شفق نيوز/ برغم تواريه عن الأنظار منذ العام 2003، إلا أن عزة إبراهيم الدوري الذي اعلن حزب البعث المنحل وفاته ودفنه في مكان مجهول، ظل محل اهتمام عراقي وعالمي بالنظر إلى قربه الكبير من صدام حسين، والشبهات التي ظلت تدور حول طبيعة أعماله في مرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي.
واذا تأكدت وفاته بشكل مستقل، فإن غيابه يطوي فعليا صفحة جديدة من صفحات الحزب منذ ستينيات القرن الماضي والتي لم يشهد العراق من قبل مثيلا لها من الاضطرابات والعنف والحروب والمذابح، والتي كان عزة الدوري أحد أبرز وجوهها، باعتباره "الرجل الثاني" في الحكم البعثي، وهو ما يطرح بشكل بديهي تساؤلات حول مصير الحزب المنحل، وما إذا كانت فلولهم قادرة على البقاء والاستمرار والتأثير داخل العراق.
ومن المعروف ان الدوري كان يعاني من مرض اللوكيميا منذ سنوات طويلة، ولهذا فان العديد من الشكوك كانت تثار خلال السنوات الماضية حول وضعه الصحي وتشير احيانا الى احتمال وفاته، الا ان الحزب لم يكن يعترف بموته. ونقلت شبكة "سي ان ان" الأميركية عن مصدر مطلع قوله ان الدوري دفن في مقبرة "غير مُعلنة " في محافظة صلاح الدين بحضور عددٍ من ذويه صباح الاحد.
وهناك عدة حوادث ارتبطت بعزة الدوري وساهمت في بروز اسمه في دوائر الاهتمام العالمي خارج العراق، لعل ابرزها عندما قاد الوفد العراقي للتفاوض مع ولي العهد الكويتي وقتها الشيخ سعد العبدالله الصباح حول الخلافات الحدودية والتي انتهت بفشل ذريع ومهدت بعدها سريعا الى قيام صدام حسين بغزو الكويت في العام 1990.
كما تولى مهمة فاشلة اخرى عندما انيطت به مسؤولية قيادة الجبهة الشمالية لمواجهة الغزو الاميركي في العام 2003، والتي لم ينجح خلالها في عرقلة التقدم العسكري الاميركي ولا مواجهة المقاتلين البيشمركة الذي تحركوا باتجاه المواقع العسكرية التابعة لنظام صدام حسين في اقليم كوردستان.
هذان المثالان هما على صعيد العمل السياسي والعسكري المباشر. اما على صعيد اظهار المسؤولية كقيادي عراقي بارز في السلطة في داخل العراق، فقد كان سلوكه لا يقل عنجهية عن صدام حسين نفسه وقد تجسد ذلك بشكل واضح عندما قال خلال حرب الخليج العام 1991، متوجها الى الكورد ليحذرهم من التحرك ضد النظام، بالقول "لو كنتم قد نسيتم حلبجة فانني اذكركم اننا على استعداد لتكرارها".
وبهذا المعنى، فان عزة الدوري الذي تعرض بعدها الى محاولة اغتيال خلال زيارة الى كربلاء في العام 1998، كان صورة حقيقية معبرة عن نظام صدام، سواء في اخفاقاته المتكررة او في تعاليه في التعامل والنظر الى مكونات المجتمع العراقي المختلفة، وهو سلوك ظل حاضرا على ما يبدو في اداء عزة الدوري في السنوات التي اخرج فيها البعثيون من الحكم.
فخلال الاحتجاجات والاضطرابات الشعبية التي ظهرت في الانبار خلال العام 2013، والتي رفع فيها السلاح في وجه الدولة العراقية، كان عزة الدوري قد أكمل انتقاله التدريجي من التركيز على "الاحتلال الاميركي" الى التركيز على "الاحتلال الإيراني". وقد تجلت اعادة التموضع هذه في كلمته المصورة التي للمفارقة بثتها قناة العربية السعودية في بداية العام 2013، والتي أعلن فيها انحياز حزب البعث المنحل الى المحتجين على الهيمنة الايرانية في الغرب العراقي، وهي احتجاجات كما بدا لاحقا، مهدت لظهور علني لتنظيم داعش واحتلاله لثلث الاراضي العراقية بعدها بشهور قليلة.
