شفق نيوز/ يطمئن مستشار حكومي عراقي، أن الموازنة الاتحادية العامة، تمتلك الأدوات والقدرات على تسيير الحياة المالية للبلاد بقدرات عالية في التعامل مع التدفقات النقدية المتأتية من إيرادات النفط والإيرادات غير النفطية، وهي تحافظ على قدر عالٍ من الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد.

وتأتي هذه التطمينات في وقت يرى نائب في البرلمان العراقي، أن البلاد تعاني من عجز واضح في الأموال وهذا ظهر جلياً في قرار مجلس الوزراء الأخير بسحب الأموال الضريبية، ما يعني وصول الحكومة إلى مرحلة غير قادرة على تمويل الرواتب، لذلك استخدمت مبالغ الأمانات الضريبية للمقاولين لتستطيع تأمين رواتب موظفين إلى نهاية العام.

فيما تباينت آراء خبراء في الاقتصاد بين متفائل يرى أن الأزمة المالية ما تزال بعيدة، خاصة وأن العراق يمتلك احتياطياً لدى البنك المركزي أكثر من 100 مليار دولار، ولدى الحكومة متسع من الوقت لمواجهة مثل هكذا تحديات، وبين متشائم للوضع الاقتصادي، معتبراً أن الارباك الحالي قد ينذر بأزمة مالية حقيقية، خاصة في ظل الانفاق المرتفع وتذبذب أسعار الخام.

تطمين حكومي

وفي التفاصيل، قال مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، إنه "لما كانت ايرادات النفط تشكل قرابة 90 بالمئة؜ من إجمالي الإيرادات في الموازنة العامة الاتحادية، فأن الربع الأول من العام ابتاع العراق نفوطه بمعدل 75 دولاراً للبرميل، وهو أعلى من السعر المحدد في قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 13 لسنة 2023 (الموازنة الثلاثية)".

وأضاف صالح، خلال حديثه للوكالة: "لكن الأمر تغيّر بعد أن أزالت (أوبك+) الحصص التقييدية على الدول الأعضاء، ما أدى إلى انخفاض الأسعار، وانخفاض السعر سيعوضه ارتفاع الكميات المباعة جزءاً أو كليةً، إذ ستراجع (أوبك) موقف السوق في الشهر المقبل (حزيران/يونيو)، في حال حصول تخمة نفطية أم من عدمها في سوق النفط". 

وأوضح أن "الموازنة العامة تتأثر بالتأكيد بدورة الأصول النفطية، فهي تضع أولوياتها دائماً باتجاه تأمين النفقات العامة الضرورية، وهي الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية ومشاريع البنية التحتية والخدمات".

وتابع: "إذ تعمل سياسة الموازنة العامة بمبدأ يسمى (الحيز المالي) الذي يعني استخدام المرونات المالية المتاحة كافة في تأمين الإيرادات، ابتداءً في ضبط النفقات والصرف بالحدود الدنيا المثالية الملبية، وانتهاءً بتعظيم الموارد، بما في ذلك آليات الاقتراض المتاحة التي وفرها القانون رقم 13 آنفاً، والذي وضع تمويلاً لمواجهة العجز تحوطياً يصل إلى 64 تريليون دينار في أشد الحالات". 

ولفت إلى أن "الموازنة العامة مازالت تمتلك الأدوات والقدرات على تسيير الحياة المالية للبلاد بقدرات عالية استثنائية في التعامل مع التدفقات النقدية المتأتية من إيرادات النفط والإيرادات غير النفطية، وهي تحافظ على قدر عالي من الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد".

وأشار صالح، إلى أن "الإنفاق الحكومي يشكل في الغالب نسبة تلامس نصف الناتج المحلي الإجمالي، لذلك يشكل ذلك الإنفاق الأهمية في تسيير ماكنة الاقتصاد الوطني التي مازالت مستمرة وعلى مستوى ملموس من الاستقرار".

عجز مالي

لكن في المقابل، رأى النائب في البرلمان، زهير الفتلاوي، أن "هناك عجزاً مالياً وهذا ظهر بوضوح في قرار مجلس الوزراء بسحب الأموال الضريبية، ما يعني وصول الحكومة إلى مرحلة غير قادرة على تمويل الرواتب، وبالتالي استخدمت مبالغ الأمانات الضريبية للمقاولين لتستطيع تأمين رواتب الموظفين لنهاية السنة".

