شفق نيوز/ استعاد موقع "ميدل ايست آي" البريطاني خلفيات المشهد الحالي القائم في سنجار والذي وصفه بانه قد تحول الى "عش للمكائد والصراعات" وتنافس بين الدول والجواسيس والفصائل المسلحة، من اجل تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الاستراتيجية.
وقال الموقع البريطاني في تقرير نشره باللغة الانكليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، إن بدايات تشكل المشهد الحالي، بدأت عندما اكتسح تنظيم داعش المنطقة مهدداً حياة عشرات الاف الاشخاص، بما في ذلك الاقلية الايزيدية، وبينما لم يتحرك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لانقاذ الموقف، حدث تنسيق مباشر وقتها بين رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، وقائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، وابو مهدي المهندس، للتدخل العاجل، والاستعانة بداية بحزب العمال الكوردستاني والمقاتلين الكورد في الشرق السوري.
إلا أن ابرز ما يخلص اليه تقرير "ميدل ايست آي" أن أحد أبرز جوانب اهتمام سليماني والمهندس بما يجري في سنجار، مرده أن ايران لديها خطط لتصدير الغاز الى اوروبا عبر سنجار، ومنها الى الاراضي السورية واللبنانية، في حال رفعت العقوبات عنها.
وبعدما لفت التقرير إلى أن إيران وتركيا وخلال الشهور الماضية برزتا كأقوى قوتين في المدينة الحدودية، وان الدولتين مرتبطتان بشبكة من المسؤولين العراقيين المحليين والاتحاديين والقادة السياسيين والعسكريين والفصائل المسلحة، ويعملون على تنفيذ اجندات البلدين منذ سنوات دون ان يتسببوا بالاخلال بتوازن القوى بينهما.
إلا أن التقرير البريطاني نقل عن مراقبين ومسؤولين عراقيين، قولهم إن العمليات العسكرية التركية في سنجار وحولها والتي تستهدف حزب العمال الكوردستاني وحلفائه المحليين المدعومين من ايران، تتسبب في تصعيد التوتر وقد تؤدي الى اشتعال الاقتتال بين وكلاء ايران وتركيا.
نقطة اجتذاب للفصائل
وذكر التقرير أن سنجار الواقعة بالقرب من الحدود السورية على بعد 140 كيلومترا شمال غرب الموصل، هي احدى البلدات الواقعة في منطقة متنازع عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كوردستان.
ولفت التقرير إلى أن تنظيم داعش اجتاح المنطقة بما فيها سنجار في اغسطس/آب العام 2014، وقتل وأسر الالاف من رجالها ونسائها واطفالها الايزيديين والشيعة، وهرب الاف اخرون الى الكهوف في الجبال، وعندها تدخلت القوات دولية مدعومة من الولايات المتحدة للمساعدة في التصدي للارهابيين من خلال تنفيذ ضربات جوية.
ونقل التقرير عن مسؤول عراقي كبير قوله، إن هذه المساعدة كان لها "ثمنها"، موضحاً أن واشنطن والدول الحليفة لها، حملوا مسؤولية صعود داعش وانهيار الجيش العراقي لـ"السياسات الطائفية" لنوري المالكي واتهموه أيضاً بتهميش السنة والكورد والسماح بانتشار الفساد والمحسوبية داخل مؤسسات الدولة.
ولهذا، قال المسؤول العراقي، إن واشنطن وحلفائها رفضوا التدخل عسكرياً ما لم يتنحى المالكي أولاً.
ولفت التقرير إلى أن المالكي "الغاضب"، قرر التوجه شرقاً الى حلفائه الايرانيين، مضيفاً أن سليماني والمهندس صارا يشرفان شخصياً على المعارك مع داعش، وأن المالكي كان يجتمع بهما بشكل شبه يومي "لمتابعة آخر التطورات واتخاذ الاجراءات اللازمة لكبح جماح المسلحين"، وهو ما اكده قائد فصيل شيعي تدعمه ايران.
وأشار التقرير إلى أنه في ظل تردد القوى الغربية وعدم تمكنها من تقديم دعم ارضي فوري، فأن المالكي طلب نصيحة سليماني والمهندس حول سنجار، حيث لم يكن وقت كاف، ولم تتوفر ممرات آمنة الى سنجار لنقل الفصائل المسلحة المدعومة من ايران بهدف اخلاء نازحي البلدة لان داعش كان قد سيطر على جميع البلدات والمدن المجاورة.
ونقل التقرير عن مسؤول عراقي رفيع المستوى معني بشؤون الاقليات، قوله إن سليماني والمهندس طلبا بدلاً من ذلك مساعدة الجماعات المسلحة الكوردية في شرق سوريا من اجل القيام بتدخل عاجل لتأمين الحماية المطلوبة للايزيديين والشيعة المحاصرين، إلى أن يتم ايجاد حل مناسب".
