شفق نيوز/ في الوقت الذي بدأت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بالتعافي تدريجيا من آثار فيروس كورونا الذي بث الذعر في كل مكان وفي جميع أنحاء العالم، يواصل العراق فرض إجراءات الإعلاق العام دون أن يظهر أي توجه حكومي لدعم المواطنين وذوي الدخل المحدود على تجاوز أيام الإغلاق الصعبة.
اتبعت اوروبا وامريكا سياسات مشددة للقضاء او لتقليل المرض منها الحظر، توجت بالتوصل إلى مضاد لفيروس كورونا لتبدأ عملية الانفتاح الاقتصادي فيها تدريجيا.
العراق كان هو الآخر قد اتبع سياسة الحظر الكامل والجزئي منذ أن بدأ المرض بالانتشار في البلاد، إلا أن سياسة الدعم لم تكن موجودة في عقلية صانعي القرار بعد أن كان يقاوم لتلبية متطلبات رواتب الموظفين خلال الفترة الماضية نتيجة انخفاض أسعار النفط الذي يعتبر المورد الرئيسي للموازنة العامة أو حتى بعد ارتفاع أسعار النفط مع بداية العام الحالي.
ومع اقتراب عيد الفطر قامت الحكومة العراقية بالإعلان عن فرض حظر شامل للتجوال لمدة عشرة ايام لتجعل المواطن البسيط تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية لا يحسد عليها، وخاصة إذا ما عرفنا ان معظم المواطنين هم من الكسبة ذات القوت اليومي لتتلاشى فرحة العيد مع حظر التجوال, مما يجعل سيناريو الانهيار الاقتصادي مستمرا للدولة وللمواطن على حد سواء.
الحكومة بدون بدائل
يقول الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "الحكومة لا تملك بدائل لتعويض المواطن عن الآثار السلبية الناتجة عن ايام الحظر"، مبينا أن "الفقر في العراق بلغ 30% اضافة الى تجاوز البطالة نسبة 30% حسب ما أعلنته وزارة التخطيط".
ويضيف انطوان ان "الامم المتحدة حددت ثلاث نقاط بشأن كورونا أولا تقليص عدد الوفيات والإصابات، وثانيا معالجة الكساد والوضع الاقتصادي وتوفير لقمة العيش والخبز وثالثا التجارب المستخلصة من الوباء، وتأثيرها اقتصاديا واجتماعيا"، لافتا الى ان معالجة كورونا في العراق بالبداية لم تكن بطريقة صحيحة".
ويشير الى ان "العراق فقد 30% من الناتج الإجمالي المحلي في عام 2020 وهذا لا يمكن تعويضه بسهولة، حيث كان المفترض بالعراق ان يحذو حذو الدول الاخرى بتعويض المواطنين بأموال محددة خلال فترة الحظر داخل المنزل وان لا يترك هذه الاسر بدون اموال وخاصة اذا ما عرفنا ان اغلب الاسر لا تمتلك احتياطي مالي"، لافتا إلى ان "هناك 8 ملايين بالقطاع الخاص لا يملكون أي عمل خلال فترة الحظر ويتركون بدون أي دعم".
انقطاع المورد
ويقول الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان الحظر يؤثر على فرص العمل المؤقتة والدائمة و اصحاب الاجور اليومية مثل عمال البناء وعمال المطاعم وعمال التوصيل وسائقي الاجرة والباعة المتجولين او ما يطلق عليهم محليا بالجنابر، اضافة للأعمال الاسبوعية مثل اسواق الجمعة والغزل والمتنبي".
ويضيف أن "هذه تشكل فجوة في الانفاق خصوصا ان اصحاب الايجارات لا يقللون التعرفة في ظل ارتفاع الكلفة التشغيلية وانخفاض المردود لذا فإن الحظر يعتبر انقطاع كامل للمورد عن كل هذه الفئات بدون وجود تعويض لهم وهو ما يحصل مع كل حظر".
كساد في الأسواق
من جانبها؛ اعتبرت عضو لجنة الاقتصاد النيابية ندى شاكر جودت في حديث لوكالة شفق نيوز ان "الحظر وارتفاع الاسعار قد ادى الى حصول كساد في الأسواق وقد تزامن هذا مع حلول شهر رمضان ومن ثم العيد"، مشيرة إلى أن "معظم الناس تعيش على مصدر معيشة يومي، وبالتالي فان الحكومة لم تسهم في اعانة المواطن ماليا ولا هي قادرة على توفير المواد الصحية لمعالجة كورونا".
وتشير إلى أن "ما يحصل في العراق لم يحصل حتى في البلدان ذات الاقتصاديات الضعيفة التي تمكنت هذه البلدان من اعانة الناس في مثل هذه الظروف"، مبينة أن "معظم الناس في العراق هم من الكسبة ولا يوجد لديهم راتب ثابت وبالتالي من واجب الحكومة مساعدتهم في هذه المحنة، وأن تجد لهم حلول لهؤلاء الكسبة لا أن تغرقهم في الديون مع حلول العيد".
