شفق نيوز/ دعا موقع "وور أون ذا روكس" الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية، في ضوء التجربة الافغانية، الى قيام تنسيق أفضل لسياسات حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع الحكومة العراقية، وفهم أكبر من جانب الحلف لمنطق المؤسسة الامنية العراقية.
وكتب التقرير الاكاديمي والخبير العسكري بيتر داهل ثرولسين، الذي يدرس في الكلية الملكية العسكرية الدنماركية، وخدم لصالح حلف الناتو في العراق وأفغانستان والبوسنة وكرواتيا. وجاء التقرير تحت عنوان "خطأ في بلاد ما بين النهرين: الطموحات المتضاربة في مهمة الناتو في العراق".
وأشار التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ إلى أن الانهيار السريع للحكومة الافغانية تسبب بنقاش حاد وواسع داخل حلف الناتو حول الخطأ الذي حدث، مضيفا أنه أصبح من الواضح بشكل مؤلم الآن؛ أنه كان هناك عدم تطابق طويل الأمد بين اهداف مهمة الناتو والواقع الذي يواجه الحكومة الافغانية، ولا سيما قواتها الامنية.
ولفت التقرير إلى أنه كانت هناك ادلة خلال العامين الماضيين على عدم تطابق مماثل في مهمة الناتو في العراق، والى ان الخبير بيتر ثرولسين قاد عددا من مستشاري الناتو رفيعي المستوى العاملين في وزارة الدفاع العراقية حيث أتيحت له الفرصة للتدقيق وملاحظة بعض التناقضات والتعقيدات وجوانب القصور في النهج العراقي للناتو.
وتابع التقرير؛ ان الناتو "يقوم بعمل مهم في العراق، والحكومة العراقية تشعر بالامتنان لوجوده، ولكن لتحقيق النجاح، يتحتم على قيادة الناتو أن تجعل مصالحها تتماشى مع مصالح العراقيين الذي يتواجد الحلف من أجل مساعدتهم".
ودعا اولا الى "تنسيق افضل لسياسات الناتو وتواصله مع الحكومة العراقية، وثانيا ، الى فهم منطق المؤسسة الامنية العراقية بدلا من مجرد محاولة اعادة انشائها على صورة جيش الناتو".
واعتبر التقرير؛ أن تحسين مهارات الجيش العراقي ومستوى النجاح بذلك ليس مهمة سهلة بالنظر إلى أن العراق مر بما يقرب من 20 عاما من الصراع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مهمة الناتو في العراق هي مهمة استشارية بدعوة من الحكومة العراقية، وبالتالي فإنها مهمة غير قتالية ولها تأثير محدود للغاية على الحكومة العراقية.
ولهذا، يعتبر التقرير ان لا وجود "لجزرة ولا عصا حقيقية إذا لم يتفق العراقيون على اولوية".
وذكر التقرير بان مشاركة الناتو الحالية في العراق بدأت في عام 2015، من خلال برامج لتقديم المشورة والمساعدة والتدريب لقطاع الدفاع العراقي، كما تم إنشاء صندوق مالي لدعم مختلف جوانب بناء القدرات.
وتابع أنه في العام 2018، تم إنشاء مهمة رسمية: مهمة الناتو في العراق، وشملت مدربين عسكريين يقدمون تدريبات على المستوى التكتيكي في مراكز عراقية مختلفة وخبراء مدنيين وعسكريين يقدمون المشورة على المستوى الاستراتيجي في وزارة الدفاع العراقية.
وبينما قادت كندا مهمة الناتو من 2018 حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فإنه عندما تولت الدنمارك ادارة بعثة الحلف في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، كانت في حالة متهالكة الى بدرجة ما، وذلك بسبب الوضع الأمني ووباء كورونا، وتم إيقاف جميع انشطة البعثة تقريبا بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2020.
