شفق نيوز/ "هذا جيش مؤلف على ما اعتقد من 350 الف شخص، قوي التسليح من جانب الولايات المتحدة ومدرب منها لمدة عشرة اعوام.. بضعة الاف من المقاتلين ظهروا وهربوا جميعاً.. الضباط هربوا أولاً، ولم يعلم الجنود ماذا يتحتم عليهم القيام به، فهربوا هم ايضاً".
لا يتعلق هذا الوصف بالانهيار الدرامي للقوات المسلحة الافغانية امام هجوم طالبان السريع الذي اكتسح غالبية البلاد في غضون ايام، وإنما هو تلخيص قدمه البروفيسور نعوم تشومسكي لفشل الجيش العراقي في الدفاع عن شمال العراق في يونيو/حزيران 2014، عندما غزا "داعش" ثلث البلد بما في ذلك ثاني اكبر المدن العراقية الموصل في غضون ايام.
هكذا استهلت مجلة "فوربس" الامريكية تقريرها، واضافت قائلة إنه فيما بدأت الولايات المتحدة انسحابها الاخير من افغانستان، فان مقارنات يمكن أن تجري بينه وبين انسحابها الكامل من العراق في كانون الاول/ديسمبر 2011، إذ أنه وبعد هذا الانسحاب ظهرت داعش واقامت "خلافتها" وسيطرت على اجزاء واسعة من العراق وسوريا، تعادل مساحة بريطانيا.
وأضافت المجلة في تقرير لها نشرته باللغة الانجليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، أن الامر تطلب ثلاثة اعوام لاستعادة المدن الرئيسية من داعش، بما في ذلك معركة تسعة شهور عنيفة لتحرير الموصل، ولم تتمكن بغداد من تحقيق ذلك لولا أن الولايات المتحدة شكلت وقادت تحالفاً دولياً شن الاف الغارات لدعم الهجوم العراقي المضاد، كما أنه سلح وقدم المشورة والتدريب للقوات الخاصة العراقية.
وتساءلت المجلة عن سبب فشل كل من قوات الامن الافغانية والعراقية بشكل سيء في اغسطس/آب 2021 ويونيو/حزيران 2014، بعدما كانت الولايات المتحدة أمضت السنوات السابقة في استثمار اموال طائلة في تسليح وبناء وتدريب جيوشها وقواتها الأمنية لتمكينها من مكافحة التهديدات المتمردة والإرهابية.
وأشارت إلى أن الرئيس جو بايدن سعى في الشهر الماضي الى استبعاد فكرة ان افغانستان ستسقط في أيدي طالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة نظراً لحجم وقوة قواتها المسلحة، وذلك عندما قال "لأن القوات الأفغانية لديها 300 الف جندي مجهزين تجهيزاً جيداً، والقوات مجهزة جيداً كأي جيش في العالم، وقوة جوية ضد نحو 75 الف مقاتل من طالبان".
وتابعت أن الجيش الافغاني الكبير انهار مثل منزل من ورق في ظل تقدم طالبان للاستيلاء على مدينة تلو الاخرى، وفشل أيضاً في منع طالبان من السيطرة على غالبية البلاد واسقاطها الحكومة حتى قبل أن تستكمل واشنطن انسحابها المقرر بحلول 31 اغسطس/ آب الحالي.
ولفت تقرير اللمجلة الامريكية، إلى أن الجيش العراقي فيما قبل يونيو/ حزيران العام 2014، بدا أنه قادر بشكل جيد على التغلب على المتمردين المسلحين بشكل خفيف نسبياً نظراً لأعداد الجنود العراقيين المتفوقين وعتادهم العسكري، لكن بدلاً من ذلك، فأن الذي جرى هو أن قوة قوامها 30 الف جندي عراقي في الموصل هربت فيما كانت قوى صغيرة نسبيا لا تقل عن 800 مقاتل من "داعش" تستولي على المدينة.
