شفق نيوز/ يواجه العراق شح مائي يعد "الأصعب منذ ثلاثينيات القرن الماضي" كما وصفته وزارة الموارد المائية، ما أثر على القطاع الزراعي والحيواني والبيئي في البلاد، وكان للأول النصيب الأكبر من أزمة التغير المناخي التي يحتل العراق المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تضرراً منه.
وأدى الشح المائي إلى تقليص العراق للمساحات الزراعية لموسم الصيف الحالي، ونتيجة لذلك تأثرت محاصيل عديدة خاصة محصول الشلب أو "رز العنبر"، حتى وصلت زراعته إلى 5 آلاف دونم فقط، 3 الاف منها للنجف والفين للديوانية، لغرض المحافظة على بذور هذا الصنف الذي لا يزرع إلا في العراق، ومحاولة زراعته بالمواسم المقبلة.
ويعود التأثر الكبير للقطاع الزراعي إلى قدم الخطط الزراعية والاستمرار بعملية هدر المياه، "ما يعكس عدم وجود عقلية زراعية حقيقية ميدانية لإدارة هذا القطاع، ونتيجة لذلك وصل حال الزراعة إلى هذا التدهور الخطير"، وفق المستشار السابق للجنة الزراعية البرلمانية، عادل المختار.
ويضيف المختار لوكالة شفق نيوز، "وكذلك الوضع بالنسبة للثروة الحيوانية التي لا تزال تعتمد على الفلسفة البدائية القديمة، ما أدى إلى وصول الجاموس إلى مرحلة الانهيار، في وقت توقفت فيه محطتي أبقار اللطيفية والاسحاقي، أما محطات الأبقار الأخرى فهي معرضة لانتكاسات كبيرة".
ولم يقتصر النفوق على الجاموس والأبقار، إذ هلكت أيضا الكثير من الأسماك، فضلا عن جفاف معظم الاهوار وتحوّل مربي الثروة الحيوانية في هذه المناطق باتجاه مناطق أخرى للبحث عن بيئة مناسبة للعيش فيها، ما يستدعي اعادة النظر بالسياسة الزراعية لتواكب ما وصل إليه العالم من تقنيات متطورة في هذا المجال.
أزمة عميقة وكبيرة
وفي هذا السياق يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، ان "ملف المياه لم يعد ملفا فنيا لنتعامل معه، بل أصبح ملفا سياديا سياسيا، لأن الأزمة عميقة وكبيرة".
وعن إجراءات الوزارة بهذا الصدد يوضح الخزاعي لوكالة شفق نيوز، إن "هناك إجراءات بالتحول نحو طرق الري الحديثة باستخدام المرشات الثابتة والمحورية، لكنها تعالج جزءاً من المشكلة".
ويبين أن "المشكلة الاساسية هي شح مائي متصاعد منذ أكثر من 5 سنوات، إلى حين وصل الخزين المائي حاليا إلى مستويات حرجة دفع بوزارة الموارد المائية إلى اتخاذ قرار ردم البحيرات غير المجازة للمحافظة على المياه".
ويشدد الخزاعي على ضرورة "التعامل مع المياه بحذر شديد، لان فصل الصيف مدته طويلة، وارتفاع درجات الحرارة تضاعف استخدامات المياه سواءً على مستوى مياه الشرب والاستخدامات الأخرى".
ويؤكد ان "ما تسعى اليه وزارة الزراعة هو تقليل التأثيرات على القطاع الزراعي، وتشير التوقعات إلى ان الموسم المقبل سيشهد تغييرا ايجابيا في الوضع المناخي، فضلا عن وجود محاولات كثيرة مع الجانب التركي لزيادة الاطلاقات المائية".
أزمة المياه ترتبط بثلاثة أسباب
بدوره يشير المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد الشمال إلى أن أزمة شح المياه في العراق مرتبطة بثلاثة أسباب هي:
الأولى: التغيرات المناخية التي غيّرت طبيعة المناخ والتساقط المطري وحرارة المنطقة.
