شفق نيوز/ يشكل رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي حالة فريدة من نوعها في هذه الظروف العراقية القاسية، والاقليمية المعقدة، والدولية الواقعة تحت اعباء جائحة فيروس كورونا، إذ برغم كل ذلك، يمكن ملاحظة حركته الخارجية والداخلية الكثيفة، ما يجعله "رجل الساعة".
ويقول القيادي في تيار الحكمة علي الجوراني، لوكالة شفق نيوز، إن "رئيس الوزراء الكاظمي، يختلف عن جميع رؤساء الوزراء السابقين، فهو الأكثر نشاطا وشابا دؤوبا كثير الحركة والمتابعة في الشأن الداخلي والخارجي".
وتدل أحداث الشهور القليلة التي أمضاها الكاظمي في رئاسة الحكومة على ما يقوله الجوراني، بل ربما أكثر من ذلك، اذ انه بمقارنة سريعة يمكن أن يتضح أن الكاظمي يبدو الأكثر نشاطا على مستوى الدول العربية.
وفيما لم تسجل زيارات خارجية تذكر لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، فإن حال بقية الدول العربية لم يكن مختلفا كثيرا. فغالبية الرؤساء العرب ورؤساء الحكومات يمارسون مهامهم عن بعد لأسباب متعددة من بينها اعمارهم الكبيرة نسبيا، ومخاطر جائحة كورونا، وانشغال العواصم الاقليمية والاجنبية الأخرى بأعبائها الاقتصادية، قلص من جداول الزيارات المتاحة خارجيا، مع استثناءات محدودة تشمل الكاظمي.
ففي غضون اسابيع قليلة، كان الكاظمي يجري محادثات في طهران في يوليو/ تموز، في الزيارة الخارجية الاولى له ويلتقي مرشد الجمهورية علي خامنئي ونظيره الإيراني حسن روحاني. وفي أغسطس/ آب الماضي، كان في البيت الأبيض في واشنطن يشرف على استئناف محادثات الحوار الاستراتيجي مع الاميركيين ويلتقي الرئيس دونالد ترامب ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي واعضاء بارزين في الكونغرس الاميركي، وممثلين عن كبريات الشركات الاميركية المهتمة بالاستثمار في مشروعات عراقية.
وبرغم استثنائية توقيت الزيارة والانشغال الأميركي بالمعركة الانتخابية المحتدمة، تمنى عليه الاميركيون تمديد زيارته لليوم اضافي. وبالنظر الى الظروف الامنية الخطيرة التي مرت على مدينة البصرة بعد سلسلة اغتيالات وعمليات تفجير، حط الكاظمي فورا في البصرة بعد اختتام زيارته الى الولايات المتحدة.
ولم تكن زيارته الى البصرة شكلية، اذا جمع على الفور مسؤولي المحافظة وقادة الأجهزة الأمنية ليعطي أوامر بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة، بضبط التفلت الامني، بل واجرى حتى وهو في واشنطن ثم من بعدها في البصرة، تغييرات طالت مسؤولين أمنيين.
وبين الجوراني، القيادي في تيار الحكمة، في حديثه لوكالة شفق نيوز، ان "الزيارات الخارجية واللقاءات مع مسؤولين عرب وأجانب في العاصمة العراقية بغداد، هي مؤشر جيدة تصب في مصلحة العراق وعلاقاته الخارجية".
وحتى عندما يكون الكاظمي في بغداد، يكتظ جدول أعمال ونشاطات رئيس الحكومة بالاجتماعات بحسب ما يصدر من بيانات رسمية وما ينشره حساب رئاسة الوزراء على "تويتر"، سواء مع مسؤولين سياسيين او قيادات امنية، وتارة تراه في مقر مكافحة الإرهاب، وتارة اخرى في مقر قيادة العمليات المشتركة، وساعة يذهب لتفقد أحد السجون، ثم يشرف على عملية عسكرية ضد الارهاب، ويتفقد نقاطا حدودية، ثم يظهر لوهلة في مكان عام، أو يزور اهالي شهداء، ثم في أواخر الليل يلتقي بقادة كتل سياسية وبرلمانية لعقد مشاورات حول ملفات صعبة تحتاج الى "حلحلة".
وبعد عودته بأيام من واشنطن ومعالجة تحديات البصرة، كان في العاصمة الاردنية عمان للقاء قمة مع عبدالفتاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني، يرى محللون انه يعزز علاقات العراق اقتصاديا وسياسيا مع عاصمتين مهمتين اقليميا، ويعزز "الحضن العربي" للعراق، وقد يفتح أمامه منافذ الى البحرين الابيض المتوسط والاحمر. وتكون القمة الثلاثية مناسبة للكاظمي ليقدم رؤيته للتحديات الاقليمية بشكل شامل، ويؤكد الرسالة العراقية التي ما انفك يوجهها منذ توليه منصبه، انه يريد زرع الاستقرار في المنطقة وإبعاد العراق عن تجاذبات، واستبدال ذلك بصيغ تعاون وانفتاح واستثمار.
