شفق نيوز / استعرضت صحيفة "بريسبان تايمز" الأسترالية عدة قصص تعكس الحياة في العراق، وخصوصا في مدينة الموصل، فيما بعد انتهاء سيطرة تنظيم داعش، حيث ما تزال هذه المدينة التاريخية، تعاني من ندوب الوحشية والدم، لكن الآمال بنجاتها كبيرة.
وشبّه التقرير الأسترالي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الموصل بمدينتي "الريو" البرازيلية أو "مدريد" الإسبانية في حيويتها وصخبها، حيث يحل منتصف الليل والمدينة ما تزال تنبض بالحياة، وعلى ضفتي النهر يلعب الرجال طاولة الزهر ويدخنون النرجيلة، بينما يلهو الأطفال في مدينة للملاهي، مستمتعين بساعات من الراحة من حرارة الصيف الحارقة.
واعتبر التقرير أن "تاريخ الموصل يعكس مرونة العراقيين المدهشة وهم في مواجهة المحن الكبيرة حيث يأتي التقدم والأمل بعد المشقات والخسائر، بينما تظهر مشكلات اخرى يعاني منها سكان المدينة، وتذكرهم بالمصاعب المستمرة في عرقلة طريق العراق نحو تحقيق الاستقرار والازدهار".
وذكر التقرير، بمرور خمسة أعوام على تحرير الموصل، وهي ثاني المدن العراقية كبراً، من قبضة تنظيم داعش، حيث دارت اشتباكات من شارع الى شارع ومن بيت الى بيت، بين القوات الحكومية والارهابيين، للسيطرة على ما وصفه بأنه "العاصمة الفعلية" لداعش، حيث تشهد الأنقاض في الشواطئ الغربية لنهر دجلة في البلدة القديمة والمباني التي اخترقها الرصاص، على هذه المعركة الوحشية، بالاضافة الى سنوات الحكم الثلاثة البائسة لداعش.
ونقل التقرير عن الطبيب ورجل الأعمال عثمان الصايغ (35 سنة) قوله: "كانت أيام شديدة السواد (..) لم يكن هناك مياه نظيفة، ولا كهرباء (..) ولا شيء من الأشياء البسيطة التي تبقيك على قيد الحياة - ولا حتى بانادول.. هناك ناس ماتوا لانهم لم يجدوا الطعام، وكانوا يأكلون القمامة، وكان على الناس البقاء في المنزل".
وتابع الصايغ قائلا انه تعرض للسجن لانه كان يدافع عن شقيقه عندما جاءوا لمحاولة قتله، كما قتل عمه في غارة جوية، مضيفا أن "كل أسرة في هذه المدينة خسرت واحداً أو اثنين من أبنائها على الأقل".
وأثناء التجول في انحاء البلدة القديمة نحو الكنيسة الارثوذكسية الأرمينية، حيث سجن من قبل داعش، يتدخل رجل ثاني ليروي قصته حيث انه احتجز خمس مرات بينها في هذه الكنيسة وتعرض للضرب بسبب التدخين والشرب، كما جرى حرق منزله في وقت لاحق، مشيرا إلى أن "كثيرين آخرين كانوا أقل حظاً لأنهم خسروا حياتهم أو عائلاتهم بسبب تجاوزات أصغر".
وذكر التقرير أن الموصل كانت مركزا للتطرف العنيف والفوضى المدمرة التي مزقت شمال العراق خلال العقد الماضي، وهي تحمل الندوب الاكبر، الا انه برغم ذلك، هناك بعض الأمل على طول ضفاف شرق الموصل، التي نجت من الكثير من دمار المدينة القديمة، مبيناً أن "هؤلاء الموصليين من الصغار والكبار، يعيدون إحياء روح المدينة".
ولفت التقرير إلى أن الأسواق تعج بالحركة بما في ذلك المطاعم والمتاجر بما في ذلك متجر للخمور، مضيفاً أن "في البلدة القديمة، هناك حياة، إذ تشهد هذه البقعة تحسناً.