وكشف الفتلاوي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، عن "وجود تلكؤ كبير في صرف الأموال الاستثمارية والتشغيلية، على سبيل المثال في دوائر الصحة التي تعاني من عجز في شراء الأدوية، كما أن بعض الوزارات مثل وزارة الموارد المائية لم تموّل من موازنتها الاستثمارية لحد الآن، وبعض الوزارات تصرف موازنتها التشغيلية فقط، التي هي رواتب وتقاعد وما شابه ذلك".

"أما الاستثمارية مثل وزارات الاتصالات والموارد المائية وغيرها، فلم تُصرف الأموال المخصصة لها في قانون الموازنة"، بحسب الفتلاوي.

ونبه إلى أن "الرواتب صحيح هي مؤمنة إلى نهاية السنة، ولكن هناك عجز فعلي بلغ 19 تريليون دينار، فيما توقفت أغلب المشاريع في محافظات البلاد منها في (بابل والديوانية وكربلاء)، وباتت تعتمد على المحاباة والصرف لجهات معينة دون الأخرى، كما لم يتم صرف الأموال إلى المقاولين الذين يطلبون الحكومة مليارات الدنانير، ما يؤثر على نوعية وجودة العمل".

واتفق الخبير في الشؤون الاقتصادية، مصطفى الفرج، مع زهير الفتلاوي، بشأن وجود عجز مالي يعاني منه العراق، مبيناً أن "رغم زيادة إنتاج النفط، إلا أن العراق لا يزال يواجه وضعاً اقتصادياً مربكاً قد ينذر بأزمة مالية حقيقية، خاصة في ظل الانفاق المرتفع وتذبذب أسعار الخام".

ورأى الفرج، خلال حديثه للوكالة، أن "ما حدث مؤخراً من سحب الأمانات من أحد المصارف يطرح تساؤلات خطيرة حول استقرار السيولة والثقة بالقطاع المالي، ويعكس هشاشة البنية الاقتصادية في ظل غياب الإصلاحات الجدية".

تعويض النقص

من جهته، أوضح الخبير المالي والاقتصادي، صفوان قصي، أن "عملية تحديد السعر الافتراضي لبرميل النفط في الموازنة 70 دولاراً وانخفاض أسعار النفط إلى ما دون 62 دولاراً، أدى إلى زيادة مقدار العجز الافتراضي، لكن الحكومة لديها مجموعة من البدائل لتمويل هذا العجز".

ومن تلك البدائل، شرح قصي، لوكالة شفق نيوز، أن "منها تعظيم الإيرادات غير النفطية، وتسريع جباية الضرائب (الكهرباء والمياه)، وتحويل الحسابات الجامدة إلى إيراد نهائي، وكذلك تطوير أداء بعض الوزارات الاتحادية لكي تكون مدرة للدخل، إلى جانب تغيير جنس الأراضي وإمكانية فرض رسوم على مثل هكذا إجراء".

وأكد قصي أهمية التفكير بهذه البدائل قبل اللجوء إلى الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وإدارة الموارد الحكومية بعقلية استثمارية.

وتوقع الخبير المالي، أن "يحصل تعديل في نسبة إيرادات وزارة المالية من إيرادات صناديق التمويل الذاتي، وتعويض النقص الحاصل في إيرادات النفط بقيمة مليار و500 مليون دولار شهرياً".

وبين أن "تعويض النقص الحاصل في هذه الإيرادات يمكن من خلال ترشيد استخدام المشتقات النفطية داخلياً وزيادة الصادرات، ومثل هذا الإجراء يحتاج إلى إعادة النظر بكمية ونوعية الوقود المستخدم في الداخل وإمكانية تعظيم الصادرات". 

ورأى قصي في الختام، أن "الأزمة المالية لا تزال بعيدة، خاصة وأن العراق يمتلك احتياطياً لدى البنك المركزي أكثر من 100 مليار دولار يستطيع إدامة النفقات بنفس المستوى، فيما تدرس الحكومة مجموعة من الخيارات ولديها متسع من الوقت لمواجهة مثل هكذا تحديات".