وتابع أن المالكي وافق على مقترح سليماني والمهندس، وأوكل المهمة إلى مسؤول بارز في وكالة الامن القومي العراقي.
وبحسب التقرير، فأن من ابرز الجماعات التي تم التواصل معها من اجل ذلك هما حزب العمال الكوردستاني، وفروعه السورية، مثل "وحدات حماية الشعب"، مضيفاً أنه من اجل استغلال ضيق الوقت وتجنيد المزيد من الاشخاص من اجل عملية الانقاذ هذه، اتصل المرشد الروحي للايزيديين بابا شيخ خرتو حاج اسماعيل، بزعيم الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب، حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، طالباً منه أن يتدخل.
ونقل التقرير عن مسؤول عراقي بارز مرتبط بسنجار قوله، إنه "لم تكن هناك خيارات كثيرة، وحياة عشرات الالاف كانت على المحك، وصار تشكيل هذه الجبهة حتمياً ولا يقدر بثمن"، مضيفاً "لا اعتقد أن المالكي أو بابا الشيخ فكرا بما سيحدث بعد ذلك حيث كان الوضع مأساوياً وضاغطاً، ولم يكن هناك وسيلة لانقاذ هؤلاء من دون مساعدة حزب العمال الكوردستاني".
وتابع المسؤول قائلاً، إن ما حدث لاحقاً كان بمثابة مفاجأة حيث "تحولت المدينة المنسية الى نقطة استقطاب حيث جذبت اكبر عدد من اجهزة المخابرات والجماعات المسلحة في المنطقة".
ولفت التقرير إلى أن حزب العمال الكوردستاني ووحدات حماية الشعب قاما بتنفيذ المهمة المطلوبة، وجرى انقاذ العائلات المحتمية بالجبال، وذلك بمساعدة ايضاً من سلاح الجوي الغربي، وتم اجلاء الالاف من اهل سنجار نحو الاراضي السورية.
وأضاف التقرير أن "المهندس وسليماني لم ينسيا مكافأة المقاتلين الكورد، حيث تم تسجيل العشرات من مقاتلي حزب العمال الكوردستاني ووحدات حماية الشعب على كشوف رواتب الحشد الشعبي الذي تشكل لمحاربة داعش" وفق رأيه.
ومن أجل أن تصبح هذه الترتيبات متماسكة، قال احد القيادين البارزين في الحشد الشعبي، "جرى تسجيل هذلاء المسلحين على انهم فصيل مسلح من الايزيديين يسمى - وحدات حماية سنجار - وعددهم الحقيقي ليس معروفاً، لكن 90 مقاتلاً ايزيدياً كانوا مدرجين ضمن مخصصات جدول الرواتب منذ العام 2015".
وذكر التقرير، أنه بينما رفض حزب العمال الكوردستاني ووحدات حماية الشعب مغادرة سنجار ليحتفظا بذلك ببعض الوجود في المنطقة بعد تحريرها من داعش، فأن "المهندس الذي كان وقتها نائب قائد الحشد الشعبي ولديه صلاحيات مطلقة لتمويل وتجهيز الفصائل المسلحة والمقاتلين الذين حاربوا ضد داعش، سعى من اجل تأمين موطئ قدم له وحلفائه الايرانيين في المنطقة".
وتابع التقرير نقلاً عن مصدر في مكتب رئيس الوزراء العراقي، إن "المهندس كان يدرك الخصوصية الجغرافية والعرقية والدينية في المنطقة، ولهذا فأنه سعى الى طمأنة الايزيديين وكسب ثقتهم من خلال تجنيد المئات منهم، حيث قام بتشكيل ستة فصائل مسلحة، مرتبطة كلها بالحشد الشعبي".
ولفت التقرير إلى أن "المهندس طبق الخطوة نفسها مع السنة في سنجار، حيث شكل جماعتين جديدتين للمسلحين السنة المرتبطين بالحشد الشعبي".
والآن وبعد اغتيال المهندس وسليماني في غارة امريكية العام 2020، فأن هذه الفصائل ما زالت متمركزة في سنجار وحولها، كما تمركزت فصائل شيعية بارزة، بينها كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق، بين سنجار وتلعفر، وفق ماذ كر التقرير.
ونقل التقرير عن مسؤولين عراقيين وامريكيين ومراقبين دوليين قولهم، إن هناك "علاقات تكافلية" قائمة بين حزب العمال الكوردستاني وبين الفصائل المدعومة من ايران، حيث أن الحشد يؤمن الدعم المالي والغطاء الحكومي والملاذات الامنية لحزب العمال الكوردستاني وفروعه السورية، بينما يقوم حزب العمال وحلفاؤه بتأمين الحدود السورية وطرقات التهريب، في حين يواصل ضغطه على تركيا والحزب الديمقراطي الكوردستاني في اقليم كوردستان.
