شفق نيوز/ قالت منظمة العمل ضد العنف المسلح الخيرية البريطانية (AOAV) إن القرن الحادي والعشرين بالنسبة لأطفال العراق، كان بمثابة مأساة، حيث ان جيلا كاملا من الأطفال الذكور والإناث عانوا من العنف والرعب والفقر والتشرد.
وبعدما ذكرت المنظمة الخيرية بداية بالغزو الأميركي في العام 2003 الذي تحول الى حرب طائفية، ثم قتال عنيف بين داعش والحكومة العراقية حتى العام 2017، أشارت الى الحكومة والقوى الحليفة لها تخوض قتالا محدودا الان مع تمرد داعش. وخلال التطور الجيوبوليتيكي للنزاع العراقي، كان هناك استخدام مستمر للاسلحة المتفجرة التي تركت تأثيرها المدمر بشكل كبير على الأطفال.
ويقدم تقرير AOAV الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إحصاءات وأبحاث حول تأثير العنف التفجيري على اطفال العراق، مركزة على كيفية تأثر الأطفال بالتدخلات العسكرية للقوى الخارجية، والعمليات العسكرية للحكومة، والنشاطات الارهابية لجماعات مثل داعش.
وفي ما بين العام 2011 و2019، تم تسجيل 4424 عملية عنف تفجيري، راح ضحيتها بالإجمال 72438 شخصا، بين قتيل وجريح. ومن بين هؤلاء، هناك 77 في المئة منهم (اي 55999) من القتلى والجرحى، كانوا من المدنيين. وبحسب بيانات المنظمة، فان 693 طفلا قتلوا او جرحوا بعمليات التفجير هذه.
لكن المنظمة أشارت إلى أنها تعتمد في جمع معلوماتها على التقارير الاعلامية الصادرة بالانكليزية فقط، وبالتالي فان الرقم الحقيقي يرجح ان يكون أكبر بكثير، مضيفة ان الوضع الامني العراقي لا يتيح امكانية كبيرة لمراقبة وتوثيق عمليات العنف وخسائرها.
واشارت ايضا الى ان منظمة "أنقذوا الأطفال" الخيرية سجلت بالاجمال 717 طفلا بين قتيل وجريح في النزاعات العراقية في العام 2017 وحده، 87 في المئة منهم (اي 562 طفلا) بسبب التفجيرات. وتابعت ان الجروح والإصابات الناتجة عن التفجيرات كالحروق، تؤثر على الأطفال بشكل أخطر من الكبار، حيث ان الاطفال اكثر عرضة للتعرض للموت.
وبالنسبة الى الغارات، فقد ذكرت المنظمة الخيرية ان الهجمات الجوية كانت عنصرا أساسيا في العمليات العسكرية ضد داعش. وأشارت على سبيل المثال، الى ان القوات الاميركية شنت في مارس/اذار العام 2017، سلسلة غارات على الموصل ما ادى الى مقتل واصابة مئات المدنيين، بينهم تسعة افراد من عائلة واحدة، بينهم أطفال، قتلوا خلالها. وفي أيار/مايو من العام ذاته، قتل ستة اطفال أيضا وتشوه خمسة آخرون في غارات جوية على مدرسة تؤوي عائلات لعناصر داعش. وبحسب بيانات المنظمة الخيرية، فان الغارات الجوية بين عامي 2003 و2011، تركت أكثر من غيرها من أنماط العنف، تأثيراتها على حياة النساء والاطفال.
اما العامل الثاني الاكثر تأثيرا على إلحاق الأذى بالأطفال في العراق، فقد كانت العبوات التفجيرية، فما بين عامي 2014 و2019، فان 41 في المئة (713 حالة) من اصابات الاطفال كانت نتيجة استخدام العبوات التفجيرية، بينهم 14 طفلا نفذوا هجمات انتحارية. وخلال ستة شهور من العام 2016، تم احصاء اكثر من 800 هجوم بعبوات تفجير في مناطق مدنية في محافظة بغداد وحدها، العديد منها تسبب في اصابة اطفال.
وبعد الحاق الهزيمة بداعش واستقرار الوضع الامني، ظهر خطر اضافي على حياة الاطفال، تمثل في المخلفات المتفجرة. وبحسب منظمة "هاندي كاب الدولية" الخيرية، فان مستوى تضرر العراق بالمخلفات المتفجرة، لا مثيل له، مشيرة الى ان هذه "المخلفات المتفجرة والعبوات موجودة في الحقول والمنازل واحيانا في الجثث او خلف أجهزة البرادات".
وقد توصلت الامم المتحدة الى انه خلال العام 2018 حتى اواسط العام 2019، فان حوالى نصف اصابات الاطفال (47 في المئة) كانت نتيجة المخلفات المتفجرة في المناطق التي كانت تحتلها داعش. وعندما بدأت عمليات نزع الالغام والمواد المتفجرة في الموصل، فان الامم المتحدة وصفت مستوى التلوث التفجيري في المنطقة بانه لم يعرف له مثيل من قبل.
