شفق نيوز/ يبدو ان في كل ازمة تواجهها الحكومة تكون رواتب الموظفين هي الضحية. فرض الاستقطاعات والضرائب كان الحل الأسهل أمام الحكومة لتخفيف حدة هذه الازمة، بسبب عجز الحكومات السابقة التي توالت على العراق في تحويل البلاد الى الاقتصاد الحر وتنشيط القطاع الخاص والتخلص من الاقتصاد الريعي، ليتحول الفشل إلى أشبه بالكرة تلقيها كل حكومة على سابقتها.
وتسعى الحكومة الحالية لتعويض العجز المالي ضمن موازنة عام 2021 وتوفير السيولة المالية لتغطية رواتب الموظفين عبر تعظيم مواردها المالية ومنها تطبيق قانون ضريبة الدخل على رواتب موظفي الدولة.
وقانون رقم 113 لسنة 1982 وتعديلاته يشير الى الى ان دخل الموظفين ومخصصاتهم وكل ما يحصل عليه الموظف يجب ان يخضع الى الضريبة.
فيما رفض مختصون وخبراء بالاقتصاد فكرة فرض ضريبة الدخل على رواتب الموظفين، معتبرين أن ذلك سيؤدي الى تلاشي الطبقة الوسطى وازدياد الفقر في البلاد.
"كلمة حق اريد بها باطل"
يؤكد الخبير المالي هلال الطحان في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان فرض ضريبة الدخل على رواتب الموظفين هي أشبه بالكلام المأثور "كلمة حق اريد بها باطل"، مبينا ان "البرلمان لجأ الى هذه الضريبة لإضفاء نوع من الغطاء القانوني على الاستقطاع في حين الاستقطاع السابق والذي كان المزمع اجراءه، غطاء غير قانوني".
ويوضح الطحان؛ أن "المعروف في المالية العامة ان رواتب موظفي الدولة غطاء شفاف و يتأثر بتغيرات في المستوى العام للأسعار، بالتالي فرض الضرائب على الدخل او اي استقطاع منه سيؤثر على مستوى المعيشي ويؤثر على رفع مستوى الأسعار في السوق".
ويشير الطحان؛ إلى أن "المختصين في المالية لا يفضلون اللجوء إلى فرض مثل هذه الضرائب والاستقطاعات"، لافتا إلى أن "هناك ابواباً أخرى يمكن اللجوء إليها ويتم ترشيقها وضغطها بدلا من فرض هذه الضرائب على الدخل، مثل عملية تنظيم عملية شراء السيارات والاثاث والاثاث المكتبي وغيرها".
ويؤكد الطحان؛ ان "فرض مثل هذه الضرائب على الدخل سيزيد من نسبة الفقر وخاصة أن الموظفين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع العراقي ومن الطبقى الوسطى وهذا ما أكدته وزارة التخطيط مؤخرا من ارتفاع نسبة الفقر في العراق، كما ان اغلب الموظفين بعد عام 2003 لا تتعدى رواتبهم 750 الف دينار والبعض منهم اقل من هذا المبلغ".
ضريبة الدخل تدمر السوق
ويقول رئيس المركز الإعلامي الاقتصادي ضرغام محمد علي في حديث لوكالة شفق نيوز؛ إن "فرض ضريبة الدخل على الرواتب سيضاعف ازمة السيولة التي يشهدها السوق العراقي بسبب خفض قيمة الدينار وتزداد الأسواق ركودا، ويفقد القطاع الخاص عشرات الاف فرص العمل"، مبينا ان "اي استقطاع تحت أي مسمى مدمر للسوق، وايضا فان أي جباية حاليا يذهب معظمها لجيوب الفاسدين وليس لبناء الدولة؛ لذا فإن هذه الأضرار ليس امامها مكاسب تستحق التضحية وتحمل ضنك العيش".
ويرى علي أن "هناك بدائل أخرى يمكن أن تلجأ إليها الحكومة بدلا من فرض ضرائب على رواتب الموظفين، وهي ضبط الجباية والسيطرة عليها ومكافحة الفساد بجدية"، لافتا الى ان "الاستقطاع تحت أي مسمى هو غير قانوني وغير أخلاقي، ويخالف تعهدات البرلمان".