الحظر اضر بالكسبة
من جهته؛ اعتبر مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والمالية مظهر محمد صالح في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "أكثر الفئات تضررا بفعل الحظر هي فئة الكسبة التي تعتاش على ما تحصل من عملها اليومي"، لافتا الى ان "هذه الفئة التي ليس لديهم اي موظف او راتب رعاية اجتماعية أو تقاعد كمصدر دخل لهم ولا تتلقى اي دعم من الحكومة ويعيشون على تعامل السوق".
ويعتبر صالح أن "مثل هذه الفئة يجب أن يتم التعامل معها بحذر باعتبار تشكل أكثر من نصف المجتمع، وأن تدعم ماليا وخاصة مع توجه الدولة لفرض الحظر، لكي لا ترتفع الفجوة بين هذه الفئة والفئات الاخرى، ولكي لا تزداد نسبة الفقر في العراق اكثر، وخاصة إذا ما عرفنا ان هذه الفئات ليس لديها رصيد مالي قوي يمكنها من تمشية امورها في أوقات الحظر".
نسبة الفقر 30%
في الوقت الذي تعاني معظم القطاعات الاقتصادية من شبه توقف ازدادت نسبة الفقر والتضخم في الأسعار خلال الاشهر الماضية من العام الحالي.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي؛ إن "معدل التضخم قد ارتفع بنحو 5.6% منذ شهر تشرين الثاني 2020 لغاية اذار 2021، مما أثر على ارتفاع أسعار السوق المحلية".
ويضيف الهنداوي في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "الفقر ارتفع هو الآخر من 15% قبل عام 2014 الى 30 % خلال عام 2020". وبين أن نسبة البطالة في العراق تبلغ 13.8 حسب آخر إحصاء لعام 2018، لافتا الى ان "الوزارة تعمل على تحديث هذه الاحصائية لمعرفة اخر نسب البطالة في العراق".
مواطنون: الحظر قتل فرحة العيد
ويقول المواطن فاضل حسين في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "فرض الحظر قبل العيد بهذا الشكل ولمدة عشرة أيام قتل فرحة العيد ان وجدت"، مبينا ان "جميع الصائمين ينتظرون بلهفة عيد الفطر ليتنفسوا من خلاله فرحة العيد، إلا ان الحكومة افسدت فرحة العيد بهذا الحظر".
ويرى حسين؛ أن "الحظر الذي أعلنت عنه الحكومة قبل العيد أضر بالكثير من أصحاب المحلات التي تنتظر هذه الايام لتسويق بضائعها قبل العيد"، جازما ان "ما قامت به الحكومة من حظر ليس له علاقة بالصحة العامة بقدر ما هو له اسباب امنية".
ويقول المواطن حسن هادي صاحب احدى سيارات الاجرة في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "الكثير من اصحاب القطاع الخاص قد تضرروا جراء الحظر المتكرر من قبل الحكومة"، لافتا الى ان "ما يحصل عليه خلال فتح الحظر لبعض الأيام لا تسد حاجة اسرته المتكونة من خمسة افراد".
ويشير إلى أن "الكثير من المواطنين استغنوا عن ركوب سيارات الأجرة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي"، مستدركا في الوقت نفسه أن "فرض الحظر في العيد هو ضربة اخرى لأصحاب الدخل المحدود وأصحاب سيارات الاجرة الذين سيجلسون لمدة عشرة ايام بدون عمل والتي ستنعكس سلبا على حياة افراد اسرته التي سوف لن تتمكن من شراء حاجاتها من ملابس قبل العيد كما تعودت في كل عام".
المواطن محمد حسين صاحب للألبسة الجاهزة في منطقة الكرادة ببغداد يقول في حديث لوكالة شفق نيوز؛ ان "فرض حظر التجوال جاء في الوقت الغير مناسب وخاصة اننا ننتظر هذه الأيام ما قبل العيد لنبيع بضاعتنا ونسترزق منها بعد أن عانينا خلال الفترة الماضية من ركود في مبيعاتنا"، مشيرا إلى أنه "حتى في ايام العيد الماضي نبقى نسترزق ولم نغلق محلاتنا لوجود زبائن تاتي الينا لشراء الالبسة".
ويبين حسين؛ أن "هذه السنة ستكون صعبة على جميع المحلات وخاصة ان اصحاب الاملاك لا يرحمون ويرفضون تقليل الإيجارات وبالتالي ستقفل الكثير من المحلات نتيجة الإفلاس"، لافتا إلى أن "الدولة تبقى متفرجة على هذه الأوضاع ولا تحرك ساكنا وتفرض المزيد من الحظر غير مبالية لما يحصل فينا".
وقامت الحكومة العراقية في الآونة الاخيرة من فرض حظر تجوال شامل ليومي الجمعة والسبت وحظر جزئي لباقي أيام الأسبوع، فيما أعلنت عن حظر شامل ابتداء من يوم الاربعاء 12 ايار الجاري ولغاية 22 أيار الجاري، بذريعة منع انتشار فيروس كورونا خلال أيام العيد.