شفق نيوز/ سلطت شبكة "سي أن أن" الأمريكية في تقرير لها، الضوء على تزايد ظاهرة السياح والمغامرين الغربيين الذين يسافرون إلى العراق وإقليم كوردستان حيث تنتشر الآثار التاريخية التي تعكس عمقه عبر الحضارات، وذلك رغم الحظر الذي تفرضه العديد من الدول على مواطنيها لتجنب السفر إلى هذه البلد، والذي يبدو أنه خلف آثاراً معاكسة وأثار الفضول لدى الراغبين بالسفر.
وتناول التقرير الأمريكي، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، تجربة "اليوتيوبر" الشهير تومي دريسكيل، المعروف باسم "Dude Abroad"، وهو من جزيرة هاواي، بينما كان يجلس في مقهى وسط بغداد، لتناول وجبة إفطار تقليدية مكونة من معجنات الكاهي والقيمر "القشطة"، واصفاً ذلك بأنه "بمثابة تجربة سريالية".
ووصف دريسكيل تجربته قائلا انها كانت "مسالمة، وهادئة، إلا أن المشهد من عند الطاولة التي كنت أجلس عليها في الشارع، يظهر مبنى ممزقاً بالرصاص على الطرف الآخر من الطريق، ترمز إلى فترة مظلمة في هذه المنطقة حيث جرى تذكيري بأنه لم يكن ملائماً الوقوف هناك ولو لمدة 5 دقائق على جانب الطريق خلال الحرب".
"مهد الحضارة"
وذكر التقرير الامريكي أنه رغم التوترات المتزايدة في أنحاء الشرق الاوسط، فإن دريسكيل هو واحد من عدد يكبر من المسافرين الغربيين الذين يقومون بزيارة العراق، خصوصا مع انتقال نشاط منظمي الرحلات السياحية الى العراق الذي يعتبر موطنا لثروة من المعالم السياحية، بما في ذلك آثار بابل القديمة وأهوار بلاد ما بين النهرين وجبال اقليم كوردستان، وذلك في بلد يوصف بأنه "مهد الحضارة" حيث طور السومريون العجلة، وانظمة الكتابة الأولى، وأقيمت مراكز حضرية منذ العام 5300 قبل الميلاد.
وبرغم أن التقرير أشار إلى أن العديد من الحكومات تنصح مواطنيها بتجنب السفر الى العراق لأسباب أمنية، بالاضافة الى ان المسافرين المهتمين بقضايا حقوق الإنسان لديهم أيضا تحفظات بسبب قيام الحكومة في العام 2024 بمعاقبة العلاقات المثلية وإعداد تعديل قانوني مثير للجدل يسمح فعليا بزواج الاطفال، الا انه قال ان البلد يستقطب المغامرين، حيث تؤكد وزارة الثقافة والسياحة العراقية ان البلاد امنة، فيما تركز بغداد على استعدادها لتكون عاصمة السياحة العربية لعام 2025.
ورأى التقرير أن تحذيرات الحكومات ليست مفاجئة في ظل ما جرى من عنف طائفي أعقب الغزو والاحتلال في العام 2003 وانهيار نظام صدام حسين، ثم تدهور الوضع الأمني مجددا مع صعود داعش العام 2014.
ولفت التقرير الى ان "اليوتيوبر" دريسكيل نشأ وهو يتابع التقارير الاخبارية عن الحرب في العراق، إلا أن تحذيرات السفر التي أصدرتها بلاده كان لها تأثير معاكس، حيث كانت تثير فضوله.
الأسواق والمزارات المقدسة
ونقل التقرير عن دريسكيل، الذي قادته جولته العراقية التي استمرت 12 يوما مع شركة السياحة العراقية "بيل ويك اند"، إلى أسواق عمرها قرون في بغداد والمزارات المقدسة في كربلاء، قوله انه كان دائما يراقب العراق من اجل زيارته منذ سنوات، مضيفا: "أنا دائما انجذب إلى جهات السفر غير المألوفة، خصوصا تلك التي تنصح وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها بعدم السفر إليها".
وتابع قائلا إنه "بغض النظر عن ديناميكيات السياسة، فإنني دائما كنت اجد عوامل انسانية مشتركة في كل واحد منا، وافترضت أن ذلك ينطبق على العراق".
ولفت التقرير إلى أنه منذ أن بدأت الحكومة العراقية في العام 2021، في توفير تأشيرات عند الوصول إلى مطار بغداد الدولي لـ30 جنسية، بما في ذلك مواطني الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، شهدت السياحة ازدهارا، بما في ذلك الى اقليم كوردستان.