اما خلال أواخر الصيف والخريف، فقد عمل طاقم البعثة والقيادة الكندية من أجل تجهيزها قدر الامكان قبل ان تتولى الدنمارك القيادة، وفي 31 أكتوبر/تشرين الاول، أعلنت البعثة عن "القدرة التشغيلية الكاملة".
عدم تطابق يتزايد
وذكر التقرير؛ أنه سرعان ما اتضح ان المهمة لم تكن جاهزة تماما، وان الاهم من ذلك، أن الخطة الاستشارية على المستوى التكتيكي والتي تمت صياغتها من اجل توجيه انشطة البعثة على الارض في بغداد، لم يكن لديها الموارد اللازمة او دعم وزارة الدفاع العراقية بشكل حاسم.
وتابع أنه "لم تكن الحقائق على الأرض متطابقة مع الاتصالات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي والطموحات في المقرات الرئيسية".
ولفت إلى أن هذا الاختلال تعزز في فبراير/شباط 2021 عندما اعلن الامين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ زيادة مهمة الناتو من 500 الى 4000 فرد، وان الناتو سيوسع انشطته الاستشارية لتشمل مؤسسات عراقية اضافية مثل وزارة الداخلية ووزارة البيشمركة وجهاز مكافحة الارهاب.
وبعدما اشار الى ان الهدف من إعلان ستولتنبرغ كان اظهار ان الناتو ملتزم بقوة بمكافحة الارهاب وانه فاعل على ساحة الامن الدولي، الا انه في بغداد، فوجئ كثيرون ممن يعملون في مهمة الناتو، مضيفا أنه كان من الواضح أن رسائل الناتو لم يتم تنسيقها مع أصحاب المصلحة الفعليين في العراق.
كما اشار التقرير؛ الى ان الخبير بيتر ثرولسين كان يعمل في ذلك الوقت كمدير للقسم الاستشاري الوزاري ورئيسا لجميع مستشاري الناتو العاملين في وزارة الدفاع العراقية، وانه رأى بنفسه الاحباط الذي سببه ذلك.
وتابع ان "لعبة الارقام" بأكملها كانت تمثل نقطة حساسة للغاية بالنسبة للحكومة العراقية، وانه من وجهة نظر عراقية، فقد فاجأتهم الزيادة البالغة 3500 شخص، وأنهم في حين علموا من خلال الحوار المكثف بين مهمة الناتو والحكومة العراقية ان المهمة كانت على وشك التوسع، إلا أنهم مع ذلك، لم يعرفوا شيئا عن الرقم، موضحا أن الوضع السياسي في البلاد كان شديد الهشاشة، ولم يكن أحد يرغب في ان يظهر علانية مرتبطا بمأزق للسماح لمثل هذا العدد الكبير من القوات الاجنبية بدخول البلاد.
افضل الخطط الموضوعة
وذكر التقرير؛ أنه عندما تم الإعلان عن توسيع المهمة، كانت مقرات الناتو في مونس في بلجيكا ونابولي في ايطاليا، تعد خطط عمليات منقحة، مضيفا أنه بعد عامين من بدء المهمة، كان الحلف بحاجة ماسة الى خطة استشارية جديدة على المستوى التكتيكي لأن الخطة الحالية لم تكن مدعومة بالكامل من قبل وزارة الدفاع العراقية.
وعلى سبيل المثال، أشار التقرير الى أن خطط الناتو كانت تدعو الى ان يدمج العراقيون جهازي استخباراتهم العسكريين في جهاز واحد، وأن يدمجوا قياداتهم العسكرية الخمس في ثلاثة، لكن بعد قرابة شهر من التباحث مع العراقيين في أواخر العام 2020، تبين ان وزارة الدفاع العراقية لا تريد تنفيذ هذه الاقتراحات، وبالتالي فان خطة الحلف كانت تفتقر الى فهم منطق المؤسسة الامنية العراقية، وبدت وكانها تعبر عن رغبات الغرب وليس عما يريده العراقيون فعليا او هم بحاجة اليه.
كما اشار الى انه كان من المفترض أن يخضع طيران الجيش للقوات البرية وان يخضع الدفاع الجوي لسلاح الجو، لكن ذلك كان يتعارض مع الطموحات العراقية.