وأوضح التقرير الأسترالي، أن "مبادرة منظمة اليونسكو حول إحياء روح الموصل، أظهرت نجاحا بدرجة كبيرة في ترميم المواقع التاريخية، كما أنها تحقق تقدما في اعادة اعمار مسجد النوري الكبير، الذي شيد أيام السلاجقة، وصارت سمعته سيئة عندما اعلن داعش "خلافته" الجديدة منه، ثم قام مسلحو التنظيم لاحقا بتدميره.
ويتناول التقرير تجربة فاطمة عياد (26 سنة) وهي من أفراد الدفعة الأخيرة من الطلاب، والعديد منهم من النساء، والذين سيباشرون مهمة إعادة تأهيل المباني التاريخية، بعد استكمال برامج اليونسكو للتعليم والتدريب التقني والمهني، حيث درست فاطمة خلال الشهور السبعة الماضية تقنيات الترميم وارث وسمات مدينة الموصل ومبانيها، وهو ما يجعلها تشعر بالفخر لأنها ستلعب دورا في إعمار مدينتها.
ونقل التقرير عن فاطمة قولها "عندما أذهب الى مسجد النبي يونس (وهو موقع تاريخي يعتقد أنه يضم قبر النبي يونان) واقف على نفس الحجارة حيث وقف الملك الاشوري سنحاريب، فانها ستكون لحظة عاطفية، مضيفة ان تاريخ المدينة حافل وجميل، ولهذا فان الموصل تحتاج الى أشخاص للمساعدة في اعادة بنائها، وهي تستحق ذلك، موضحة أنها "ليست مجرد مدينة، هي مدينة قديمة جداً، موطن لأشياء جميلة ليس بإمكان الناس تخيلها".
وأشادت فاطمة بالتقدم الذي تحقق في المدينة حتى الآن، من المباني والطرقات وحتى عقلية الناس، حيث هناك اشخاص من خلفيات متعددة يعملون معا من اجل احياء المدين، مضيفة "هناك نوع من الأمل".
عودة السياح
وبينما يعود أهل المدينة إليها تدريجيا، فإن السياح يعودون أيضاً، إذ نوه التقريرالأسترالي، إلى "آلية تقديم الفيزا لمواطني 37 دولة بمجرد وصولهم إلى الأراضي العراقية، حيث يتسابق السياح لمشاهدة العديد من كنوز بلاد ما بين النهرين التي درسوا عنها في مدارسهم".
ونقل التقرير عن خريج كلية الطب عبد الله القزاز، الذي اطلق موقع "زوروا الموصل" في العام 2021، قوله إنه استقبل نحو 100 سائح وساعد الكثيرين من خلال الانترنت، معرباً عن تفاؤله إزاء الازدهار المستقبلي لصناعة السياحة.
وأضاف أن "المدينة كانت في حالة حرب، ومرت بأوقات عصيبة، إلا أنها تحاول الآن أن تعود أفضل من أي وقت مضى"، مردفاً بالقول: "نريد أن نظهر أن الصورة النمطية بأن العراق هو عبارة عن حرب وانفجارات وموت، خاطئة".
استعادة المجد
وعمّا إذا كانت الموصل تستعيد مجدها القديم، عاد الصايغ للحديث مجدداً، وتقد ذلك، موضحا ان "الحياة اصبحت افضل، الا انه لا تزال هناك مشكلات عديدة، فهناك الفساد والكثير من الميليشيات، واللصوص يسرقون الادوية من محلاته".
في بغداد
وذكر التقرير أن "خلال الانتقال من الموصل إلى بغداد، هناك نقاط تفتيش عديدة للجيش، وأحيانا لرجال الفصائل المسلحة، وهو ما اعتبره التقرير "تذكير بالانقسامات التي تمزق المجتمع العراقي".
وعلى الرغم من أن داعش لم يتمكن من الاستيلاء على بغداد، إلا أن العاصمة لم تسلم من الإرهاب الذي أصاب بقية انحاء البلد"، وفقاً للتقرير، الذي أضاف أن "الندوب التي خلفتها جميع الصراعات التي سبقت ظهور داعش، من حرب العراق إلى حرب الخليج إلى الحرب الايرانية -العراقية، كانت عميقة أيضاً.
ترجمة: وكالة شفق نيوز