شفق نيوز/ تباينت القراءات الأمريكية لقرار حكومتي بغداد وواشنطن بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي وجدولة انسحاب قواته من العراق، ما بين من يراه قرار طبيعي بعد تحقيق الهزيمة ضد تنظيم داعش، وبين من يدعو إلى ضرورة حدوث "انفصال واضح" للقوات العسكرية الأمريكية عن العراق، وهي مهمة ستقع على عاتق الرئيس الجديد في البيت الأبيض.

وذكر موقع "ميديا لاين" الأمريكي في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن القرار العراقي الأمريكي يأتي وسط توترات متصاعدة في الشرق الأوسط، حيث تزيد الحروب التي تشمل إسرائيل، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس في غزة، من مخاطر نشوب حرب إقليمية أوسع.

ولفت التقرير إلى أن القواعد العسكرية الأمريكية في العراق أصبحت بمثابة هدف متكرر لهجمات الميليشيات المدعومة من إيران، والتي تزايدت فيما بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في العام الماضي.

خطة الانسحاب

وأشار التقرير إلى أنه في المرحلة الثانية المتصورة من خطة الانسحاب، فإن الولايات المتحدة ستبقي على وجود محدود لقواتها، من أجل دعم جهود مكافحة تنظيم داعش في سوريا حتى العام 2026، على الرغم من أن العدد المستقبلي للجنود الأمريكيين في العراق ما يزال غير واضح.

وفي هذا الإطار، اعتبرت مجلة "تايم" الأمريكية أنه على الرغم من إصرار المسؤولين الأمريكيين على أن واشنطن لن تسحب جميع قواتها البالغ عددها 2500 جندي من العراق، فإن هؤلاء المسؤولين مترددون في استخدام مصطلح "الانسحاب"، حتى لو كانت الولايات المتحدة ستقلص انتشارها خلال العامين المقبلين.

ورجحت "تايم" أن يؤدي هذا الإعلان حول مصير وعديد القوات الأمريكية، إلى تهدئة شخصيات مؤسسة الأمن القومي، والنواب والمعلقين والجنرالات السابقين الذين يشعرون بالقلق دائماً حول الانسحاب الأمريكي الكامل ويسارعون إلى القول بأن خطوة كهذه تمثل خطراً على المصالح الأمريكية.

إلا أن المجلة الأمريكية اعتبرت أن مثل هذه المخاوف لا تصمد عندما يتم التدقيق بها، وأكدت أن "ما تحتاجه الولايات المتحدة هو انفصال واضح، وليس إلى مرحلة انتقالية مستندة على الظروف يمكن أن تؤدي إلى تمديد مهمتها لسنوات مقبلة"، مشيرة إلى أن "إدارة بايدن رفضت تقديم تفاصيل حول عديد الجنود الذين سيبقون في العراق".

ولفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة أنجزت بالفعل أهدافها في مكافحة تنظيم داعش، بعدما شكلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تحالفاً كبيراً وبدأت في مهاجمة مواقع داعش في أيلول/ سبتمبر العام 2014، حيث كانت المهمة الأمريكية واضحة وتتمثل في القضاء على "خلافة" داعش الإقليمية، والتي وصلت في مرحلة ذروتها إلى مساحة بحجم بريطانيا، وفيها نحو ثمانية ملايين شخص، وتحقق دخلاً يومياً يقدر بمليون دولار من مبيعات النفط في السوق السوداء، بينما كان التنظيم يضم في صفوفه عشرات الآلاف من المقاتلين من أكثر من 80 دولة.

عودة داعش

وقللت المجلة الأمريكية من شأن التقديرات القائلة بأن انسحاب القوات الأمريكية وغيابها سيؤثر على قدرات وقوة الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، مذكرة بأن الحكومة العراقية، والأتراك، والروس، وحتى نظام الرئيس بشار الأسد، لديهم مصلحة ذاتية في ضمان عدم عودة "خلافة" داعش، بالإضافة إلى أن قدرات هذه الأطراف العسكرية أصبحت اليوم أفضل حالياً مما كانت عليه عندما بدأت مهمة محاربة داعش قبل عقد من الزمن.