وتابع التقرير أن الجهات الدولية المنظمة للسياحة تشير الى انه تشهد تزايدا حادا في الطلب على زيارة العراق، لافتا الى ان شركة "لوبان ترافيل" البريطانية المتخصصة بتنظيم الرحلات الى الوجهات الاقل شهرة في العالم، تنظم رحلات الى اقليم كوردستان منذ العام 2014 والى العراق منذ العام 2018.
ونقل التقرير عن مدير الرحلات في الشركة روبرت كايل مولينا، قوله "شهدنا تزايدا ملحوظا بوضوح في الطلب على السفر الى العراق، خصوصا إلى أماكن مثل بغداد وبابل والموصل، ويتضاعف الطلب كل عام"، مضيفا أنه "قمنا قبل عامين برحلة واحدة، وفي العام الماضي رحلتين، وهذا العام أربع رحلات"، ملخصا الاجواء بين الراغبين بالسفر بأن "الوقت قد حان للزيارة".
وبحسب مولينا فإن ادارة المخاطر تمثل "جزءا رئيسيا" مما يفعله منظمو الرحلات السياحية حيث تتواصل الشركة مع شبكة من الأشخاص محليا والمستشارين الامنيين في الدول التي يزورونها، وتعمد إلى إعداد طرق الإخلاء المحتملة بريا او جويا، بالاضافة الى رصد التطورات الامنية المستمرة خلال الجولات السياحية.
وتناول التقرير تجربة العراقي علي المخزومي، الذي أسس شركة "بيل ويك اند" في العام 2016 من أجل تنشيط السياحة الثقافية للمواقع الأثرية بعدما لاحظ انها تعاني من نقص شديد في الزيارات.
ونقل التقرير عنه قوله "نرى في كل عام، المزيد من الناس يأتون إلى العراق، والطلب يتزايد بشكل مؤكد، إلا أن غالبية الناس لا يعرفون حتى انه يمكنهم السفر الى هنا".
وبحسب المخزومي فإن العراق يشهد استثمارات لم يسبق لها مثيل في الفنادق والبنية التحتية للسياحة، إلا أنه يعتبر أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه صناعة السياحة الصاعدة هو الصورة السلبية حول العراق، موضحا أن "الحرب انتهت منذ سنوات لكننا نسمع حتى الان عن العراق فقط عندما يرتبط بالنزاعات".
وأضاف أن "العراق، هو أرض الليالي العربية، لديه اكثر من ألف قصة ليرويها، وهذه الحكايات تحتاج إلى تجربة من خلال عيش الرحلة واكتشاف العراق الحقيقي".
جولات سياحية للسيدات فقط
وبعدما ذكر التقرير أن العراق يبدو وجهة سفر غير متوقعة للزيارات المخصصة للنساء فقط، إلا أنه قال إن صانعة المحتوى الايرلندية جانيت نيوينهام، ترى خلاف ذلك، مشيرا إلى أنها زارت العراق للمرة الاولى في آب/ أغسطس 2021، ولم تتصور ابدا ان يصبح العراق احد وجهات السفر المفضلة لديها.
ونقل التقرير عنها قولها انه احببت العراق لدرجة أنها تنظم الان جولات سياحية مخصصة للنساء فقط من خلال شركتها "جانيت جيرنيز"
وتحدث التقرير عن توترها وشهورها بالمفاجأة عندما وجدت نفسها في مهرجان موسيقي مع طلاب جامعيين في أول يوم لها في بغداد، واصفة الأمر بأنه كان سرياليا.
ونقل التقرير عنها قولها "شعرنا وكأننا أول مجموعة سياحية تسافر الى العراق للنساء فقط، وقد احدثنا ضجة كبيرة".
ولفت التقرير إلى أن تلك الرحلة لم تكن بلا تحديات، ففي كربلاء كان يتحتم على النسوة تغطية الرأس إلى القدمين (باستثناء الوجه)، وكان يتحتم عليها تذكيرهن بأنه محظور وضع أحمر الشفاه او طلاء الاظافر في العتبات المقدسة. اما في الموصل التي سبق أن احتلها داعش، فقد كانت هناك مخاوف من مخاوف امنية، بما في ذلك التهديد بالقنابل غير المنفجرة.