الثاني: الموقع الجغرافي رغم انه مميز، والعراق دولة مصب نهري دجلة والفرات ويتلقى المياه من تركيا بالدرجة الأساس ثم إيران وسوريا، الا ان ادارة الموارد المائية في البلاد تأثرت بالمشاريع الاروائية الكبرى لهذه الدول.
الثالث: طرق الري البدائية المستخدمة من قبل المزارعين في العراق، وشيوع ثقافة وفرة المياه، وقلة الوعي بأن المياه أصبحت شحيحة ما يستوجب التعامل على أنها ثمينة وذات قيمة عالية.
ثلاثة مسارات لحل الأزمة
ولحل أزمة المياه هناك ثلاثة مسارات تعمل عليها وزارة الموارد المائية وفق ما يقول الشمال لوكالة شفق نيوز، وهي:
المسار الأول: الخارجي، ويتمثل بإقناع دول الجوار المائي بمنح العراق الحصة المائية العادلة وفق الاستحقاقات الطبيعية، وان كان هناك تناقص بالإيرادات المائية في تلك الدول، فيتم العمل على تقاسم حصص المياه ضمن أفق مبدأين، الأول: تبادل المنفعة، والثاني: تقاسم الضرر.
المسار الثاني: الادارة المشتركة لحوضي دجلة والفرات والروافد المرتبطة بهما مع دول الجوار المائي، وهو ما يحتاج إلى تبادل المعلومات واستراتيجية اتخاذ القرارات المرتبطة بالتغيرات المناخية ونقص الايرادات.
الثالث والأخير: هو التحول نحو الري والزراعة الذكية باستخدام تقنيات الري، وترشيد استخدام المياه، ونقل المياه بطرق اكثر حداثة للزراعة المستدامة والزراعة الجافة والزراعة الذكية.
وفيما يتعلق بتوفير مياه الشرب، يؤكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، أنها "مؤمنة بالكامل، ومياه نهري دجلة والفرات ما تزال - رغم ندرة المياه فيهما - تكفي بالغرض، وتعمل وزارة الموارد على تأمين مياه الشرب وايصال الحصص المائية إلى كل مآخذ المياه في محطات الاسالة في جميع أنحاء العراق".
ويؤكد، أن "الحكومة جادة بأعمال تحلية المياه، وهو مشروع بدأ في محافظة البصرة منذ يومين، وأيضاً جادة في تأمين الموارد المائية، وتضع الحكومة قطاع المياه على رأس عمل اولوياتها، ولن تتهاون مع أي أمر داخلي أو خارجي بما يخص حقوق العراق وأمنه المائي، الذي يعد أحد أهم مقومات ومرتكزات الأمن القومي للعراق".
الزيارة المرتقبة
ويترقب العراق زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى بغداد لمناقشة جملة من الملفات المشتركة بين البلدين الجارين وعلى رأس تلك الملفات المياه.
وتشير توقعات مراقبين باحتمال أن تجري مقايضة بين استئناف تصدير نفط كوردستان عبر ميناء جيهان التركي، وفتح أنقرة السدود التركية التي تسببت بتقليص الحصة المائية للعراق ما أثار مواقف شعبية وسياسية ضدها مؤخرا.
وفي هذا الجانب يقول عضو لجنة الزراعة والاهوار النيابية، ثائر مخيف الجبوري، إن "العراق يترقب زيارة أردوغان إلى العراق وبالتأكيد ستكون هناك ملفات تفاهم بين البلدين ومخرجات هذه التفاهمات ستفضي إلى زيادة الاطلاقات المائية".
وعن مسألة مقايضة المياه يوضح الجبوري لوكالة شفق نيوز، "في كل دول العالم يحصل تبادل بين المصالح، هناك مصالح مشتركة بين العراق وتركيا، وكل رئيس يسعى لتحقيق إنجازات خلال تفاوضه مع الدول".