وأضافت، أنه كما هو الحال اليوم بالنسبة الى حركة طالبان، فأن "داعش" لم يكن يصدق سرعة انتصاره وحظوظه هذه، مشيرة الى أنه في كلتا الحالتين، تم الاستيلاء على كميات كبيرة من المعدات والاسلحة العسكرية الامريكية، وخاصة عربات "الهامفي"، من قبل المسلحين.
وذكرت المجلة أنه عندما بدأت طالبان في مراكمة الزخم بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب، تزايد الاعتقاد داخل القوات الافغانية بأن حكومة الرئيس أشرف غني لا تستحق القتال دفاعاً عنها والموت من اجلها، فيما كان الجنود والضباط يشعرون باليأس والتخلي عنهم.
واعتبرت المجلة أن الولايات المتحدة شكلت جيشاً لأفغانستان "كصورة دقيقة للجيش الامريكي"، ولكنه يعتمد بشكل دائم، على شبكة من الدعم الجوي، والاستخبارات، والخدمات اللوجستية، والتصليح وأطقم الصيانة، والتنقل السريع بالطائرة المروحية من منطقة معزولة في البلاد الى اخرى.
وكنتيجة لذلك، فما أن بدأ الامريكيون بالانسحاب بدأت تتلاشى هذه الشبكات الداعمة، ولهذا "انهار الجيش الافغاني بشكل محتوم".
وبالنسبة إلى الحالة العراقية، فقد اعتبر تقرير المجلة أن "كارثة يونيو/ حزيران العام 2014، كانت نتيجة القرارات السياسية في الحكومة الطائفية لرئيس الوزراء نوري المالكي، الذي قوض بشكل أساسي الجيش الفعال الذي ساعد الأمريكيون العراق في بنائه قبل ديسمبر/كانون الاول 2011".
ونقلت المجلة عن الباحث كينيث بولاك قوله في كتابه الصادر العام 2018 "جيوش الرمال: الماضي والحاضر والمستقبل للفعالية العسكرية العربية"، إن "المالكي بدأ في تنحية الضباط الاكفاء غير السياسيين الذين عينتهم الولايات المتحدة بصعوبة في جميع أنحاء هيكل القيادة العراقية، واستبدلهم برجال موالين له، وبذلك قام بإبعاد الضباط الاكثر كفاءة (لأن هؤلاء هم الرجال الذين روجتهم الولايات المتحدة) واستبدلهم بالمجرمين والوسطاء الذين قامت الولايات المتحدة بتهميشهم عن عمد".
وبالإضافة إلى ذلك، أشارت المجلة إلى أن "المالكي أوقف برامج التدريب التي وضعتها الولايات المتحدة"، مضيفة أن "تسييسه للجيش العراقي وطائفيته العلنية خدمتا داعش".
وذكّرت المجلة، بما كتبه بولاك، بأن "الجنود العراقيين السنة لم يكونوا على استعداد لمحاربة داعش دفاعاً عن حكومة المالكي، وهم الذين كانوا قد احتجوا مراراً على تهميشهم لأسباب طائفية"، وأضاف أن "الجنود الكورد الذين يخدمون في الجيش العراقي كانوا غير مستعدين أيضاً للقتال من أجل المالكي، لأنه سبق له أن هدد بمهاجمة وطنهم كردستان العراق".
وبحسب بولاك ايضاً، فأن "الجنود الشيعة الباقين، عندما فر الضباط السنة والكورد، لم يشعروا بضرورة القتال والموت للتمسك بمدن سنية كالموصل وتكريت وبيجي وسامراء".
وكتب بولاك أنه "في حالات كثيرة، فأن القادة الشيعة من اتباع المالكي هم كانوا اول من فر وبدأ مسار العملية كلها"، مضيفاً أنه "كما هو الحال دوماً في هذه النمط من الأحداث المتتالية، أحدثت فان حالات الفرار القليلة الأولى يكون لها تأثير كرة الثلج".