شفق نيوز/ مات عبد طه، بائع الشاي المفجوع في الموصل. مات عندما قتلت شريكة حياته الى جانبه بقذيفة، ومات وهو مطوق وعائلته بالموت الداعشي. ومات وهو ينتظر ان تواسيه دولته، ولم تفعل.
هكذا غادر عبد طه، مكسورا مئة مرة، بعدما كتم آلامه وجروحه التي صنعتها شظايا الحرب المتوحشة التي أحاطت به وعائلته في الموصل عندما كانت المدينة تحت رحمة عصابات الدواعش.
لم تسعف عبد طه صورته الشهيرة التي شاعت في الإعلام حول العالم، وهو يهرول حاملا ابنته، وكأنه يخرج من الجحيم. ولم تجلب الصورة له اهتماما من دولته كان ربما يحتاجه لمداواة انكسار نفسيته، بعد درب الجلجلة الذي أجبر على السير فيه.
وكالة شفق نيوز، تقصت عن عبد طه، انطلاقاً من صورته اليتيمة في عالم الإعلام، وعلمت أنه رحل.
كان وقتها يهرول حاملا ابنته وهو يصرخ طلبا للنجدة إبان معركة الموصل. ربما كان يعتقد أن زوجته لم تكن قد فارقت الحياة بعدما سقطت قذيفة هاون على أفراد العائلة المنكوبة. وكان عبد طه أصيب بجروح ايضا، وبدت ابنته مفجوعة من الرعب، تماما كالمدينة التي كانت تعيش أبشع أيامها في تاريخها كله.
وعاش عبد طه مع جروحه من شظايا القذيفة، بعدما خسر زوجته التي رحلت تاركة له طفلتين، لليتم والحرمان.
يقول والد عبد طه لمراسل شفق نيوز الذي بحث عن عائلته بإن عبد طه كان يبيع الشاي قرب احدى الدوائر الحكومية في المدينة ليربي طفلتيه وقد كان يعاني طوال الفترة الماضية من الشظايا في جسده وحالته النفسية متدهورة منذ أن فارقت زوجته الحياة.
واشار والد عبد طه الى انهم لم يحصلوا على التعويض المالي لزوجة عبد حتى اليوم ورحل عن هذه الدنيا لتبقى بنتاه وحيدتان من دون أب وأم .
وبحسب ما يروي شقيقه علي، فقد عاش عبد طه ظروفاً صعبة وكان يتألم من الشظايا ويتألم على زوجته وامتنع عن الزواج بعد رحيلها، حتى استطاعت العائلة اقناعه بتبديل موقفه، ولم تمر سوى فترة قصيرة على إنجاب زوجته الجديدة طفلة له وأصبح لديه ثلاث بنات، لكنهن سرعان ما أصبحن يتيمات، برحيله.
ويشير علي الا ان حال عبد طه وعائلته ماهو الا حال الآلاف من أبناء الموصل الذين ضاعت حقوقهم بسبب الاهمال الحكومي لهم، وقصصهم المحزنة أكثر من ذلك، ولكنها لم تظهر أمام وسائل الإعلام.
اما فيما يخص ملف التعويضات، قال سكرتير رئيس لجنة التعويضات في الموصل محمد عكَله لمراسل شفق نيوز، ان الاجراءات كانت تستغرق سابقاً عدة اشهر لكن بعد تحويل ملف التدقيق الامني للضحايا الى بغداد، أصبح التدقيق لوحده يستغرق ما بين عام وعامين ونصف العام، وهو ما يؤخر كثيراً معاملات الضحايا او معاملات تعويض الاملاك والعقارات والاثاث.
وكشف عكله في حديثه لشفق نيوز ان عدد المعاملات المنجزة تجاوز 80 الف معاملة سواءً التي تخص الضحايا او الجرحى او التي تخص العقار والاثاث، مشيرا الى ان هذا الرقم سيرتفع مع إنجاز إحصائية نهاية هذا العام. وتابع قائلا ان هناك المزيد من المعاملات قيد الانجاز.
اما نائب رئيس مفوضية حقوق الانسان علي ميزر الجربا، فقد اتهم الحكومة المركزية ونواب المحافظة بالتقصير في هذا الملف وتعقيد الاجراءات، مؤكدا ان اكمال المعاملات اشبه بالاذلال لاصحابها لما يعانوه، وخير دليل هو ان بعض المعاملات قد تستغرق اكثر من 3 اعوام لانجازها وهذه مدة طويلة وشديدة القساوة على ذوي الضحايا، خصوصا ان غالبيتهم يعيشون العوز والحرمان بعد ان فقدوا معيليهم.
وحاولت شفق نيوز الحصول على إحصائية دقيقة لأعداد الضحايا والجرحى في مدينة الموصل ولكن لم تتمكن دائرة الصحة او مؤسسة الشهداء من توفير اي احصائية دقيقة والارقام ما تزال ترتفع مع إنجاز المعاملات. وبكل الاحوال فإن تقديرات المفوضية العليا تشير إلى آلاف الضحايا والجرحى، كما يؤكد الجربا.
وبالإضافة إلى هذه المأساة، ما يزال ملف المفقودين هو الأشد تعقيداً خاصة ان هناك العشرات من المقابر الجماعية التي لم تفتح في نينوى حتى الان واكبرها مقبرة الخسفة التي تقول المفوضية بأن فيها أكثر من خمسة الاف جثة بحسب التقديرات.
لهذا كله، ربما مات عبد طه، قهرا.