريد أن يكون الوضع في السودان كما جرى في لبنان وسوريا والعراق، وهذا لا يعني أننا نقلل من قيمة هذه البلدان ولكن التجارب علمتنا كيف تكون الخسائر باهظة... كفانا حروباً".
ألم سوداني يمتد حتى العراق
ورغم سنوات طويلة من العمل داخل العراق الا ان الجالية السودانية العاملة داخل البلاد، او داخل (البتاوين) حصراً لا زال لديها انتماء الى مكانها الام مع وجود الأهل والأصدقاء في ذلك البلد، إذ يقول أحد المواطنين السودانيين "لازلنا نحنُّ الى بلادنا ويؤسفنا ما يجري هناك فنحن نزورها بين مدة وأخرى، وللأسف مرة أخرى نقول ان هناك من أصدقائنا وأهلنا من سقط بسبب هذه الحرب وهم ضحايا هذه الحرب العبثية التي لا يملكون فيها أي مصلحة".
وتفاقمت معاناة السودانيين تفاقمت بعد اندلاع حربين أهليتين الأولى بين عامي 1959 و1972، والثانية بين 1983 و2005، بين الشمال الذي تقطنه غالبية إسلامية، وبين الجنوب الذي تقطنه أغلبية مسيحية وقبلية لها معتقداتها الخاصة، حيث دعم الغرب، الجنوبيين باسم الدين المسيحي، وايضا من اجل ضمان مصالح شركات الطاقة والمعادن. وقد انتهت الجولة الثانية من الحرب الاهلية في العام 2005 بما عرف باسم "اتفاقية نيفاشا" وجرى تنظيم استفتاء في العام 2011، أفضى إلى تأييد غالبية جنوبية كاسحة الاستقلال حيث تشكلت دولة جنوب السودان.
وقد خسرت الخرطوم نحو 70 % من عوائدها النفطية لصالح الدولة الوليدة التي تبلغ مساحتها 620 الف كيلومتر مربع. وكانت التقديرات تشير الى ان انتاج النفط في السودان بلغ في العام 1999، نحو 450 ألف برميل يوميا، ومع استقلال الجنوب انخفض فورا الى 110 آلاف برميل يوميا.
لكن الكثير من الوقائع تقول ايضا ان الصراع بين الرجلين، ابعد من مقررات اتفاق تسليم السلطة إلى المدنيين، ويتعلق بحجم كل من الرجلين، ودورهما في المرحلة السياسية الجديدة، وحجم نفوذ كل منهما، إلى جانب علاقاتهما الخارجية.
وكان موقع "اكسيوس" الأمريكي تناول في تقرير له تفاصيل الساعات الأخيرة التي سبقت "لحظة الانهيار" التي قادت الى اندلاع الاشتباكات بين البرهان وحميدتي في 15 الشهر الحالي، موضحا أنه قبل ذلك بأيام، حيث قال مسؤول أمريكي ومصادر سودانية؛ إن "الخلاف تركز على الشكل الذي سيبدو عليه التسلسل القيادي العسكري في السودان، بعد تشكيل الحكومة المدنية"، وانه "في حين أراد البرهان أن يكون الشخصية العسكرية العليا والوحيدة التي تقدم تقاريرها مباشرة الى الحكومة المدنية، طالب حميدتي بأن تكون له قناته المباشرة الخاصة مع القادة المدنيين من دون ان يضطر الى المرور عبر قائد الجيش".