وبحسب مسؤول عراقي بارز، فأنه "يتواجد في سنجار وحولها حوالي 20 فصيلاً مسلحاً محلياً واقليمياً، وتسيطر ايران على نصفها ولديها تحالفات استراتيجية مع النصف الاخر".
وقال المسؤول العراقي أيضاً إن "المهندس كان شديد الاهتمام بهذا المجال، ولم نكن نعرف السبب في ذلك الوقت".
ونقل التقرير عن مصادر عراقية وامريكية قولها، إن "ايران لديها خطط من اجل تصدير الغاز نحو اوروبا عبر الموانئ اللبنانية والسورية في حال رفع العقوبات عنها".
وتابع التقرير ان "سنجار، تعتبر من الناحية الاستراتيجية، منطقة تهريب وامداد مهمة"، كما نقل عن مصادر قولها إن "خط انابيب غاز الى ميناء بانياس البحري على البحر المتوسط، سيمر عبر ضواحي سنجار".
تركيا vs ايران
وذكر التقرير البريطاني أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو احد اللاعبين في شمال العراق والذي لا يمكن تجاهله، وهو القوة الرائدة في حكومة اقليم كوردستان وشريك لتركيا منذ فترة طويلة، مضيفاً أن قوات البيشمركة تنتشر على الجبال الاستراتيجية بالقرب من الحدود السورية والتركية.
ولفت التقرير إلى أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، قام على غرار ما فعله الحشد الشعبي، بتشكيل فصيلين مسلحين من الايزيديين، وقام بنشرهما في سنجار الى جانب بعض الوحدات من البيشمركة، مضيفاً أنه عندما حاول الحزب الديمقراطي الكوردستاني الاستقلال بكردستان من خلال استفتاء العام 2017 ، شنت القوات الاتحادية المدعومة من الحشد الشعبي هجوماً عسكرياً واسعاً لاستعادة المناطق المتنازع عليها، فانسحب الحزب من هذه المناطق، بما في ذلك من سنجار.
وتابع التقرير، أن ميزان القوى في سنجار مال لصالح ايران، وذلك بفضل التحالف الذي انشأه المهندس بين حزب العمال الكوردستاني والفصائل المسلحة العراقية المناهضة لتركيا المدعومة من ايران.
وبعدما لفت التقرير الى اتفاقية سنجار للعام 2020 التي كانت محاولة لتخليص سنجار من كافة الفصائل المسلحة، واعادته الى ادارة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ذكر أن الاتفاقية انهارت بشكل مروع مع الفصائل المدعومة من ايران وفي مقدمتها كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق، والتي رفضت المغادرة، متهمة حكومة مصطفى الكاظمي بتسليم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مفاتيح سنجار.
ونقل التقرير عن مسؤولين عراقيين قولهم، إن هذا التعنت اثار استياء تركيا، ودفعها اثر انهيار اتفاق سنجار الى التدخل عسكريا في الصيف الماضي، حيث تكثفت العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكوردستاني وفروعه في سنجار، فيما تضاعفت الهجمات الصاروخية التي تستهدف قاعدة زليخان العسكرية التركية في بعشيقة منذ ذلك الوقت.
وتابع التقرير، أن عدم تمكن الحكومة العراقية من وقف هذه الهجمات المتبادلة، بالاضافة الى فشل الولايات المتحدة في التدخل لصالح اي طرف، تسبب في تعقيد المشهد واصبح الجميع في المنطقة تحت رحمة الاطراف المتصارعة.
ونقل التقرير عن المحلل في المعهد الامريكي للسلام ايلي ابو عون قوله إنه "بغض النظر عن التفاصيل، فأن الصراع في سنجار هو صراع تركي – ايراني، واذا اتفقت ايران وتركيا على مناطق نفوذهما، فأن الوضع في سنجار سيشهد استقرارا".
وقال ابو عون، إن "تركيا تتمتع حالياً بوضع افضل وتسعى للاستفادة من التطورات الايجابية في علاقاتها الاقليمية والغربية، من اجل دفع ايران الى الوراء قليلاً في سنجار، بينما تحاول ايران الاحتفاظ بمكتسباتها"، مضيفاً أنه في ظل تشتت المجتمع الدولي امام الاحداث في اوكرانيا واماكن اخرى، فأنه من غير المتوقع حدوث تنازلات او تسويات كبيرة في سنجار .
ولفت ايضاً إلى أن "اي محاولة لفتح جبهات جديدة ستقابل بالرفض"، ولهذا، قال ابو عون إنه "ليس من المتوقع خروج الامور عن السيطرة او تجاوز محاولات الدفع والتراجع بين الاتراك والايرانيين في سنجار".