شفق نيوز/ دعا معهد المركز العربي في واشنطن، يوم الاربعاء، الولايات المتحدة الى دعم "التوازن البراغماتي" الذي يتبعه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سواء على صعيد علاقاته مع طهران وواشنطن والدول العربية، او طبيعة حركته الداخلية في احتواء نفوذ قوى الإطار التنسيقي، وهي حركة وصفها المعهد بأنها "نشيطة وماكرة وبراغماتية".
اقرأ ايضاً:
جوانب تُكشف للمرة الأولى.. السوداني في دائرة الـ100 يوم: براغماتي عنيد ليبرالي الهوى، يُجِهّز لمفاجأة
وفي حين أشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن الإطار التنسيقي عندما اختار السوداني من بين صفوفه ليكون مرشحا لرئاسة الحكومة، فإنه كان يعتبر أنه سيكون مُنَفِذاً لسياسات الإطار وقراراته.
السوداني سياسي "ماكر"
واشار الى ان زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي وصفه بأنه بمثابة "مدير عام" وان اعضاء الاطار التنسيقي هم بمثابة "مجلس الادارة"، بينما كان العديد من العراقيين يعتقدون بالفعل ان رئيس الحكومة الجديد سيكون بمثابة اداة تحت سيطرة الاطار التنسيقي.
الا ان التقرير لفت الى ان الامور لم تسر بهذه الطريقة، وان السوداني الذي اكمل اول 100 يوم من ولايته، وهي فترة قصيرة نسبيا، اظهر نفسه على انه سياسي "نشط وماكر"، حيث يوازن بين التزاماته تجاه القوى العراقية الصديقة لايران والاحتفاظ في الوقت نفسه، بعلاقات جيدة مع الجيران العرب والولايات المتحدة.
وتابع التقرير ان بقاء السوداني سياسيا لبقية ولايته التي تبلغ اربع سنوات، سيكون معتمدا على قدرته على الحفاظ على هذا التوازن والتعامل مع العديد من التحديات السياسية والاقتصادية الخطيرة التي يواجهها حاليا.
وذكر التقرير انه خلال الايام الاولى للحكومة الجديدة، سعى اعضاء "متشددون" في الاطار التنسيقي، بمن فيهم رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وقوى في الحشد الشعبي، لبسط سيطرتهم على الاجهزة الامنية واكتساح شامل لمناصب وزارة الداخلية وجهاز المخابرات الوطني، ومجلس الامن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب.
وبين ان قوى في الحشد الشعبي كانت اتهمت جهاز المخابرات بالتواطؤ في اغتيال قائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني/ يناير 2020.
احتواء التمرد الصدري
وبالإضافة إلى ذلك، حرص السوداني على احتواء تمرد صدري محتمل وذلك من خلال رفضه الاستجابة لمطلب الإطار التنسيقي بالتخلص من نفوذ التيار الصدري في الحكومة الجديدة، موضحا ان السوداني على سبيل المثال، ابقى على حميد الغزي، المعين من قبل التيار الصدري ، في منصبه كأمين عام لمجلس الوزراء.
وتابع التقرير ان السوداني رفض ايضا الامتثال الكامل للأولويات الاخرى الخاصة بالاطار التنسيقي، مضيفا ان المالكي كان انتقده علنا لعدم عزله المسؤولين الذين عينهم سلفه مصطفى الكاظمي، بما في ذلك محافظو المحافظات.
العلاقات مع العرب وامريكا
وبعدما اشار التقرير الى ان اهتمام السوداني بالعلاقات مع الدول العربية، وهو ما يثير استياء الحشد الشعبي، ذكرّ بأن اولى سفراته الخارجية كانت الى الاردن والكويت والسعودية التي شارك فيها في القمة الصينية العربية، بالاضافة الى انه تلقى دعوة لزيارة الامارات.
واضاف انه برغم سفره ايضا الى ايران ولقاء المرشد الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي، الا ان تركيز السوداني كان على التعامل مع الجيران العرب وتنفيذ اتفاقيات الطاقة والتجارة التي سبق لحكومة الكاظمي ان تفاوضت حولها.
واعتبر التقرير ان اقامة علاقات اقتصادية اكبر مع الدول العربية سيؤدي الى تقليل اعتماد العراق على امدادات الوقود الايرانية وغيرها من المنتجات، ويساهم في اضعاف الفصائل العراقية المرتبطة سياسيا واقتصاديا مع ايران.
الى ذلك، لفت التقرير الى ان من ابرز التطورات في الايام الـ100 الاولى للسوداني، هو لقاءاته المتكررة مع السفيرة الامريكية في بغداد، وهي اجتماعات اثارت شكوك وانتقادات بين بعض الفصائل الشيعية المستمرة بالمطالبة بالانسحاب الكامل والفوري لجميع القوات الامريكية من العراق.
وذكرّ التقرير بتصريحات السوداني لصحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخرا عندما قال ان العراق ما يزال بحاجة الى دعم غير قتالي من القوات الاجنبية، بما في ذلك القوات الامريكية، في حربه ضد داعش، وهي تصريحات قال التقرير انها متناقضة مع المواقف المتشددة المعلنة من جانب قوى في الاطار التنسيقي، لدرجة انهم طرحوا تساؤلات فورية عما ما اذا كان السوداني يتصرف بعكس رغبات الفصائل الموالية لايران في التحالف او بموافقتهم وتنسيقهم.