وتابعت نيوينهام أن العراق يعتبر الآن إحدى جولاتها السياحية الاكثر طلبا، مضيفا انهم "يشعرون وكأنهم مروا بتجربة غيرت حياتهم، وفي كل عام، يتزايد عدد الأشخاص الذين يتواصلون معنا للسفر معنا الى العراق، ويبدو أن الطلب يتزايد على الرغم من الأحداث الحالية المدمرة في الشرق الأوسط وفلسطين".
سياحة دينية
وذكر التقرير أنه لطالما اجتذبت المواقع الدينية السياح والحجاج، بما في ذلك المسيحيين. ونقل التقرير عن المخزومي قوله إن إحدى أكبر فئات عملائه هم من رواد الكنائس الذين يتطلعون لزيارة المعالم التوراتية مثل جنة عدن المفترضة، والتي تشتهر بأنها كانت موجودة في مكان ما بين نهري دجلة والفرات، بما في ذلك المناطق التي زارها بابا الفاتيكان فرنسيس في أور التي من المقرر افتتاح كنيسة جديدة فيها لجذب الزوار المسيحيين.
وتناول التقرير أيضا تجربة "اليوتيوبر" الاسباني سيرجيو آرسي الذي يوثق رحلاته حول العالم، وإعجابه بثروة التاريخ والثقافة المحيطة بالمعالم الدينية في العراق، بما في ذلك الجامع الكبير في سامراء، مضيفا ان "الاضرحة الشيعية ستجعلك عاجزاً عن الكلام، ليس فقط بسبب جمالها وتفاصيل هندستها المعمارية، وانما ايضا بسبب الإيمان والتفاني الذي يمكنك رؤيته".
كما سلط ارسي الضوء على كرم الشعب العراقي الذي قدم الطعام والماء والمأوى مجانا وحتى تدليك الاقدام للزوار خلال مراسم الاربعينية.
وأضاف "يمكنني أن أطرح امثلة لا حصر لها من حسن الضيافة واللطف، إلا أنني لم أشعر أبدا أن كلماتي يمكن أن توفيهم حقهم تماماً".
سياحة إقليم كوردستان
كما لفت التقرير الى شركة "Untamed Borders" السياحية في بريطانيا والتي تنشط في العراق منذ العام 2016، مشيرا إلى أنها تنظم رحلات تزلج إلى الجبال الكوردية، التي تغطيها الثلوج في الشتاء، والتي تختلف تماما عن المشاهد الطبيعية الشبيهة بالصحراء في الجنوب، بما في ذلك جولة سيتم تنظيمها من خلال ماراثون اربيل، حيث سيتم في نيسان/ أبريل 2025، اطلاق جولة سير جديدة عبر القمم المثيرة لجبال زاغروس، حيث وصف التقرير بأنه لا يوجد اي مكان اخر في العراق يشهد ارتفاعا سريعا في السياحة كما هو الحال في كوردستان.
ونقل التقرير عن مجلس السياحة المحلي ان اربيل، استقبلت مليوني زائر وحدها في النصف الأول من العام 2024، وفي حال تواصل الاتجاه التصاعدي، فمن المرجح أن تتجاوز الأرقام الإجمالية لعام 2024، الثلاثة ملايين زائر الذي زاروا اربيل طوال العام 2023 بأكمله.
الى ذلك، نقل التقرير عن الباحثة بالشؤون العراقية في منظمة "هويمن رايتس ووتش" سارة صنبر قولها ان السياحة في العراق تتيح للزوار رؤية العراق الحقيقي، مضيفة أنه "لسوء الحظ، هيمنت مشاهد العنف والحرب على التمثيل الإعلامي للعراق خلال العقود القليلة الماضية".
وتابعت قائلة إن "الصورة النمطية التي تتبادر الى اذهان الكثير من الناس عندما يفكرون في العراق هي دبابة في الصحراء. لكن في الواقع، العراق بلد متنوع بشكل لا يصدق بكل معنى الكلمة، وغني بالجمال الطبيعي والتاريخ والثقافة، وتتنوع المشاهد الطبيعية من الاهوار في الجنوب إلى الجبال في الشمال، ويعود تراثها الثقافي إلى آلاف السنين ويمثل حضارات لا تعد ولا تحصى".
ونقل التقرير عن صنبر قولها "لم اشعر ولو مرة واحدة بالخطر اثناء زيارتي للعراق، وانما على العكس تماما، حيث شعرت بان بغداد اكثر امانا من معظم المدن الأمريكية الكبرى. لقد قيل لي باستمرار: مرحبا بك في العراق يا حبيبتي، وفي أوقات كثيرة كان الناس يدعوني الى منزلهم لتناول طعام الغداء".
ترجمة وكالة شفق نيوز