وبحسب التقرير، فإن الجيش العراقي صار يتمتع بمهارة أكبر من أي وقت مضى في التخطيط والتنظيم وتنفيذ العمليات المستقلة ضد معاقل الإرهابيين على طول محيط البلاد، وهو ما يمكن قوله أيضاً عن البيشمركة، التي بحسب المفتش العام لوزارة الدفاع الأمريكية لمهمة مكافحة داعش، قامت بتحسين تخطيط المهام وعمليات مكافحة التمرد في منطقة مسؤوليتها.

وإلى جانب ذلك، قال التقرير إن مجتمع الاستخبارات الأمريكي سيظل يركز بشدة على داعش، ولن يتردد في القيام بإجراء في حالة اكتشاف مؤامرة وشيكة أو ظهور إرهابي بارز، مضيفاً أن الولايات المتحدة برهنت على أنها قادرة على القيام بالأمرين من دون وجود بري.

وذكرّ على سبيل المثال أنه في آب/ أغسطس عام 2022، أي بعد عام على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، فأنها تمكنت من قتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة بطائرة مسيرة.

وفي حين تساءلت المجلة عما إذا كان داعش معطل تماماً، قالت إن صيغة مثل هذا السؤال خاطئة، وأن السؤال الصحيح هو عما إذا كانت خدمة مصالح الولايات المتحدة تكون من خلال البقاء في العراق إلى الأبد، خصوصاً عندما يؤدي ذلك إلى مواجهتها المزيد من المشاكل الأمنية، حيث أن الوجود الأمريكي يمثل "هدية" لإيران والميليشيات المتحالفة معها.

ولفت إلى أن القوات الأمريكية جرى استهدافها أكثر من 200 مرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك لأسباب أهمها أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.

وخلصت المجلة إلى القول إن "الولايات المتحدة تخوض مخاطر غير ضرورية لتحقيق مهمة تم إنجازها قبل سنوات".

السؤال المعلق

وتابعت قائلة إن "إدارة بايدن مهدت الطريق أمام علاقة أكثر طبيعية مع الحكومة العراقية، والسؤال المعلق، الذي لم يتحدد بعد، هو ما إذا كان الرئيس الأمريكي المقبل سوف يدرك أخيراً أن الولايات المتحدة قد حققت كل ما في وسعها في العراق، وأنه إذا كان الأمر كذلك، فمتى؟".

ومن جهتها، قالت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن المهمة العسكرية الأمريكية ستتحول في نهاية المطاف إلى علاقة أمنية ثنائية، إلا أنهم لم يشيروا إلى ما قد يعنيه ذلك بالنسبة لعديد الجنود الأمريكيين الذين سيبقون في العراق مستقبلاً.

مذكرة بأن الاتفاق الجديد يعتبر المرة الثالثة خلال العقدين الماضيين التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن تحول رسمي لدور قواتها المسلحة في هذا البلد.

وذكرت الصحيفة الأمريكية نقلاً عن مسؤولين عراقيين، أنه بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإن القوات الأمريكية ستبدأ في المغادرة من قاعدة الأسد الجوية ومن مطار بغداد الدولي، بينما سيتم نقل تلك القوات إلى قاعدة حرير الجوية في أربيل.

وأشارت الصحيفة إلى أن النقاد يحذرون من أن تصاعد هجمات داعش خلال العام الحالي في سوريا عبر الحدود الصحراوية من العراق.

ونقلت عن المحلل في "معهد الشرق الأوسط" الأمريكي تشارلز ليستر قوله إن الانسحاب من العراق هو "سبب مهم فعلاً للقلق".

وبحسب ليستر، فإن الانسحاب من العراق ليس بسبب أن داعش اختفى، موضحاً أنه "يعود إلى أن هناك نسبة كبيرة من مجتمع صناع السياسة في بغداد، لا تريد وجود قوات أمريكية على الأراضي العراقية."

ترجمة وكالة شفق نيوز