الحكومة توجب ضريبة الدخل
من جهته؛ يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية مظهر محمد صالح في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "ضريبة الدخل موجودة ضمن قانون 13 لسنة 1982 المعدل وبالتالي فهي تعتبر احدى الايرادات المهمة للدولة"، مبينا ان "المالية العامة إذا بقيت تنظر للجزئيات وان كل جزء لا يشكل شيء فإن المالية العامة ستنهار وتفلس"، ويشير إلى أن "المالية العامة يتم جمعها مثل حبات الرمل لتشكيل الجبل العظيم".
ويبين صالح؛ أنه "نظرا لريعية الاقتصاد العراقي التي هي النفط والتي تأتي بأموال كثيرة اهملنا الكثير من الايرادات، وهذه تعتبر خطر دائم وبالتالي فإن الضريبة هي جزء من الإيرادات المهمة والواجبة على المواطن".
ويلفت الى ان "قانون ضريبة الدخل طبق خلال الفترة الماضية نتيجة قرار اداري على الراتب الاسمي فقط ولم تشمل المخصصات معها بينما ان في العراق تشكل المخصصات أكثر بمرتين من الراتب الاسمي وبالتالي هذا القرار عطل القانون الخاص بضريبة الدخل"، ويؤكد ان "ضريبة الدخل ستطبق وفق القانون على الراتب الاسمي والمخصصات".
ويرى صالح أن "الضريبة يجب أن تفرض بعدالة على الجميع بدون استثناء ويجب ان تأخذ بنظر الاعتبار الإحصاءات وحجم العائلة والزوجة والاطفال والتي تسمى التنزيلات او الحسومات، وهناك الحد الادنى من الراتب سيكون معفى من الضريبة هذه جميعها يجب ان تاخذ بنظر الاعتبار"، ويلفت إلى أن "التهرب الضريبي يعتبر جريمة كبرى يعاقب عليها القانون".
الموظف الحلقة الأضعف
من جهته؛ يقول الموظف في وزارة التربية طالب محمد حسين في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "الموظف دائما الحلقة الأضعف ورواتبنا هي (حايط نصيص) في العراق، فأي مشكلة مالية تواجه الحكومة يكون خيار الاخيرة رواتب الموظفين".
ويشير حسين إلى ان "الموظف اصبح مهددا شأنه شأن العامل في القطاع الخاص بالافلاس والفقر بسبب هذه السياسات التي تتبعها الحكومة لتقليل من رواتب الموظفين"، ويرى أن "القضاء على الفساد سيجنب الحكومة هذه الاستقطاعات والمزيد من الفقر ".
ويصف الموظف في وزارة الصناعة احسان بريسم في حديث لوكالة شفق نيوز قرارات الحكومة بتقليص رواتب الموظفين بـ"العقوبة"، ويشير إلى "فشل سياسات الحكومة في ادارة الدولة بالرغم من المليارات الدولارات التي جنتها طوال السنوات والتي لم تشغل فيها أي مشروع استثماري والتي تلاشت الى جيوب الفاسدين".
ويضيف أن "كل البلدان المجاورة للعراق وحتى التي تفتقر للنفط الخام والموارد الاخرى التي يزخر بها العراق استطاعت ان تتعدى أزمة كورونا بالشكل الذي بدا وأن تأثير المرض كان بسيطا على المواطن، كما أنها لم تلجأ إلى المساس برواتب موظفيها".
وبحسب بعض أعضاء مجلس النواب الذين تحدثوا لوكالة شفق نيوز؛ فانه تم رفض بند استقطاعات رواتب الموظفين واعتماد ضريبة الدخل من قبل الحكومة لذوي الدخل العالي في موازنة عام 2021، مبينين أن الاستقطاعات في ضريبة الدخل لن تكون مؤثرة، وتُستثنى منها الفئات ذات الدخل المحدود.
وتكافح الحكومة العراقية لتأمين رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية الأخرى جراء انهيار أسعار النفط بفعل جائحة كورونا التي شلت قطاعات واسعة من اقتصاد العالم. ويعتمد البلد على إيرادات بيع الخام لتمويل 95 في المئة من نفقات الدولة.
واضطر العراق الى تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الصعبة خاصة الدولار الأمريكي بهدف توفير الرواتب التي دفعها في الربع الأخير من العام 2020 من خلال قانون العجز المالي (الاقتراض) الذي اقره البرلمان.