شفق نيوز/ تخطى العراق اللامعقول في بديهيات العمل السياسي مع تأخره حتى الآن في الاتفاق بين الكتل والقوى السياسية على تشكيل الحكومة الجديدة، لخلافة حكومة مصطفى الكاظمي التي صار عمرها عامان، وأصبحت بحكم المستقيلة مع ظهور نتائج الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الاول/اكتوبر 2021.
ومهما كانت آلية الاحتساب للفترة الزمنية التي مرت في ظل حكومة تصريف الأعمال، فإنها بحسب المراقبين تندرج في إطار مماطلة وتسويف ربما لا ضرورة لهما فيما البلاد تعيش سلسلة معقدة ومتداخلة من الأزمات والتحديات التي تتطلب مسارعة في تشكيل الحكومة واختيار رئيس الجمهورية وتنشيط العمل البرلماني، او ان هذا هو أقل ما يتوقعه العراقيون، سواء شاركوا في الانتخابات الاخيرة ام لا.
وإذا جرت الحسابات منذ إغلاق صناديق انتخابات 10 اكتوبر، فان العراق يكون قد تجاوز ال 230 يوما. وإذا كانت آلية الاحتساب منذ إعلان المفوضية العليا للانتخابات النتائج النهائية، بعد حسم مئات الطعون المقدمة على النتائج الاولية واعاد فرز يدوية للأصوات المشكوك بها، في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أي بعد 50 يوما من إجراء الانتخابات، فستكون قد تخطت الـ180 يوما (لتاريخ إعداد هذا التقرير).
لكن الثابت حتى الآن، أن أكثر من 230 يوما مروا منذ اغلاق صناديق الاقتراع، وهو ما يعني أن "الرقم القياسي" لهذا الفراغ السياسي إن صح التعبير، والذي كان سجل فيما بعد انتخابات السابع من آذار/مارس 2010، وأفضى إلى تشكيل ما يسمى "الحكومة الثانية" لنوري المالكي، وبلغ وقتها 208 أيام، قد تم تحطيمه.
ويقول مراقبون إن "تحطيم" الرقم هنا ليس مدعاة للفخر، إذ لا يتعلق بإنجاز ما أو بنجاح قياسي في زمن تحقيق مشروع أو خطة، وأنه عندما يتم استذكار ما جرى في العام 2010 على أنه مشابه لـ"الرقم القياسي" الذي كان مسجلا في هولندا حيث ظلت الأحزاب الهولندية تتنازع محاولات تشكيل الحكومة الجديدة.
لكن ما جرى سياسيا في العام 2010، يبدو بحسب ما يلاحظ مراقبون، مشابها لما يجري حاليا، علما بأن تلك الانتخابات قبل 12 سنة، أفضت في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة جديدة لنوري المالكي في 22 كانون الأول/ديسمبر واستمرت حتى 8 أيلول/سبتمبر 2014.
ووقتها فاز تحالف اياد علاوي في الانتخابات بأعلى المقاعد، متغلبا على خصمه الرئيسي نوري المالكي الذي تمكن لاحقا من خلال مناورات وتسويات ورعاية إقليمية تمثلت بإيران، وبضوء أخضر أميركي، ومفاوضات عسيرة شاركت فيها سوريا وحزب الله في لبنان خاصة مع التيار الصدري، من ضم متحالفين مع المالكي لتشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان، لينتزع بالتالي الحق بتشكيل الحكومة مجددا، وهو ما يبدو مشابها للمناورات والألاعيب السياسية الجارية حاليا.
وفي حين كان التنافس محتدما وقتها بين كتلتي "العراقية" و"دولة القانون"، حيث فازت الاولى بأعلى الأصوات بفارق صوتين عن كتلة المالكي، وهو ما اعتبرت انه يعطيها الحق الدستوري بتشكيل الحكومة، فإن "دولة القانون" ردت على ذلك بالتأكيد على ان المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارا فسرته الكتلة انه يمنحها الحق بالتشكيل، باعتبار أنه يؤول الى أكبر كتلة تتشكل داخل مجلس النواب، ولهذا تحركت "دولة القانون" سريعا من اجل ابرام تحالفات خاصة مع "الائتلاف الوطني العراقي".
ومثلما هو الحال حاليا، فان العلاقات بين مقتدى الصدر ونوري المالكي ليست بأحسن الأحوال بتاتا، وما زالت جروح العملية العسكرية التي اطلقها المالكي خلال "حكومته الاولى" ضد مسلحي التيار الصدري تحت مسمى عملية "صولة الفرسان" في العام 2008، ماثلة أمام الجميع حتى الآن، مثلما عارض الصدر وقتها أي في العام 2010، اعادة انتخاب المالكي لتشكيل الحكومة الثانية طوال 8 شهور، الى ان اثمرت الوساطات الاقليمية المتعددة الجوانب، وخاصة الايرانية منها حيث عقد اجتماع شهير في مدينة قم لمختلف القوى العراقية للتوصل الى تسوية، حيث كان الصدر مقيما وقتها على الاراضي الايرانية، الى ان عاد الى الحنانة في النجف في العام 2011.
نقلت صحيفة "نيويوركر" الأمريكية عن علاوي قوله وقتها في تعبير عن استيائه من تخلي واشنطن عن الاستمرار بدعم حقه "يريدون الرحيل وسلموا البلاد للايرانيين، أصبحنا دولة فاشلة الآن، مستعمرة ايرانية".
الا ان العلاقات بين الصدر والمالكي رغم هدوئها النسبي، لم تبلغ مرحلة الوئام، وتحرك الصدريون أكثر من مرة في ملفات تتعلق بالفساد ومحاولات لاستجواب المالكي داخل البرلمان. وعندما صعد تنظيم داعش ليستولي على مساحات واسعة من البلاد في العام 2014، كان الصدر من أبرز المعترضين على تكليف المالكي بتشكيل حكومة ثالثة.
والان، فان العراقيين بانتظار نتائج المناورات السياسية الجارية خاصة بين قوى "الإطار التنسيقي" التي تضم المالكي في قياداتها، وبين ما يسمى "التحالف الثلاثي" الذي يضم الصدر.
لكن المفارقة، أنه مع مرور أكثر من 230 يوما على إغلاق صناديق الاقتراع، فإن بلجيكا هي التي ما زالت تحتل "الرقم القياسي" لأطول فترة بلا حكومة والتي بلغت أكثر من 500 يوم. ولهذا، من حق ملايين العراقيين التساؤل عما إذا كان مصيرهم سيظل يحتسب بأرقام قياسية لا تبعث على الفخر، كهذه.
خاص بوكالة شفق نيوز