وتتسبب المخلفات المتفجرة بإلحاق اصابات خطيرة واعاقات وموت، لكنها ايضا تعرقل عودة الاطفال الى التعليم وغيره. وفي نوفمبر 2018، كان هناك 2.6 مليون طفل في العراق، لا يذهبون الى المدارس. وبحسب منظمة "اليونيسيف"، فان 10 في المئة من البنات في عمر المرحلة الابتدائية، خارج النظام التعليمي، مقارنة ب 7 في المئة من الاطفال الذكور.
وبين يناير 2014 ومايو 2017، كان هناك 138 هجوما على المدارس، ونصف مدارس العراق بحاجة الى إصلاحات عاجلة. وغالبية الهجمات على المدارس نفذت بعبوات تفجيرية. وخلال الحرب مع داعش، فان 50 في المئة من المدارس في المناطق التي شهدت الاشتباكات، تضررت او هدمت.
بالاجمال، فان العنف التفجيري يلحق الاذى بالاطفال جسديا ويتسبب احيانا كثيرة بموتهم، لكنه يؤثر عليهم ايضا بطرق اخرى، اذ يقود حياتهم نحو عمالة الاطفال او تجنيدهم في الحروب او يعرضهم لخطر الاتجار بالاطفال ليباعوا في اسواق العبودية او الدعارة.
وبالاضافة الى الاذى الجسدي الذي يلحق بالاطفال، فان النزاع العراقي تسبب ايضا بمعاناة نفسية لاطفال العراق. تقرير لمنظمة "انقذوا الاطفال" في العام 2017، تحت عنوان "الحقيقة غير المقبولة"، يحدد تفاقم مشاعر الندم العميق التي تؤثر على صحة الاطفال في العراق. وبحسب دراسة استطلاعية، فان 90 في المئة ممن شملتهم الدراسة، اصابتهم مشاعر اضطراب ازاء مواجهتهم الخسارة، بينما روى 45 في المئة قصصهم مع الموت العنيف لاحبائهم.
وبشكل عام، فان المخلفات المتفجرة، تخلق مشاعر انعدام الامان بينهم.
والى جانب ذلك، فان العنف التفجيري، تسبب بظاهرة نزوح كبيرة للمدنيين العراقيين. ومنذ العام 2014، نزح اكثر من 3 ملايين عراقي داخليا، واضطر اكثر من 260 الف عراقي الى اللجوء للخارج. وبحلول نهاية العام 2019، ما زال اكثر من 1.5 مليون عراقي في حالة نزوح داخلي. ويقدر ان نحو نصف النازحين داخليا، هم من الاطفال.
وفي العام 2018، ذكر مكتب الامم المتحدة (OCHA) ان نحو 50 في المئة من الاطفال في مخيمات النزوح، لا يحصلون على تعليم جيد. وعلى سبيل المثال، ففي أحد مخيمات النزوح في منطقة كركوك، يوجد مدرسان اثنان فقط لنحو 1700 تلميذ. اما الفتيات في المخيمات، فانهن بشكل محدد يتعرضن الى الانتهاك الجنسي.
وتشير المنظمة الخيرية البريطانية الى ان نحو 800 الف طفل عراقي فقدوا احد والديهم او كليهما، وهو ما يجازف بتحويل هؤلاء الاطفال الى "ضحايا منسيين في الحرب". ويثير مقتل الكبار بالاسلحة التفجيرية، مخاطر على الاطفال، بدفعهم الى سوق عمالة الاطفال او التهريب، فيما يهدد هذا الوضع بدفع الاطفال الايتام الى شبكات الدعارة.
وفي ظاهرة أخرى لا تقل خطورة، تنقل المنظمة عن تقرير للامم المتحدة، بانه ما بين عامي 2016 و2019، فان 296 طفلا تم تجنيدهم لحمل السلاح، و199 منهم شاركوا في القتال. كما ان 14 طفلا استخدموا لتنفيذ عمليات انتحارية باستخدام المتفجرات، وكان تنظيم داعش مسؤولا عن تجنيد نصف هؤلاء، لكن جزءا مهما منهم جندوا من قبل الحشد الشعبي الذي يضم اساسا عناصر شيعية وايضا عناصر سنية من العشائر واقليات اخرى. وعندما سقطت الموصل بقبضة داعش في العام 2014، تم استخدام البنات في مهمات دعم مختلفة من بينها تصنيع عبوات التفجير الناسفة.
وفي الخلاصة، اعتبرت المنظمة الخيرية في تقريرها، انه خلال السنوات الماضية، رصدت تراجعا في استخدام العنف التفجيري في العراق بعدما استقر الوضع الامني بشكل مضطرد. الا ان الحجم الكامل لتأثير الاسلحة التفجيرية خلال العقدين الماضيين، لم يبدأ بالظهور سوى الان. الاضطرابات النفسية والنزوح والفقر تشكل انعكاسا بعيد المدى للتأثير المبدئي للانفجارات. وتقول "اليونيسيف" في تقرير لها ان نحو 4.1 مليون إنسان يحتاجون الى المساعدة الانسانية، ويمثل الاطفال نصفهم تقريبا.