الا ان التقرير اشار الى ان السوداني برهن على انه "سياسي ماهر يعرف كيف يستغل الانقسامات والتنافسات القائمة داخل الاطار التنسيقي"، موضحا ان السوداني تمكن على ما يبدو من اقناع المعتدلين، وبعض المتشددين على الاقل، بأن امنهم ومصالحهم يمكن ان تتحقق بشكل افضل من خلال المحافظة على توازن في علاقات العراق مع الولايات المتحدة وايران، ومن خلال طرح حكومته، وكأنها قناة للحوار مع الولايات المتحدة.
حوار ايراني امريكي عبر العراق
وبعد الاشارة الى نهج سلفه الكاظمي، قال التقرير ان السوداني ربما يكون قد اقنع ايران ايضا بأن العراق هو القناة الامثل لاجراء محادثات مع السعودية، وربما ايضا بشكل غير مباشر للحوار مع الولايات المتحدة.
وتابع انه في ظل وجود ايران في اوضاع سياسية محفوفة بالمخاطر على الصعيدين المحلي والدولي، وتراجع عملتها، ربما يلجأ القادة الايرانيون الى الاقتناع بأن اهدافهم ستتحقق بشكل افضل من خلال وجود صديق يتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن، مشيرا الى ان السوداني من جهته، يروج لهذا التوازن باعتبار انه سيكون مكسبا للاطراف كافة.
تعزيز شعبيته الداخلية
وذكر التقرير ان السوداني يركز ايضا على توفير خدمات افضل للشعب العراقي، وخصوصا للفقراء والعاطلين عن العمل، ويسعى في هذا الاطار الى محاولة كسب التأييد الشعبي من اجل تعزيز مكانته، مشيرا الى ان السوداني يريد ان تمر فترة ولايته الحالية، والفوز بفترة ولاية ثانية، بينما يقوم بتعزيز الدعم شعبيا لحزبه السياسي الحديث النشوء من اجل الانتخابات المحلية المقبلة، لان دعم الناخبين له سيكون مواز في اهميته السياسية للدعم الذي يحصل عليه من الاطار التنسيقي.
وبرغم ذلك، اعتبر التقرير ان المخاطر ما تزال قائمة امامه في المستقبل، موضحا ان المالكي وبعض الجماعات الشيعية المتشددة، ينظرون الى السوداني بعدم ثقة، وسيحاولون العمل على تقويض عمله.
براغماتية السوداني وايران
وتابع التقرير انه يجب التعامل مع علاقات السوداني وايران بحذر ويجب عليه ان يتأكد من ان ايران مدركة لفوائد براغماتيته.
واضاف ان رئيس الحكومة العراقي عليه ضمان المحافظة على التوازن الافضل في العلاقات مع الولايات المتحدة وايران والدول العربية من اجل ضمان مصداقية العراق كجهة داعية ومستضيفة للحوارات الاقليمية.
كما ان السوداني "في موقف صعب" امام المواطنين والاحزاب بسبب محنة الدينار الذي خسر نحو 7% من قيمته منذ تشرين الثاني/ نوفمبر العام 2022، خاصة عندما يتم النظر الى الولايات المتحدة على انها السبب في المشاكل المالية للعراق.
واضاف التقرير ان التحدي الاصعب امام السوداني سيكون الوفاء بتعهداته بمحاربة الفساد، وهو سيضطر الى مواجهة المصالح الخاصة لقوى الاطار التنسيقي واللاعبين السياسيين الاخرين.
وفي الختام، وبعدما اعتبر التقرير انه من السابق لاوانه الحكم على النتائج من ولاية السوداني الان، الا انه اضاف ان "هذه بداية افضل من المتوقع لرئيس الوزراء الذي اختاره الاطار التنسيقي".
ولهذا، دعا التقرير الولايات المتحدة الى دعم "الموازنة البراغماتية للخيارات الصعبة التي وضعها السوداني مع تعزيز التعاون الوثيق"، مضيفا ان اتفاقية الاطار الاستراتيجي للعام 2008، تمثل فرصة كبيرة امام الولايات المتحدة لتنويع وتوسيع علاقتها مع العراق خارج قطاع الامن، بما في ذلك القضايا البيئية والتعليم ودعم الشركات الصغيرة، وتحقيق الاستقرار، وهو ما سيعود بالفائدة على الشعب العراقي وعلى الحكومة.
كما دعا التقرير واشنطن الى الثقة بالسوداني على كلماته عندما يتعهد بمكافحة الفساد، وان تعمل مع حكومته على تطوير الادوات واتخاذ الاجراءات التي تمنع نزيف ثروة العراق.
كما ختم التقرير بالقول ان على الدول العربية ان تعزز الميزة التي العراق اكتسبتها خلال بطولة كأس الخليج التاريخية في البصرة، والتي ظهر فيها الدعم الشعبي الكبير لدور العراق بين الدول العربية الشقيقة، مضيفا انه يجب على هذه الحكومات الضغط من اجل تنفيذ مشاريع الطاقة والصناعة والتجارة التي بدأها الكاظمي، والترويج ايضا لنوع الدبلوماسية الشعبية التي اثبتت نجاحها في البصرة.