ويؤكد الجوراني ذلك بالقول ان "النشاط الخارجي لرئيس الوزراء الكاظمي، له مردودات ايجابية كثيرة على مستوى الاقتصاد والاستثمار والأمن وقضايا مهمة اخرى، خصوصاً هذا النشاط تم خلاله توقيع اتفاقيات مهمة مع مختلف الدول".
وتابع القيادي في تيار الحكمة اننا "مستبشرون خيرا بنشاط الكاظمي الخارجي، وتحركاته جيدة حتى الساعة، وعليه الاستمرار بهذا النشاط من اجل اعادة دور العراق في المنطقة والعالم".
بعد قمة عمان، عادت المملكة العربية السعودية لتفتح ذراعيها لاستقبال الكاظمي. فبعدما كانت طلبت تأجيل زيارته في يوليو/تموز الماضي بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بالملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وجهت دعوة رسمية لرئيس الحكومة العراقية لزيارة الرياض، وأوفدت وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان للمرة الاولى الى بغداد للقاء الكاظمي والتهميد للزيارة المرتقبة.
ثم كان الكاظمي على موعد جديد مع مسؤول غربي استثنائي: الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سبقته الى بغداد وزيرة الجيوش الفرنسيةفلورانس بارلي، وعلى الخطى ذاتها: من بيروت الى بغداد، لتوجيه رسائل تضامن، والأهم انتقادات ضد تركيا.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في حديث مع وكالة شفق نيوز انه "بما لا يقبل الشك أن الحركة الدبلوماسية والتواجد على مستوى جغرافية الدول المهمة، القطبية كالولايات المتحدة، ودول الجوار كإيران والقمة الثلاثية (بغداد، عمان، القاهرة) وزيارة الرئيس الفرنسي وما مخطط له في الأيام القادمة من زيارات واستقبالات، هو رصيد دبلوماسي للعراق".
ويقول الشمري ان "هذا يؤشر وجود مرحلة جديدة، لكسر العزلة، التي فرضت على العراق نتيجة السياسات الخاطئة التي اعتمدتها حكومة عادل عبدالمهدي في المحيط العربي وحتى الغربي، ونتيجة ما رافق الازمة السياسية". وأضاف "هناك نهج جديد متمثل بالانفتاح على العراق وتفاعل العراق على محيطه العربي والغربي وهذا سيعزز كثيرا من مكانة العراق واهمية دوره، ويعطي امكانية ان يطرح العراق بعض المقاربات لبعض الأزمات".
ويدرك الكاظمي حساسية المرحلة التي يمر بها العراق والمنطقة، ويدرك ان مفتاح نجاحاته تكمن في تفعيل اتصالاته وحركته داخليا وخارجيا والمراهنة على تفهم عراقي داخلي لرؤيته هذه، تساعده في تعزيز المكاسب التي يمكن ان يجنيها العراقيون.
وقال الشمري ان "رئيس الوزراء الكاظمي، امام تحديات داخلية بقضية ترجمة هذه الزيارات، وان تكون بارتداد إيجابي داخل الشأن العراقي الداخلي، فهناك آراء متباينة من قبل القوى السياسية العراقية ما بين مؤيد معارض بشدة وما بين من يستخدم الصواريخ كرسائل رفض لبعض الاتفاقيات والزيارات".
وتابع ان "الاستثمارات في الفترة المقبلة، لن تكون بمستوى الطموح، رغم مساحة الانفتاح الكبير، فالمشكلة، ليس بالاتفاقيات التي تعقد وإنما هناك من يعطل داخليا من ان يأخذ العراق دوره الدبلوماسي وامكانية ان يكون متصدرا، ولهذا هناك الكثير من التحديات أمام هذه الزيارات واللقاءات".
وختم رئيس مركز التفكير السياسي حديثه ان "الحركة الدبلوماسية، مرتبطة بما يمكن ان تحقق الحكومة العراقية من اصلاحات، فاذا لم تكن هناك اصلاحات حقيقية وجدية، فستكون الزيارات مجرد تاريخ وذكرى لا أكثر".
وفي الواقع، فإنه من المبكر الحكم على حركة الكاظمي الخارجية، من ناحية ترجمتها الى استثمارات تنعكس إيجابا بشكل سريع على الوضع الاقتصادي للعراقيين، او تكسر العزلة التي أحاطت بالعراق في السنوات الماضية. لكن المؤكد ان النشاط الذي يبديه رئيس الوزراء العراقي، يمكن ان يحقق مردودا في المرحلة التي تفصلنا عن الانتخابات المبكرة في بداية صيف 2021، ويؤكد ان استثنائية "رجل الساعة" الان، قد تكون تذكرته ليكون لاعباً اقليمياً يحسب له في المستقبل القريب.