شفق نيوز/ كلما احتدمت الصراعات والتنافس والأزمات، كلما لجأ المتخاصمون إلى سلاح "الاغتيال"، وهي ظاهرة تزايدت مؤخرا سواء منذ إطلاق النار على الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، وصولا الى زعيم حركة حماس اسماعيل هنية، الى جانب محاولة اغتيال رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان بهجوم بطائرة مسيرة. 

ولا تتميز مجتمعات عن أخرى في ظاهرة اللجوء "الاغتيالات" الجسدية، وهي تجري حتى في المجتمعات التي تعتبر أكثر تطورا على غرار ما جرى ضد ترامب مؤخرا، والاغتيالات او محاولات القتل التي تعرض لها العشرات من الرؤساء والمرشحين والنواب وقادة المجتمع المدني والناشطين والمعارضين في الولايات المتحدة خلال العقود الماضية، بما في ذلك مثلا جون كينيدي او ابراهام لينكولن أو مارتن لوثر كينغ الابن، او مالكوم اكس. 

وعادة ما يعرف الباحثون ظاهرة الاغتيال بأنها عملية قتل متعمدة ومنظمة هدفها التخلص من شخصية محددة، تتمتع بوزن سياسي او عسكري او فكري او ديني، ويمثل التخلص منها ضربة للجهة التي ينتمي إليها ويضعفها، بينما في المقابل تساهم في تقوية وتحقيق مكاسب أكبر للجهة المنفذة للاغتيال، لكن العديد من علماء النفس يشيرون الى نزعة حيوانية في السلوك البشري. 

ويلفت المراقبون الى تزايد حوادث الاغتيالات مؤخرا، ما يؤشر الى ان العالم عموما يشهد أزمات واحتقان سياسي واجتماعي وأمني، ويختزن صراعات متزايدة، تنفجر معبرة عنها نفسها باغتيالات او مواجهات مسلحة بين الدول والأطراف. لكن تاريخ الاغتيالات، من تاريخ الإنسان نفسه. وبحسب بعض المرويات الدينية ان قتل "قابيل" لأخيه "هابيل"، اول جريمة اغتيال.

ومع ذلك، فإن ما من حقبة او عصر او مملكة او دولة قامت على مر تاريخ لم تشهد اغتيالا او اغتيالات. كما ان بعض الاغتيالات، لم تكن تخمد أزمات او صراعات، بل لعلها كانت تؤججها وتشعلها، مثلما جرى في اغتيال ولي العهد النمساوي فرانتس فرديناند الى مدينة ساراييفو البوسنية، وهي جريمة كانت من شرارات اندلاع الحرب العالمية الاولى العام 1914. 

وتعيش منطقة الشرق الأوسط منذ شهور حالات الاحتقان المتعددة التي تقود الى مثل هذه الاغتيالات. ويقول مراقبون أن سنوات ما سمي ب"الربيع العربي" التي تسببت بتغييرات واختلالات كبيرة في بنية المجتمعات السياسية والحزبية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تبعها وتزامن معها أيضا صعود ارهاب تنظيمي القاعدة وداعش وغيرهما من الجماعات التكفيرية، بعد مرحلة دموية اخرى من غزو افغانستان مرتين، ثم العراق والحرب السورية، كلها ساهمت في إفراز تناقضات سياسية ومجتمعية عديدة وتنافس إقليمي ودولي، كانت تترجم نفسها باغتيالات لشخصيات هنا وهناك. 

مثلا، يقول هؤلاء هناك اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري العام 2005، وهناك ايضا تسريب مشهد إعدام الديكتاتور العراقي الاسبق صدام حسين ليبدو كجريمة اغتيال او قتل، ويؤجج التوترات الطائفية في المنطقة. وهناك ايضا اغتيال بارز استهدف زعيم حركة حماس الشيخ احمد ياسين العام 2004، واغتيال قائد الحركة في غزة عبدالعزيز الرنتيسي بعده مباشرة في إطار سلسلة من التصفيات الاسرائيلية التي كانت تستهدف تقويض صعود قوة حماس وشعبيتها. وفي العام 2008، كان الاغتيال الذي تلا حرب تموز/يوليو 2006، كانتقام اسرائيلي من حزب الله، بقتل قائده العسكري عماد مغنية في دمشق. 

العديد من قادة التنظيمات والفصائل الارهابية في سوريا والعراق تعرضت للاغتيال في السنوات الماضية، بينهم 3 من زعماء داعش مثلا، وفي بعض الأحيان في اطار صراعات بين الارهابيين انفسهم، او بين القوى الداعمة لهم، فتتدحرج رؤوس البعض في لحظات تحول هامة. 

ولم يتوقف كثيرون عند اغتيال القيادي الارهابي العراقي البارز في ما يسمى "هيئة تحرير الشام" الارهابية التي كانت تعرف باسم "جبهة النصرة" سابقا، ابو ماريا القحطاني، واسمه الحقيقي ميسر عبدالله الجبوري في نيسان/ابريل الماضي، والذي جاء في لحظة خلط اوراق اقليمية، وتزايد مؤشرات مصالحة محتملة بين انقرة ودمشق، بالاضافة الى صراعات داخل التنظيم نفسه. 

وفي إطار الحرب الحالية الجارية في غزة وصارت شرارتها في العديد من أنحاء المنطقة، من طهران الى بغداد الى دمشق وبيروت وصولا الى اليمن، وقعت عدة عمليات اغتيال لشخصيات لها وزنها المهم. في بداية العام 2024، اغتالت اسرائيل القيادي البارز في حماس في الخارج صالح العاروري باستهدافه في قلب منطقة الضاحية في بيروت، ما رفع من وتيرة وعمق الهجمات التي يشنها حزب الله ضد المواقع والمستوطنات الإسرائيلية. 