باختصار، اعتبر التقرير أن العناصر المهمة في الخطط التي طرحت، كانت تعكس طريقة حلف الناتو في القيام بالأمور، وليس طريقة العراقيين. واضاف ان هذه الأمثلة تعكس مدى صعوبة تطوير وتنفيذ خطة في بيئة امنية معقدة ومتوترة سياسيا، مشيرا إلى أن منطق علاقات القوة العراقية ونظامها، كان متعدد الأجندات العلنية والسرية.
ولفت التقرير الى انه عندما تكون المهمة "مدفوعة بالطلب"، فقد يكون من الصعب إنْ لم يكن من المستحيل، خلق الملكية والمشاركة بشأن المشورة غير المطلوبة، موضحا أن مقر الناتو في نابولي كان في احيان كثيرة مقتنعا باننا ببساطة بحاجة إلى أن نكون أكثر قوة، مشيرا الى ان جنرالا في الناتو تساءل "هل صفعت يدك على الطاولة؟"، متناسيا على ما يبدو ان الناتو لا يتواجد في العراق كقوة احتلال.
كيف يمكن للناتو أن يعمل بشكل أفضل؟
ودعا التقرير الى اعادة التفكير في نهج الناتو من اجل انجاح الحلف مهمته، وبالتالي تعزيز أمن العراق والحلف ايضا.
وقال التقرير "يحتاج صناع القرار في الناتو اولا الى مواءمة طموحاتهم مع طموحات صناع القرار العراقيين".
واشار الى انه "اذا كان الناتو موجودا لدعم الحرب ضد الإرهاب في مهمة مدفوعة بالطلب، فيجب على الناتو أن يستمع فعليا الى العراقيين ويعكس رسائلهم، وان محاولة التحدث في وقت واحد الى جمهور غربي يركز على بقاء الناتو، وآخر عراقي قلق بشأن وجود القوات الاجنبية في البلاد، سوف يعيق آفاق المهمة".
وثانيا، اعتبر التقرير أنه "يجب على مخططي الناتو تقليل معاييرهم لتحقيق النجاح"، مشيرا الى ان مهمة الحلف في العراق، تخضع لمطالب غير واقعية من جانب مقر الناتو.
وختم التقرير بالإشارة إلى أنه رغم التناقضات والتعقيدات وجوانب القصور في نهج الناتو، إلا ان البعثة حققت تقدما حقيقيا منذ اكتوبر/تشرين الاول 2020 على صعيد تطوير خطة استشارية جديدة بالتعاون الوثيق مع العراقيين. وتابع ان المستشارين ايضا أقاموا علاقات قوية مع محاوريهم الرئيسيين وانخرطوا مع العراقيين على جميع المستويات داخل وزارة الدفاع.
وتابع أنه بحلول فبراير/شباط 2021 كان للبعثة مفهوم استشاري جديد اشاد به العراقيون وخطة استشارية جديدة وافق عليها العراقيون، وهو ما شكل المرة الاولى التي يشهد فيها العراقيون بانفسهم المهمة تكمل خطة مفصلة للعمل كما يريدونه، كما اتيحت لهم الفرصة لتقديم ملاحظات، وجرى التخلي عن احلام الناتو في دمج جهازي الاستخبارات العسكريين في جهاز واحد، وقيادتهم العسكرية الخمس في ثلاثة.
وبناء على ذلك، اصبح بالامكان زيادة التركيز على التطوير المؤسسي وهو ما كانت وزارة الدفاع العراقية تتوقعها، على صعيد برامج التخطيط العسكري، وتوجيه الموارد البشرية وتطوير العقيدة.
وختم التقرير بالقول؛ إن "هذا التقدم يوضح ما يمكن للصبر والفهم والتوافق الاكبر، ان يحققه، وهو ما يجب أن يكون نموذجا للنجاح، في العراق للبعثات الاخرى القادمة للحلف ايضا".