ولقد دارت شبهات كثيرة حول طبيعة دور عزة الدوري في "التمرد السني" ان صح التعبير، ومدى علاقته هو وفلول البعث في ظهور الجماعات المسلحة التي تشكلت منها داعش تدريجيا، خاصة بعدما تبين ان العديد من ضباط النظام الصدامي، لعبوا ادوارا قيادية بارزة في ولادة مجموعات الدواعش وتدريبهم وتوجيههم عقائديا، بحسب السلطات العراقية.
وتعززت هذه الشبهات حول عزة الدوري بسبب قيادته وقتها تنظيما عرف باسم "جيش الطريقة النقشبندية" الذي رفع لواء الإسلام، في استعادة لدور بارز أداه عزة الدوري نفسه في العام 1993، أي بعيد تحرير الكويت، وبدء الحصار الدولي على العراق، عندما تولى بتوجيه من صدام حسين نفسه، ما عرف باسم "الحملة الايمانية" التي تستهدف تعزيز النزعة الاسلامية داخل البيئة العراقية.
ولكل هذه الاسباب، وغيرها، يصير السؤال مشروعا عما ستؤول اليه الاوضاع داخل حزب البعث المنحل الذي تلقى ضربته الأكبر باعتقال صدام نفسه واعدامه، ثم بانشقاق كبير داخل الحزب عندما انفصل البعثي العسكري محمد يونس الاحمد البدراني عن القيادة التي يمثلها عزة الدوري بعد نحو ثلاث سنوات على غزو العراق، حيث قاد جناحا ارتأى اعادة توحيد الصفوف مع حزب البعث السوري.
والان بوفاة الدوري، يصير السؤال اكثر الحاحا. فالى اين سيذهب البعثيون العراقيون، او ما تبقى منهم؟ وهل يمكن التساؤل عما اذا كان الحزب المنحل قد انتهى فعليا؟
الخبير الأمني المقرب من أجهزة الاستخبارات العراقية، فاضل أبو رغيف قال لوكالة شفق نيوز، ان "اعلان وفاة عزة الدوري، لا يعني انتهاء حزب البعث في العراق، فكل حزب أيديولوجي او عقائدي لا يتأثر برحيل الاشخاص، خصوصاً ان البعث حزب انتخابي وفيه مجلس شورى، وهناك العديد من الشخصيات البارزة من مؤسسي حزب البعث رحلوا منذ سنين، لكن الحزب لم يتأثر بذلك".
وأوضح ابو رغيف ان "رحيل تلك الشخصيات، يمكن ان يؤدي الى انشقاقات داخل الحزب ويكون هناك اجنحة لهذه الحزب"، مضيفا ان "حزب البعث في العراق له مجلس رأي وشورى وهذا المجلس هو من يقوم بتحديد الشخصية التي تكون بديلة لعزة الدوري".
وأضاف الخبير الأمني، "وفق المعلومات ان بديل عزة الدوري سيكون عقلة صقر الكبيسي، ونحن نستبعد ان يكون اسمه الحقيقي، وهو من صقور حزب البعث وكان له منصب مدني كبير في نظام صدام حسين".
وتشير المعلومات المتوفرة الى ان عقلة الكبيسي ( وهو من مواليد العام 1944)، كان من من بين المطلوبين للحكومة العراقية والقوات الاميركية وجرى اعتقاله في العام 2003، ثم أفرجت عنه محكمة عراقية في العام 2012. وكان الكبيسي عضوا في القيادة القطري لحزب البعث، ومسؤولا بعثيا بارزا في محافظة ميسان (العمارة).
وبحسب بيان للقيادة المركزية الاميركية فان الكبيسي هو "2 السباتي" في ورق اللعب الذي اعدته وزارة الدفاع الاميركية لكل المسؤولين الملاحقين في نظام صدام.