والان قتلت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في قلب طهران، في هجوم جوي توعدت ايران على لسان مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي بالرد عليه، وهو ما ينذر بتأجيج الحرب الجارية في المنطقة، مثلما جرى في نيسان/ابريل الماضي عندما أغارت إسرائيل على المبنى التابع للسفارة الايرانية في دمشق وقتلت الجنرال في الحرس الثوري البارز محمد رضا زاهدي، فردت إيران بوابل من الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه المدن والمواقع الاسرائيلية، ما كاد يشعل حربا اقليمية متعددة الأطراف حيث شاركت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في التصدي لها.

ولم يكن الجنرال زاهدي القيادي الأبرز الذي تقتلته إسرائيل في سوريا، قبله نالت من العميد رضا موسوي الذي كان يعتبر مسؤول الإمداد في الحرس الثوري، وهو دور يعتقد انه كان يقوم به منذ العام 1987. كما نالت اسرائيل من مسؤول الاستخبارات في الحرس الثوري في سوريا حجة الله اميدوار بغارة في حي المزة الدمشقي، بالاضافة الى عدد كبير من قيادات وضباط الحرس الثوري في السنوات الماضية. 

في كتاب "انهض واقتل أولًا: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية"، الصادر العام 2018 من قبل المؤلف الاسرائيلي رونين بيرغمان، يشير ال ان اسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية نفذت او حاولت تنفيذ عمليات اغتيال ضد أشخاص، يفوق ما نفذته أي دولة غربية أخرى، بما في ذلك مسؤولين بريطانيين وقيادات فلسطينية ومن حزب الله وعلماء نوويين من إيران. حيث نفذت حتى ذلك العام، ما لا يقل عن 2700 عملية من هذا النوع. 

ولعل الاغتيال الأبرز الذي كان له تداعيات إقليمية وعراقية كبيرة، كان تصفية قائد قوة القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الذي قتل الى جانب نائب القائد البارز في الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، بغارة امريكية أمر بتنفيذها الرئيس الامريكي وقتها دونالد ترامب في 3 كانون الثاني/يناير العام 2020. ومن المعلوم ان هذا الاغتيال، ادى الى تصاعد الأصوات والضغوط الداخلية على حكومتي مصطفى الكاظمي ومحمد شياع السوداني من اجل اخراج القوات الامريكية من العراق، او اعادة صياغة وتحجيم دورها العسكري في العراق، وهي دعوات عادت لتتجدد وتتصاعد مع الغارة الامريكية على قاعدة للحشد الشعبي في جرف الصخر في محافظة بابل، ومع اغتيال اسماعيل هنية في طهران. 

يقول خبراء إن "الدولة العميقة" في بعض المجتمعات هي التي تقوم وتتآمر على احيانا كثيرة على زعيم  أو قائد للتخلص منها خدمة لأهدافها الأوسع. يستعيد هؤلاء مثلا اغتيال يوليوس قيصر في العام44  قبل الميلاد من جانب الطبقة الارستقراطية. يشيرون أيضا إلى كهنة المعابد الفرعونية الذي أرادوا التخلص من الملك اخناتون الذي كان يريد ادخال آلهة جديد للعبادة. 

على مدار تاريخ الدولتين الإسلاميتين، الأموية والعباسية، ما من خليفة لم يتعرض للاغتيال او محاولة لقتله، وقبلهم قتل 3 من الخلفاء الراشدين فيما بعد وفاة النبي محمد. 

"الدولة العميقة" ربما تكون هي ذاتها التي تخلصت من جون كينيدي كما تشير نظريات امريكية عديدة، وإلصاق الجريمة بمنفذ عادي لا يثير الشبهات ثم التخلص منه هو الآخر. 

ولعل أكثر الزعماء تعرضا لمحاولات اغتيال في التاريخ، هو الرئيس الكوبي الاسبق فيدل كاسترو الذي تقول صحيفة "ديلي ستار" البريطانية، انها بلغت أكثر من 600 محاولة، من جانب المخابرات الامريكية والمعارضين الكوبيين المدعومين من واشنطن، وذلك طوال نحو 60 سنة، من بينها تسميم السيجار وصولا القلم السام والى الايس كريم. لكن الزعيم التشيلي اليساري سلفادور الليندي، لم يتمتع بحظ كاسترو، وجرى اغتياله بانقلاب عسكري باطلاق النار عليه في قصره المحاصر من انقلابيين مولتهم الولايات المتحدة. 

في السودان، الصراع دائر ظاهريا بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الذي نجا اليوم من استهداف من جانب طائرة مسيرة اثناء احتفال تخريج عسكري في شرق البلاد، وبين قائد ما يسمى قوات الدعم السريع محمد دقلو حميدتي، وهو نزاع أوقع آلاف الضحايا وتسبب بنزوح مئات آلاف المدنيين. لكن الصراع كما تجلى تدريجيا لها خيوط اقليمية  ودولية عديدة، بينها دول عربية. 

ويخشى المراقبون الان ان الاغتيال الذي جرى في طهران والغارة الاسرائيلية في بيروت التي يعتقد أنها قتلت القيادي الأبرز في حزب الله فؤاد شكر، الى جانب الغارة في جرف الصخر وتهديد الفصائل العراقية بالرد واسقاط التهدئة، هي بمثابة مؤشرات واضحة بأن حكومة بنيامين نتنياهو قررت الانتقال الى مرحلة اكثر خطورة في الصراع الإقليمي، بغطاء من الإدارة الامريكية، ما يثير الكثير من المخاوف والهواجس إزاء المقبل من الأيام.